بين هيروشيما وجدة.. ما الذي حدث؟

27-05-2023
علي تمي
الكلمات الدالة العراق ايران السعودية اليمن
A+ A-

لا شك أن القمة العربية التي رتبت وحضرت لها الرياض وسط الظروف المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بدءاً من الحرب في السودان، إلى استمرار الصراع في ليبيا وسوريا، وتعطيل الدستور في لبنان، وانتهاءً بحالة عدم الاستقرار في العراق، عقدت في دورتها الثانية والثلاثين بمشاركة 15 قائداً عربياً بين ملك وأمير ورئيس ونائب رئيس، وأربعة رؤساء حكومات، وثلاثة ممثلين عن دول عربية.
 
وسط هذه الفوضى، غامرت الرياض بدعوة جميع الدول العربية إلى القمة رغم مقاطعة العديد منهم، مبررين ذلك بوجود إلتزامات أخرى لديهم، إلا أن المجتمعين تفاجأوا في آخر لحظة بدخول شخص عسكري إلى قاعة القمة يمشي مرفوع الهامة وهو الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" مما شكّل صدمة كبيرة لبعض الحاضرين، وتاركاً لديهم الكثير من التساؤلات بسبب عدم علمهم بحضوره.
 
الرياض ادركت في نهاية المطاف أن واشنطن ليست متحمسة لخطوتها تجاه النظام السوري، فجاءت بالرئيس الأوكراني إلى القمة لتخفيف حدة التوتر معها، والخشية من ردة فعلها رغم الرفض الغربي لهذه الفكرة، وبناءً عليه تحاول الرياض من خلال دعوة الأسد وزيلينسكي وجمعهم تحت سقف واحد تثبيت رؤيتها المستقلة والمبدئية لشؤونها وشؤون العالم العربي، إنطلاقاً من المصلحة العربية العليا والمحافظة على التوازن السياسي في العلاقات بين واشنطن وموسكو، من دون الإنخراط في التأثير السلبي على مسار الخلافات الدولية وخاصة في أوكرانيا.
 
لماذا تمت دعوة بشار الأسد إلى القمة العربية رغم الاعتراض الدولي؟ 
 
ان حضور بشار الأسد القمة العربية في جدة، هو نتاج إتفاق إيراني سعودي انعقد بينهما وأعلن عنه في بيان ثلاثي مشترك، يوم العاشر من اذار 2023، برعاية صينية لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما خلال مدة أقصاها شهرين .
 
اعتبر المراقبون هذا الإنقلاب في السياسة السعودية بمثابة اختراق كبير للتفاعلات الإقليمية الراهنة التي وجهت من خلالها صفعة كبيرة لواشنطن، وأدت لإصدار إعلان مشترك يمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، هذا الإتفاق جاء في الوقت الذي تشهد فيه علاقات واشنطن وبكين توتراً كبيراً خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، وزاد الطين بلةً بعد حادث اكتشاف منطاد التجسس الصيني فوق الأراضي الأميركية وإسقاطه بطائرة عسكرية، ومن ثم إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلغاء زيارة لبكين كانت تهدف لإصلاح العلاقات، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.
 
في ضفة إيران، توقفت مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى، وتشير التقديرات الأميركية إلى أن إيران زادت من وتيرة العمل في برنامجها النووي، وأجرت بحوثاً وأنشطة تطوير تقربها من إنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي، وذلك وفقاً لتصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية "أفريل هينز"، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في بداية الشهر الجاري. أمام هذا الوضع الشائك والمعقد ودخول الرياض في لعبة شد الحبال مع واشنطن في الشرق الأوسط، لا شك ستكلفها ثمناً باهظاً وستضعها أمام تحديات كبيرة في المستقبل القريب، لأن واشنطن لا يمكن أن تسمح لها بتغير قواعد اللعبة في الخليج العربي، وغير مسموح لها تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة من حولها.
 
بين هذا وذاك، أدركت الرياض أخيراً أنها تتجه للدخول في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، وهذا ما لا ترغب به على ما يبدو، وهو نتاج استيائها من خذلان إدارة بايدن في اليمن التي أصبحت مستنقع الاستنزاف لاقتصادها، كما أنها تحمّل واشنطن على الدوام مسؤولية عدم جديتها إزاء قضايا المنطقة، وخاصة في سوريا، بينما توجه جلّ تركيزها بحسب المنطق السعودي على إدارة الملفات بدلاً من حلها وفتح أبواب المنطقة مفتوحة على مصراعيه أمام الفوضى الخلاقة،  ومن هنا جاء رد فعل السعودية وإدارة ظهرها للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتوجهها نحو طهران لتقسيم الكعكة معها تحت الرعاية الصينية، وبالتنسيق مع الروس على حساب معاناة شعوب المنطقة.
 
