من المهم للإنسان – أي أنسان – أن يتوقف لحظات بين فترة و أخرى، ليتأمل الماضى و يتطلع الى المستقبل. ليس الماضى مجرد ذكريات شاحبة أو صور غامضة ، بل عالم ملىء بالأفراح و الأحزان و التجارب.. و ثمة شواهد مادية ، على شكل صور فوتوغرافية، ورسائل و مذكرات و هدايا و أشياء أخرى كثيرة، ترسم لنا صورة حية ومؤثرة للطريق الذى قطعناه، لذا فأنني أحب أن أقلب صفحات الماضي.. وأنظر إلى صور أعزاء رحلوا إلى الأبد ورسائل مفعمة بالمشاعر الرقيقة ويوميات تنبض بحرارة العاطفة والوجدان.
أقلب أوراقي القديمة و بينها قصاصات من الصحف الأجنبية، التى تتحدث عن المحن، التى مر بها، شعبنا الكوردى وتسجل بطولاته ومآثره التى توجت بانتفاضة 5 آذار المجيدة عام 1991، التى حققت لشعبنا الخطوة الأولى فى انتزاع كامل حقوقه، تلك الحقوق التى منَ الله بها على كل أمم الأرض.. أقلب أوراقي وكم من مرة عثرت فيها على صيد ثمين.
قصائد و قصص كتبتها في فترات مختلفة، لم تنشر لحد الآن، ليس لأننى غير راض عنها، بل لأن مساحة (التابو) لا زالت تكاد تغطى الجزء الأكبر من حياتنا في مجتمع شرقس، يناقض الطبيعة في كل شيء. ولكن هذا موضوع آخر. و لنبدأ الحكاية من أولها: بين أوراقي رسالة من (20) صفحة (فولسكاب)، مكتوبة بخط جميل ودقيق، كان قد بعثها لي، صديق العمر الفنان التشكيلى الراحل محمد عارف (1937) 2009 - في 1/6/1968 من مدينة أبها السعودية، حيث عمل هناك لبعض الوقت، مشرفا فنياً.
الرسالة طافحة بأنطباعات عن الحياة في السعودية و تصورات عن الفنون التشكيلية و ما كان يشغل فكره ووجدانه فى ذلك الوقت من مشاريع فنية وقضايا حياتية.
وفى الرسالة مقتطفات من الشعر الكوردي القديم والحديث ( حاجى قادر كويى ، هه ردى كوران). ثم يتحدث الفنان الراحل عن صديقه، الشاعر السوري المغترب (فى السعودية أيضاً) علي دمر (1925–1985)، حيث كانا يعملان معاً في مجال التعليم في مدينة أبها، وهو شاعر كبير له ثمانية دواوين، منها ديوان "حنين الليالي" الذى صدر فى القاهرة فى عام (1954)، وديوان "المجهولة" صدر فى بيروت عام (1968) و يضم 625 رباعية تعكس خلاصة فلسفته و نظرته الى الحياة و افكاره و احاسيسه الجياشة.
وكان الشاعر العراقى الكبير أحمد الصافى النجفى من أصدقاء علي دمر المقربين. و في الديوان باب تحت عنوان "عوامل الهزيمة" تصدره قول مأثور "معرفة النفس أولى درجات الكمال" ويتضمن هذا الباب، خمس رباعيات يتحدث فيها الشاعر عن بطولات الكورد و مآثرهم:
"لقد كتب الأكراد أروع صفحة بتأريخنا عبرَ العصور الذواهب
فما بالنا ننسى و نجزى جميلهم و أحسانهم فينا بشر العواقب
فلولا صلاح الدين ، ضاعت عروبة و ضاع من الأسلام أشرف محتدِ
لقد أنقذ القدس الأسير من العدا و أنقذ قبل القدس قبر "محمدِ
"و نحن أضعناها و ننزل خسة بشعب صلاح الدين نار النوازل الا نستحى من فارس صان عرضنا و أمجادنا .. يا خزينا فى المحافل
و لم أر فى الكردى الا رجولةً و صدقاً و أخلاصاً و فنا مؤصلاً نوابغنا منهم فشوقى نموذج و يكفى الرصافى و الزهاوى لدى العلا
لقد مزجوا بالعرب قلبا و قالباً فما بالهم ، ما بالنا نتفرق؟ إذا طلبوا بعض الحقوق فإنهم جديرون بالأرواح منا و أليقُ".
ونقول لمن يجهل تاريخ الكرد و بطولاتهم فى معركة تحرير القدس و سواها من معارك الحروب الصليبية، التى دارت رحاها فى بلاد الشام بين المسلمين والصليبيين، أن معظم قواد و عناصر جيش صلاح الدين الأيوبي كانوا كورداً ومن مناطق إقليم كوردستان و خصوصاً مدينة أربيل العريقة الشامخة وكذلك الدولة الأيوبية التي أسسها الكورد بقيادة أحد أعظم الشخصيات في تاريخ البشرية وهو البطل صلاح الدين الأيوبي.
كاتب ومترجم
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً