ما حدث في العراق بعد إنحراف ثورة تموز 1958 عن سبيلها الصحيح، كان خسارة صعبة ومعقدة للوطن والشعب وبالذات للكوردستانيين الذين حاولوا تعويض تلك الخسارة وتطييب جراحاتها العميقة، بارادة وروح وطنية صادقة وقوية، ولكن ومع الأسف، كانت تأثيرات القوى السيئة والمدسوسة وعدم انضباطها بالدستور والقوانين أقوى بكثير من قوى الخير، لذلك تم خلط السم مع العسل لتقديمه لعبد الكريم قاسم دون أن يشعر بذلك.
كثرت علامات الإستفهام وتعكرت العلاقات الكوردية مع الزعيم قاسم، والأخطر من ذلك هو أن السلطات في بغداد أرغمت الكوردستانيين بالمضايقات والصعوبات وزرع الخوف واليأس على حمل السلاح للدفاع عن النفس بعزيمة واعدة، والإنطلاق بثورة مضيئة حققت الكثير من النجاحات، وأرغمت حكومة البعث على الإعتراف بالحكم الذاتي للكورد في 1970.
خلال عهد الثورة، وفي 28 أيلول 1963، إنطلقت إذاعة صوت كوردستان التي تعد المدرسة الإعلامية الكوردستانية العريقة والتي كان تأسيسها بتوجيه من البارزاني الخالد وقيادة ثورة أيلول التحررية وذلك لايصال صوت الثورة الى الشعب الكوردي وصوت الكورد الى العالم.
وفي ظل واقع صعب وقاس، وفي ظل ظروف دولية كانت لصالح الحكام على حساب الشعوب، ولصالح المصالح على المبادئ والقيم والاعراف الانسانية والسماوية، أصبحت تلك الاذاعة صوتاً هادراً للبيشمركة الرابضين في سهول وروابي وجبال كوردستان، صوتاً للعمال والفلاحين والطلبة والمثقفين، ولعموم الكورد والعراقيين الذين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب في سجون الحكومات العراقية المتتالية، صوتاً لإناس عاهدوا الله والوطن وأرواح الشهداء، أن يظلوا من جهة أشواكاً في عيون أعداء الإنسانية، ويكونوا لهم بالمرصاد في ساحات الوغى ومن جهة أخرى يناضلوا من أجل الحياة ونشر أجواء السلام والمحبة والمودة والأمان والاطمئنان.
لقد حظيت هذه الاذاعة، ومنذ بداية عهدها، بالعشق الاسطوري للعاملين فيها، والذين ضحوا بكافة ملذات الحياة في المدن، وفي أوقات كانت تحرق أرض كوردستان بقنابل النابالم والفسفور والاسلحة المحرّمة دولياً، إستطاعت إشباع رغبات المستمعين في كافة أجزاء كوردستان، ونشر النهج التربوي الأخلاقي للثورة الكوردية، وترسيخ الفكر الديمقراطي، وفضح أساليب النظم الوحشية الحاكمة في بغداد وممارساتها القمعية ضد الشعب الكوردي التواق للحرية والكرامة الإنسانية.
كما نجحت في رفع عزيمة ومعنويات البيشمركة لصد الهجمات الشرسة لجيوش وجحوش السلطات الباغية، وأوقدت بصوتها الجياش أوار المقاومة والصمود والثورة ووجهت مسيرة النضال نحو النصر، ورافقت مختلف مراحل النضال لشعب كوردستان والعراقيين الاحرار الذين لجأوا الى المناطق المحررة في كوردستان هرباً من تعسف الحكومات، وحباً للحرية والانعتاق، وأدت رسالتها الإعلامية الثورية النضالية الإيجابية الفاعلة والصادقة بأمانة وإخلاص ووفاء وإتقان.
واليوم، يمكننا القول أن إذاعة صوت كوردستان لاتزال شامخة كشموخ جبالنا الشماء، وتحافظ على ثقلها الإعلامي وتؤدي رسالتها القومية والوطنية بكل مصداقية وواقعية وبمهنية صحفية رائعة من خلال برامجها المتنوعة المختلفة، وتضحي وتناضل وتكفاح من أجل إيصال كلمة الحق إلى مستمعيها، وتعتبر الظهير القوي للمؤسسات الحكومية الرسمية في إقليمنا الناهض، والتي تعمل من أجل بناء الإنسان الكوردستاني الحر الصادق والوطن المستقل وتدير شؤون البلاد والعباد وفق القانون، وما زالت تعتبر الصوت الحقيقي المعبر عن طموح الشعب الكوردستاني بكل أطيافه وقومياته ومذاهبه، والمدافع الأمين عن آمال ورغبات المواطنين ومطالبهم المشروعة وعن حقوقهم وحرياتهم العامة والخاصة، وعن الحياة الديمقراطية الحرة السعيدة في المجتمع الكوردستاني.
في هذه المناسبة العزيزة على قلوب الملايين من الكوردستانيين، لا يسعنا إلا أن نحيي بإجلال أرواح شهداء الحركة التحررية الكوردستانية، وأرواح كل الخيرين من اولئك المناضلين الذين عملوا في تلك الاذاعة، والذين ببنادقهم وأقلامهم وأصواتهم دافعوا عن أسمى ما نملك، وأوصلوا الرسالة المقدسة لثورة ايلول، ونهنئ مديرها، وكافة العاملين فيها ونشد على أيديهم ونتمنى لهم ولإذاعتنا الحبيبة العمر المديد والنجاح والتوفيق.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً