إستشراف مستقبل سياسة بغداد تجاه إقليم كوردستان

27-06-2023
شيروان الشميراني
الكلمات الدالة اقليم كوردستان الحكومة الاتحادية
A+ A-
 
برزت خلال الأسابيع الماضية مؤشرات مقلقة حتى عند أكثر الناس اعتدالاً في إقليم كوردستان، فالحذر من مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل باتجاه سلبي بدا واضحاً، لم يختلف أحد من المراقبين والمحللين الكورد إزاء هذا القلق والحذر، حتى القريبون من القوى السياسية النافذة في بغداد.
 
وللإنصاف فإن القوى التي كانت تقود تلك التصرفات السلبية تجاه إقليم كوردستان لم تكن تعمل بخفاء، وان كانت تعمل بدقة والالتفاف على تصريحات أو توقعات منتظرة.
 
بالإمكان في هذا المقام تحديد ثلاث نقاط من خلالها يتوضح مستقبل العلاقة في حال الاستمرار وعدم التغيّر، وهي كالآتي:-
 
1- الجيل الذي يقود على أرض الواقع ويفرض أجنداته في علاقة القوى الشيعية الحاكمة مع إقليم كورردستان، هو الجيل الثالث من السياسيين، فالجيل الأول وهم المؤسسون الذين عانوا معاناة المعارضة والنضال ضد النظام السابق واختلطت الدماء المضحية، فهم كانوا يعلمون من أين أتى العراق الجديد بعد عام 2003 وكيف تشكل، وبالتالي يعرفون قيمته، ويعرفون تحديد نسب التضحيات التي قدمت خلال العقود الماضية، وبالتالي كانوا يتعاملون باحترام كبير ويعترفون بالفضل لأهل الفضل ومستحقيه، والجيل الثاني وهم الأبناء من الخط الأول لكل حزب سياسي خلف القائد المؤسس، هؤلاء وان كانوا مختلفين في التعاطي السياسي مع الاحداث، إلا انهم كانوا ملتزمين الى حد ما بالخطوات والتعهدات التأسيسية، هؤلاء عدد منهم مازالوا على قيد الحياة لكن شموسهم على مسار الأفول، والجيل الثالث هو الذي يسيطر الآن نتيجة التحالفات والتعاقدات ونسج الخيوط مع قوى دولية، هم أقل إلتزاماً وأكثر تحرراً، فهم ليسوا من مدارس سياسية ولا من أصول حزبية ذات جذور عميقة في التاريخ العراقي، الأحداث هي التي صنعتهم وربما ضرورات حرب كانت قائمة بين قوى متصارعة على مستوى المنطقة أوجبت إفرازهم، وبالتالي لا إكتراث لديهم تجاه شيء.
 
هناك جيل آخر واقف في الطابور ينتظر الدور، لم يظهر بعد لكن كتاباتهم ونواياهم تحمل كمّاً كبيراً من المشاعر السلبية تجاه إقليم كوردستان، واكثر تشنجاً من الجيل الثالث ولا يلتقون مع الجيلين الأول والثاني في شيء، ليسوا من المخططين ولا من المؤسسين لنظام ما بعد 2003، وبالتالي لا يعنيهم شيء. تنقصهم التجربة السياسية والدبلوماسية والعلاقات بين الفرقاء، لم يُخَبِّروا السياسة على أرض الواقع وانما مازالوا على الشعارات يعيشون، ورافع الشعار لا يلتزم بشيء، ولا اسهل من رفع اللافتات المدغدِغة، هم تحت عناوين منظمات المجتمع المدني والتكنوقراط يتحركون.
 
2- من خصائص هذه المرحلة التي نعانيها، وسوف تزداد بعد سنوات قريبة، خلق الفوضى والتفلت من التعهدات، أي العمل من واجهتين، واجهة السياسة الرسمية والتحالفات والحكومة، وواجهة التفلت من كل تلك التحالفات وترك الحكومة لوحدها في وجه تنفيذ التعهدات، أما هم فيتحركون تحت الستار لتحقيق النوايا الخفية التي هي النوايا الحقيقية وليست التي تُكتب وتُوَقّع على طريق تشكيل التحالفات الحكومية. وقد كان الأمر واضحاً لدرجة كادُ ان يذهب سنا برقها بالابصار.
 
