المنهاج الحكومي والسقف الزمني

30-12-2023
سيف السعدي
A+ A-

تضمَّن المنهاج الوزاري عدة نقاط، تجعل المراقب والباحث في حيرةٍ من أمره، والذي يطلع عليها يقول دولة الرئيس قل نظيره، تناول معالجة البطالة والفئات الفقيرة، حل ازمة الدولار والتسعيرة، حصر السلاح بيد الدولة وإزالة تأثيره، وتشجيع الاستثمار وتنويع الاقتصاد وتطويره، ومحاسبة الفاسد والمسؤول عن تقصيره،  ارجاع النازحين وتشريع القوانين وتعويض المتضررين لإنهاء معاناتهم المريرة، ويبقى السؤال هل ستطبق النقاط أم انها حبر على ورقة خاصة بالرئيس وتنظيره؟

لم يأتِ رئيس حكومة إلا وقدم لنا منهاجاً وزارياً يضم نقاط كثيرة ومهمة، وإذا ما تم تطبيقها سنجد العراق يكون مثل مدينة "أفلاطون الفاضلة" ودولة "ارسطو الدستورية"، ولكن المشكلة تكمن في نهاية ولاية الحكومة ويبقى المنهاج الوزاري حبر على ورق، ولربما هناك من يسأل لماذا يقدم المرشح لرئاسة الوزراء منهاج يتضمن سقوف زمنية لا يتم الالتزام بها، فضلاً عن عدم تطبيقها حتى خارج السقف الزمني المحدد!!!، الجواب يكمن في المادة (76/رابعاً) من الدستور والتي نصت على "يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويُعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة"، وهنا يفترض رئيس الحكومة ملزم بتطبيق المنهاج وفق الدستور لأنه مصوت عليه من ممثلي الشعب داخل مجلس النواب بتوقيتاته الزمنية، على سبيل المثال من أولويات حكومة السيد محمد شياع السوداني مكافحة الفساد الإداري والمالي!!! ومن نافلة القول إن هذا الشعار كان موجوداً ضمن منهاج الحكومات السابقة ولكن لم يتحقق شيء، ولن تستطيع أي حكومة حالية أو لاحقة محاربة الفساد بشكل حقيقي، لأن اي عملية لمحاربة الفساد تتطلب تغيير جذري للطبقة السياسية وهذا الامر يصعب تحقيقه، لأن الفساد المالي والإداري هو جزء من بُنية الطبقة السياسية بعد (٢٠٠٣) لغاية يومنا هذا.

تضمن المنهاج الحكومي مطلب خاص بالحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر عن طريق تحسين إدارة وكفاءة شبكة الحماية الاجتماعية مع زيادة الاعانة النقدية الشهرية وزيادة الشمول للعوائل المستحقة من اجل معالجة الفقر!!، المشكلة تم استغلال هذه الفئات انتخابياً ومنحهم رواتب عن طريق "الماستر كارد" مقابل اصواتهم للمرشح في حين هي استحقاقهم وليس لأحد منَّة عليهم!!، ايضاً تضمن المنهاج الحكومي إعادة النازحين إلى مناطقهم بسقف زمني تم تحديده في ورقة الاتفاق السياسي والتي هي جزءٌ لا يتجزأ من المنهاج الحكومي، إذ تم التأكيد على أن تكون الفترة (ستة اشهر من تشكل الحكومة) ولغاية الان لم يتم تحقيق هذا المطلب على الرغم من مرور عام على تشكيل الحكومة!!، إعادة إعمار مناطق سنجار وإعادة النازحين إلى مناطقهم لم يتحقق!!، معالجة أزمة الكهرباء وتم تضمين مطلب في المنهاج الحكومي نص على "المباشر بحملة كبيرة ومستعجلة لصيانة وتأهيل محطات التوليد بكل أنواعها، البدء بخطة محددة بجدول زمني لفك الاختناقات في قطاع النقل والتوزيع استعداداً لصيف (2023) والحمدلله الان يفصلنا يوم واحد عن عام (2024) ولم يتم تحقيق هذا المطلب!!، وكذلك استكمال انشاء محطات ومشاريع التحويل والنقل والتوليد للمنظومة الكهربائية، والتركيز على التوليد بالطاقة الشمسية!!.

أما ما يخص الزراعة والموارد المائية خصص دولة الرئيس محور كامل لهما يتمثل بوضع خطة مستعجلة لدعم المزارعين بهدف إنجاح الخطة الزراعية للموسم الشتوي القادم (2022/ 2023)، فضلاً عن إيلاء موضوع التغيير المناخي وانعكاساته على البيئة في العراق من جفاف وتصحر، والتعاون مع دول العالم والمنظمات الدولية ومؤتمر المناخ العالمي وتخفيف الضرر الذي لحق بالعراق جراء ذلك!!! ولغاية الان لم يتغير وضع الزراعة مع زيادة جفاف نهري دجلة والفرات، اما الصناعة فقد كان تركيز السيد السوداني على شعار (صنع في العراق) من خلال إطلاق خطة إعادة تأهيل وهيكلة الشركات الصناعية العامة العائدة لوزارة الصناعة، تشغيل المصانع المتوقفة حالياً!!! كم مصنع تم تشغيله؟؟.

