كيف خدمت المعارضة السورية بشار الأسد؟

31-08-2023
علي تمي
الكلمات الدالة المعارضة السورية بشار الأسد
A+ A-

 لا شك أن المعارضة السورية منذ انطلاقتها فيما كان يسمى بربيع دمشق بعد خطاب القسم لبشار الأسد الذي وعد فيه السوريين بأن الخليجيين "سيحلمون يوماً ما بالعيش في سوريا"، وعد الناس بالرفاهية ودعم التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، وفتح الباب أمام شخصيات سورية معارضة لتأسيس أول كتلة معارضة في تاريخ "البعث" سميت بربيع دمشق، وريثما تم تثبيت قدميه في السلطة، سرعان ما أمر بإنهاء كافة النشاطات السياسية، وزج المعارضين في السجون، وكانت تلك الحقبة، الحلقة الأولى من إعلان الحرب على الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته.
 
الثورة السورية فتحت جروح الماضي والحاضر  
 
بعد  مضي عشرين عاماً من خطاب القسم تبين اليوم للقاسي والداني أن تعيين شخص لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره لم يكن مجرد مسرحية فحسب، بل كان عنواناً لمرحلة جديدة وبداية لإغراق سوريا في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، ودفعها نحو الصراع الطائفي والمذهبي بمباركة من الدول الغربية التي أرادت تثبيت رغباتها من خلال تعيين رئيس صغير في السن لم يكن طموحه وتفكيره بحجم دولة كسوريا، بل تصرف كابن إقطاعي وفق مزاجه ورغباته الشخصية، أرادوا توريثه لأنه كان مطلوباً، واليوم تأكد للجميع بأن سبب توريث الحكم في سوريا كان خارج عن إرادة السوريين وتطلعاتهم المستقبلية لأنه يتماشى مع الرغبة الروسية والإيرانية.
 
 هل استفاد النظام من أخطاء المعارضة السورية؟ 
 
بدون ادنى شك، استفاد من المعارضة في أكثر من ملف وحلقة، بشار الأسد ظهر كشخص قوي على الإعلام ورغم أنه واجهة إيرانية – روسية في سوريا،   تصدر  المشهد وتلاعب بالمعارضة السورية بجميع تصنيفاتها وأسمائها، المعارضة التي خرجت من رحم "البعث " وجدت نفسها أمام أزمات سياسية وعسكرية تحتاج إلى العقل والخبرة السياسية والإعلامية الكافية لتعاطي مع هذه الملفات، ربما يقول قائل بأن النظام حصل على دعم مفتوح من الإيرانيين والروس، بينما المعارضة لم تحصل سوى على دعم طفيف وخجول من اصدقاءها لتسيير أمورها فقط.  
 
 هذا الكلام من حيث المبدأ صحيح، لكن ماذا لو امتلكت القوى السورية المعارضة الخبرة الكافية في التعاطي مع الملفات والمعقدة والشائكة، وحتى لو وجدت نفسها اليوم في ساحة مفتوحة على مصراعيها، يتعارك فيها لاعبون كبار وأدواتهم لهذا السبب دخلت حالة الارتباك والفوضى، كما ساهم  بشار الأسد بإغراقها داخل التفاصيل والعناوين وتعدد المؤتمرات سواء في آستانة أو جنيف واللعب على عامل الوقت حتى أطاح بما تبقى بالفصائل العسكرية وحجمت  دورها  داخل مناطق محددة، ومنذ 2016  بدأت المعارضة السورية تلفظ أنفاسها الأخيرة لولا الدعم المحددة التي يقدم لها لما تبقى أساساً على قيد الحياة حتى الآن .
 
ما الذي كان بإمكان المعارضة فعله ولم تفعل؟   
 
فُتح المجال أمام المعارضة السورية منذ 2012، واستلمت مقعد النظام في الجامعة العربية لفترة محددة، بالإضافة إلى فتح الآفاق الدولية أمامها واعتراف 122 دولة بشرعيتها السياسية ، لكن المشكلة الأساسية والتحدي الأكبر انها فشلت في استثمار هذه الفرص وانشغلت بالمواضيع الشخصية والثانوية، وكان السبب الرئيسي في خسارة المعركة السياسية أمام النظام في الساحات والميادين الدولية، ومعظم الذين تصدروا المشهد كانوا موظفين في الدولة، وبالتالي لم يمارسوا السياسية بفنونها وعناوينها وحنكتها المطلوبة، بل تعاملوا بعقلية الموظف المأمور في التعاطي مع الشأن السياسي كما استخدم النظام المال السياسي لاختراقها وبرمجتها وفق أجنداته بعيدة المدى، وحاول إشغال المعارضة بمواضيع ثانوية ريثما تحسم المعركة ميدانياً وهذا ما حدث بالفعل رغم أن الإرادة الدولية لم تعترف له بالانتصار، ورغم تعاطي الجامعة العربية معه كأمر واقع جديد لا مفر منه بسبب تشابك المصالح بين الدول .
 