ومن الخصائص أيضاً الإستناد الى القوة المسلحة  في سبيل فرض الأجندات، والتهديد بها، والإستقواء بقوى غير عراقية حال اقتضاء الضرورة.
 
ثالث الخصائص المميزة، غياب الفكر السياسي المتقدم، الفكر وليس العلم، الفكر الذي يشكل حلاً لكثير من المعضلات العالمية، فعدم وجود القناعة بفكر أثمره العقل البشري نتيجة الصراعات، وشكلت حلولاً خلقت الاستقرار في الدول القلقة، هذا الفكر الذي وَجَدَتْ ألوانٌ منه مكاناً في الدستور الحاكم، العمل على تقويضه أو تجميده قائم، في مقدمته مبدأ الفدرالية الذي هو نظام سياسي يحكم العديد من دول العالم المتقدمة، وربما لأنه - النظام الفدرالي التعددي - متقدم وكسبت الشعوب الأخرى منه، لا يجد مكاناً في العقول القابعة في التاريخ الغابر، أي أن النظام الفدرالي يواجه خطر الفناء.
 
3- إنّ العداء الذي أبان عن نفسه عند كتابة الموازنة الثلاثية، والتفلت من التعهدات التي وقعتها حكومة إدارة الدولة، والتصريحات الصريحة المشحونة بالضد من إقليم كوردستان، دفعت كل القوى من الموالاة والمعارضة في إقليم كوردستان أن تصحو، وتتفق على أن إقليم كوردستان يواجه خطر الوجود من الحلفاء او بقايا حلفاء مرحلة النضال وخلفاءهم، كما ان من هم في السلطة ومن هم في خارجها في الوسط والجنوب لم يكونوا على خلاف فيما يتعلق بإقليم كوردستان، حتى كسب السؤال الممنوع مشروعية الطرح وهو: هل النزاع في العقود الماضية كان بين نظام ظالم وشعب مظلوم، أم بين شعبين؟ لأن الطروحات التي يعج بها الاعلام العربي تجاه إقليم كوردستان والكورد تجاوز حدّ التحليل والتوقع إلى التصريح والتبني وشحن الشارع العربي ضدّ إقليم كوردستان، ودفع الشارع العربي الى القناعة بان سبب تخلف مناطقهم هو استيلاء إقليم كوردستان على أموالهم، علما أنه وخلال تسع سنوات عجاف لم ترسل الحكومة المركزية الموازنة الى إقليم كوردستان.
 
إن ما جرى خلال الأسابيع الماضية يجب التوقف عنده من أجل مستقبل الاستقرار في العراق، لا يمكن المرور عليه أو عبوره، إنها أمارات سيئة عن المستقبل، إن رفع الشعارات المعادية لمؤسسة إقليم كوردستان ومحاولة النيل منها والحطّ من مكانتها، لا ينبئ بخير قريب، وإن لم ينبئ بشر قريب فهو نبوءة شرّ بعيد.
 
هنا يتوجب على العقلاء من مدرسة الحكمة من الطرفين المضّحين بالرغبات الذاتية، والبعيدين عن سُكْر الزعامة، يتوجب عليهم العمل المشترك بقلب واحد، كل الانتخابات السابقة أظهرت أن الشمال بغالبية كوردية والوسط بغالبية عربية سنية والجنوب بغالبية عربية شيعية مختلفون، والحفاظ على الوحدة المجتمعية لن يأتي بالشعارات الشعبوية التي تستعدي الآخرين، بل بعقل واع ومؤسسات متقدمة، بناء على القيم الإنسانية والدينية العليا في مقدمتها العدالة والمساوة.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

دلشاد عبدو

أميركا في سوريا.. انسحاب مؤقت ووجود دائم

الإعلان الأميركي الأخير عن سحب جزء من قواتها من سوريا لا يعكس نية فعلية في الانسحاب الكامل، بل يأتي ضمن إطار إعادة ترتيب تموضع عسكري مدروس يخدم أهدافاً ستراتيجية أوسع في المنطقة، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد السوري وتداخلاته الإقليمية والدولية.