السيد السوداني أعطى أهمية كبيرة للقطاع النفطي في المنهاج الوزاري وركز على قطاع التصدير وقطاع المصافي، وقطاع الغاز، وتنفيذ خطة لاستثمار الغاز المصاحب ومتابعة تنفيذها للوصول إلى الهدف الذي وضعت لأجله وإيقاف حرق الغاز والاستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية وإنشاء الصناعات البتروكيمياوية وتطوير صناعة الأسمدة الكيمياوية، مع وضع هدف لتخفيض نسبة الاعتماد على الإيرادات النفطية لتمويل موازنة الدولة خلال ثلاثة سنوات إلى (80٪؜) من خلال تنويع وتعظيم الإيرادات غير النفطية! وهذا الأمر اشبه بالمستحيل كون العراق دولة ريعية تعتمد على بيع النفط بالدرجة الأساس مع غياب الزراعة والتجارة والاسترداد اكثر من التصدير، اي مستهلك غير منتج ما عدا النفط.
 
اما الاستثمار عندما اطلع على فقرات المحور اتخيل "ماو" مؤسس الصين أو "هوشي منه" مؤسس فيتنام الحديثة أو الشيخة (حسنة) رئيسة حكومة بنغلادش، خصوصاً في الفقرة الثالثة التي تتحدث عن حسم ملف المدن الصناعية والاستثماريّة وتيسير إجراءات إنشائها وتطويرها، ملف الاستثمار مرتبط بالبيئة المناسبة اي الأمن والاستقرار المتحقق لأن القاعدة الاقتصادية تقول (رأس المال جبان)، والخروقات المتكررة والسلاح المنفلت أكبر تهديد لملف الاستثمار، لذلك السيد السوداني لم يغفل جانب الامن والاستقرار في المنهاج الحكومي وحدد في النقطة التاسعة "انهاء ظاهرة السلاح المنفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة"، واصبح موضوع انهاء السلاح المنفلت شعار لأغلب الحكومات المتعاقبة حاله حال شعار محاربة الفساد هو شعار للاستهلاك الإعلامي.

محاور المنهاج الحكومي كثيرة وتحتاج إلى سقف زمني من (10 -15) عاماً لغرض تحقيق جزءاً منها كون اغلبها مشاريع استراتيجية مثل إنشاء شبكة الطرق (السكك والقناة الجافة) التي تربط ميناء الفاو بدول الجوار للعراق، وضع خطط متكاملة للبدء بالإعلان عن تنفيذ المشاريع الاستثمارية في الصناعات التحويلية والبتروكيماوية!!! وهذا يدل على ان اغلب فقرات المنهاج الحكومي جاءت للاستعراض، ونجد (س) التسويف حاضرة على الأغلب ، مما يجعل المراقب للشأن الحكومي في حالة يأس لعدم تطبيق المنهاج كما مكتوب. 

اخيراً أن الحديث عن نقاط ورقة الاتفاق السياسي التي تمثل رؤية الشركاء بتشكيل الحكومة (السُنة والكورد) وهي جزء من المنهاج الحكومي وملزمة بتطبيقها ضمن السقف الزمني المحدد، مثل ارجاع النازحين وإعمار مناطقهم من ضمنهم نازحو جرف الصخر خلال مدة لا تتجاوز (ستة اشهر من تشكيل الحكومة)!!، تعويض المتضررين جراء العمليات الارهابية والعسكرية في المحافظات المحررة، تلتزم الحكومة ببناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها (ثلاثة اشهر من تشكيل الحكومة)، العمل على الكشف عن مصير المفقودين ويتم شمولهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد اجراء التدقيق الأمني، تقديم هيئة المساءلة والعدالة تقريراً نهائياً عن المشمولين بإجراءاتها وهم كل من أعضاء الفرق فما فوق والعضو الذي اثرى على حساب المال لعام بقرار قضائي بات ، ومنتسبي الأجهزة القمعية خلال (ثلاثين يوماً من تشكيل الحكومة) تمهيداً لإلغاء الهيئة طبقاً لاحكام المادة (25) من قانون رقم (10) لسنة 2008، معالجة العمل بالوكالة في إدارة مؤسسات الدولة خلال فترة (ستة أشهر من تشكيل الحكومة)، إكمال تشريع قانون النفط والغاز وفقاً للدستور العراقي خلال مدة (ستة اشهر من تشكيل الحكومة)، يقوم رئيس مجلس الوزراء حال مباشرة مهامه بتشكيل لجنة لتقييم أداء (المحافظين بالوكالة) واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بحق المقصرين والفاسدين خلال (ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة)، تشريع قانون مجلس الاتحاد خلال (ستة اشهر من تشكيل الحكومة)، تشريع قانون المحكمة الاتحادية خلال (ستة اشهر)، تشريع قانون الغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل خلال (ستة اشهر)، اجراء انتخابات مبكرة خلال (عام )، والمقصود هنا انتخابات مجلس النواب وليس الانتخابات المحلية، لأن كلمة مبكرة تطلق على الدورة الانتخابية غير المنتهية ولايتها، وليس انتخابات محلية لم يتم اجراؤها منذ (10) سنوات، ومن خلال تحليلنا لمضمون المنهاج الوزاري  لغاية الان لم يطبق منها سوى اجزاء قليلة جداً مقارنة بالمضمون، وهذه تعد مخالفة للمادة (50) من الدستور العراقي ومخالفة للمادة (76/ رابعاً) لأن المنهاج الوزاري مصوت عليه داخل المجلس والحكومة يجب ان تلتزم بما ألزمت نفسها بالسقف الزمني المحدد، وإلا يبقى حبر على ورق.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

حسين عمر

حكومة "نواة" الهيئة

لم يُفاجئ رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أحدًا (سوى الموهومين والمتوهّمين) بتشكيلته الوزارية التي أعلنها في حفلٍ، أراده استعراضيًا، في قصره، قصر الشعب، وفق المسمّى الرسميّ.