ماذا بعد 12 عاماً؟
 
نتيجة  لتداخل المصالح الدولية والإقليمية  ولكل دولة مصالحها ومبرراتها في التدخل، تحولت سوريا إلى ساحة مفتوحة للصراع، تتعارك فيما بينها خدمة لأجنداتها طويلة الأمد، مايدفعنا إلى القول: إن بقاء بشار الأسد في السلطة حتى اليوم، ورغم مليون مهجر بين الداخل والخارج وآلاف المعتقلين، و15 مليون سوري نازح من دياره ، كل هذه المعطيات على الأرض الواقع لم تقنع المجتمع الدولي بالمساعدة في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وفق قرار 2254 التي دخلت عامها ال12 وذلك للأسباب التالية :
 
 - المعارضة السورية بجميع مسمياتها وتصنيفاتها لا تزال غارقة في الشعارات القومية التي عفا عليها الزمن .
 
- تعاني من ضعف النظرة السياسية، وعدم التعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية وفق ما هو مطلوب،بل اعتمدت على مزاجها ورغباتها الشخصية ، وبالتالي اضاعت الفرص التي كانت متاحة أمامها .
 
 - المعارضة لاتزال تنظر إلى المكونات والقوميات التي تتعايش داخل سوريا منذ آلاف السنين على أنها خطر على الجغرافية السياسية ، وبالتالي تتعاطى معها بحذر ودون طرح حلول واقعية ومنطقية تستوعب الجميع تحت المظلة السورية .
 
 ومن هذا المنطلق وبناءاً على كل ما ذكر، المجتمع الدولي وجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما شرعنة تجربة مصر عام 2012 في سوريا وتحت مظلة جماعة الاخوان المسلمين ، وبالتالي توسيع دائرة   الصراعات في الشرق الأوسط ، أو ترك الأمور كما هي.
 
الخيار الدولي الذي تم اعتماده اليوم بات يخالف طموحات السوريين ، فالأميركي يسيطر اليوم على سلة الغذاء السورية، وهي منطقة شرق الفرات بينما الروس فرضوا هيمنتهم على الساحل السوري وتركوا الساحة للمليشيات الإيرانية والعراقية تفعل ماتشاء بالشعب السوري. أما 
تركيا هي الآخرى المعنية بالملف السوري قبل الجميع بسبب الحدود المشتركة التي تمتد على طول 913 كم . أنقرة وجدت نفسها بين نارين، إما أن تنقسم سوريا، وتبقى مكتوفة الأيدي، أو أن تتدخل عسكرياً وتخلط الأوراق وتضرب المخطط بعرض الحائط ، بلاشك اختارت البند الثاني، لأن التلاعب بالجغرافيا السورية يعتبر مسالة حياة أو موت لها.
 
بالمحصلة، أمام المعارضة السورية اليوم خيارين لا ثالث لهما، إما أن تطور نفسها وتتعامل بعقلانية مع الملف السوري وبطريقة ديناميكية قريبة إلى الواقع تتلاءم مع توجهات المجتمع الدولي حتى تفسح لها المجال للوصول إلى السلطة أوان تنزاح جانباً وتدور في حلقة مفرغة لأن اللعب على عامل الوقت لم تعد تفيد أحد، فسوريا كدولة، جغرافيتها مهددة اليوم ،الصراع على أوكرانيا جعل من هذا البلد ورقة روسية أمريكية لا يمكن التخلي عنها مهما كلف، واليوم الجيش الأميركي يحاول اغلاق الحدود السورية العراقية وعزل الشريط الحدودي تماماً على امتداد 400 كم تمهيداً لطرد المليشيات الإيرانية من شرق الفرات، وبالتالي تمهيداً لسيناريو جديد تحضر له واشنطن خارجة عن إرادة الجميع .
 
المطلوب اليوم هو الدعوة الى عقد مؤتمر وطني جامع يشارك فيه جميع المكونات والطوائف، ويتم الاتفاق فيما بينهم على الخطوط العريضة لمستقبل سوريا، وإلا فإن سوريا كدولة، مقبلة على سيناريوهات مخيفة، وإن فشلنا في هذه المعركة فعندها عقارب الساعة لن تعود إلى الخلف مهما قدمنا من تضحيات، المعارضة السورية بكل تصنيفاتها وأسمائها مطالبة اليوم بتقديم مراجعة شاملة لإعادة الاعتبار لنفسها، وحتى لا ترمى بها في قائمة المنظمات غير المرغوب بها دولياً، وبالتالي يستفرد بشار الأسد بالسلطة في سوريا لعقود أخرى، وعندها علينا أن نخبر أبناءنا بتوريث آخر قادم خلال عشرون سنة المقبلة، وهذا ما لا يتمناه الجميع بالطبع.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

طلال محمد

أهمية مشاركة الكورد في إدارة سوريا الجديدة

في ظل ما مرت به سوريا من حرب مدمرة منذ عام 2011، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة قائمة على العدالة، المواطنة، والتعددية. وفي هذا السياق، تبرز قضية مشاركة الكورد في إدارة البلاد كأحد أبرز التحديات والفرص على حد سواء. فالكورد، بوصفهم ثاني أكبر قومية في سوريا، ليسوا مجرد مكوّن ديمغرافي، بل شريك أصيل في التاريخ والجغرافية والسياسة، ولا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون مشاركتهم الفاعلة في بنائه.