الاتفاق تضمن أن تسحب طهران يدها من اليمن، مقابل التخلي عن المعارضة السورية وإعادة النظام الى الجامعة العربية، والتوافق على الخطوط العريضة في لبنان والعراق دون تجاوز لكل منها الآخر في إدارة هذه الملفات، علماً بأن كل ما يجري حتى الآن على أرض الواقع، هو تنفيذ بنود الاتفاق السعودي الإيراني بالحرف، ودون زيادة ونقصان، لهذا السبب حضر بشار الأسد القمة العربية في جدة.
 
خلاصة القول:
 
الصراع بين واشنطن وموسكو من جهة، وبين واشنطن وبكين من جهة أخرى، أخذ منحى التصعيد، حيث يحاول كل طرف تقوية أوراقه التفاوضية، وانتزاع مناطق نفوذ إضافية من طرف آخر. واشنطن حسمت أمرها (بحسب معلوماتي) وهو عدم الانسحاب من سوريا، وتحديداً من منطقة شرق الفرات، وستبقى طالما الصراع مع موسكو مستمر على أوكرانيا.
 
في العراق قواعد اللعبة تغيرت، طهران لم تعد متحكمة بمفاصل الحكومة في بغداد، بينما في سوريا لازال الحصار على النظام قائماً، قوانين معاقبته إزاء الجرائم التي ارتكبه مازالت سارية المفعول، وهذا ما أكدت عليه دول (جي 7) في هيروشيما بالتزامن مع انعقاد القمة العربية في جدة، وكان جواباً واضحاً على ما تم الترتيب له في جدة. الدول السبع حسمت الجدال حول شرعية بشار الأسد وضربت جميع جهود السعودية المبذولة لتسويق النظام عرض الحائط، وذلك من خلال التأكيد على  عملية سياسية شاملة في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254، ومساءلة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيمياوية، والتزامهم بعملية سياسية شاملة تسهلها الأمم المتحدة بما يتفق مع قرار مجلس الأمن 2254 في سوريا.
 
هذا البيان جاء لقطع الشك باليقين، وأعاد الجميع إلى المربع الأول، وقطع الطريق أمام كل الدول الطامحة التي تحاول تجاوز الدور الأميركي في الشرق الأوسط، والدخول في الاتفاقات الثنائية فيما بينهم لتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة.
 
بالمحصلة، المملكة العربية السعودية لها دور فاعل في إدارة ملفات في الشرق الأوسط. لكنها بتجاوزها كل ما حصل في سوريا خلال عقد كامل من الزمن من الدمار والخراب والتهجير الجماعي للناس وغياب حل سياسي ومحاولتها طي الماضي وفتح صفحة جديدة مع النظام، إنما أضرت بسمعتها العربية والعالمية متجاوزة كل القيم والمبادئ التي أنشأت عليها المملكة لما تشكل مع عمق إسلامي وعربي، 
 
وختاماً، يمكن القول إن الاتفاق السعودي الإيراني يُعد خطوة إيجابية في مسار التهدئة وحل الصراعات والأزمات الإقليمية ولو مؤقتاً، لكن البناء عليه سيكون هو التحدي الرئيسي. ومحاولة تفادي أي تأثيرات سلبية قد تحول دون تفعيله على أرض الواقع، فضلاً عن ضبط سلوك الميليشيات الإيرانية في سوريا واليمن، وهذا لن يحدث لأن طهران لا يمكن أن تتنازل عن أدوات المواجهة مع تل أبيب في سوريا والعراق ولبنان، ولهذا السبب أخطأت الرياض في حساباتها ولا يمكن الوثوق بالإيرانيين مهما كلف الأمر.
 
بناءً على كل ما ذكر، فعلى الجميع أن يشدوا الأحزمة لأن دوامة الصراع ستستمر في الشرق الأوسط طالما هناك غياب للاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على القضايا الساخنة، وخاصة في أوكرانيا، والحلول غير  مطروحة حالياً بسبب اتساع رقعة المواجهة بين اللاعبين الكبار على مستقبل وقيادة العالم.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

أنور الجاف

العيد الذي فرّقنا

في زمنٍ تُعد فيه الثواني بالأقمار الصناعية، وتُرصد فيه المجرات بمراصد من فوق سبع سماوات وتقرّب ناساً آلاف السنين الضوئية في لمح البصر، لاتزال أمة الإسلام تختلف على ميلاد هلال في واحدة من أكثر المفارقات إيلاماً وسخرية، وليس الخلاف إذاً على الهلال ذاته، بل على منْ يُعلن رؤيته وعلى أية منبر تُعلَن ومن الذي يُقدّم البلاغ وأيّ سلطان يُبارك النداء.