اللبنة الأولى لجمعية خويبون تم وضعها في مدينة قامشلو

منذ 4 ساعات
كاوا أمين
A+ A-

في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما سقطت مدينة برلين في أيدي الحلفاء وخاصة الجيش الأحمر، كان أول ضابط في الجيش الأحمر يدخل المدينة كوردياً سوفييتيًا يُدعى سيامندوف. كانت المدينة قد دمرت بالكامل، ولكن وخلال مدة قصيرة بدأت عملية إعادة إعمارها. والآن، بعد مرور أكثر من سبعين عاماً، أصبحت برلين واحدة من أجمل المدن في أوروبا والعالم. الشيء الوحيد الذي بقي كرمز يشير إلى دمار ما بعد الحرب هو الإبقاء على جزء من جدار برلين والمقبرة اليهودية ونصب الجيش الأحمر التذكاري.

تم إعادة بناء المدينة من قبل المهاجرين والعمال الأجانب. ولذلك فقد احتضنت مئات الآلاف من الأجانب، بما فيهم آلاف الكورد الذين هاجروا من كوردستان إلى ألمانيا. أحد هؤلاء الكورد رجل مسن ذو شعر أبيض، وهو شخصية مثيرة للجدل من غرب كوردستان وكما يقول الكورد لم يبق عمل لم يعمله، إنه صلاح بدرالدين وقد رتبنا لمقابلته في هانوفر.

وفي مدينة هانوفر، بدأنا بتسجيل برنامج موسع وطويل في مقهى الفندق الذي كنا نقيم فيه. كان المكان ملكاً لسيدة ألمانية عجوز ذات مزاج سيء. كانت هناك حديقة صغيرة وجميلة خلف الفندق. بعد الساعة 10:00 صباحاً، كانت قاعة الطعام التي لم تكن كبيرة جداً تصبح فارغة. فكان زملائي هريم و رنجه يقومان بتحويله إلى شبه استوديو صغير كان يلائم عملنا ومكاناً مناسباً جداً لولا تدخلات المرأة الألمانية العجوز التي كانت تظهر فجأة وتبدأ بالهمهمة والدمدمة وتختفي كما ظهرت!

كنت قد سمعت وقرأت الكثير عن صلاح بدرالدين، وهو متحدث جيد وخبير جيد في تاريخ كوردستان، وخاصة غرب كوردستان وسوريا. وبحسب قوله فأن أجداده شاركوا ولو بشكل غير مباشر في ثورة الشيخ سعيد التي قامت عام 1925، لكنها منيت بهزيمة لا تزال تؤثر حتى اليوم على روح التاريخ الكوردي. ففي نهاية المطاف، كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إعدام زعيم كوردي علناً، وتم فتح الباب على مصراعيه أمام فرض حظر خطير على لغته وثقافته. إن اتخاذ قرار مفاجىء بعدم وجود شعب سيؤدي بالتأكيد إلى كارثة.

ومن هنا، كما يقول صلاح بدرالدين، بدأ تفكك وانقسام العشائر والعوائل الكوردية، ولجأ عدد كبير من القبائل والعائلات التي شاركت في ثورة الشيخ سعيد أو دعمتها للحفاظ على حياتها إلى غرب كوردستان، وخاصة قامشلو التي كانت تتأسس كمدينة للتو. يتحدث صلاح بدر الدين عن خط سكة الحديد الألماني خلال الحرب العالمية الأولى الذي فصل بين مدينتي قامشلو ونصيبين وأطلق الكورد على تلك الحدود اسم بنخت (غرب كوردستان) وسرخت (شمال كوردستان).

وعن تأسيس جمعية خويبون التي قادت ثورة آرارات بين عامي 1927 و1930، يؤكد صلاح بدرالدين مرة أخرى أن تلك الجمعية عقدت إجتماعها الأول في مدينة قامشلو، ثم عقدت مؤتمراً في بيروت وقدمت نفسها كجمعية سياسية. ولتأكيد كلامه يشير بدر الدين إلى مذكرات الملا أحمد نامي، وهو شاعر مشهور في ذلك الوقت وعضو في جمعية خويبون نفسها ويقول بدرالدين: "تأسست جمعية خويبون على مرحلتين. في المرحلة الأولى تم عقد اللقاء الأول في القامشلي في منزل قدور بك. كان قدور بك أحد البكوات المعروفين من مدينة ماردين. حضر ذلك الاجتماع 32 شخصاً. أما الخطوة الثانية فكانت عام 1927 في منطقة بحمدون في لبنان حيث عقدوا مؤتمراً وشارك فيه عدد من الأرمن ومن الواضح أن الأرمن قدموا المساعدة المالية وكذلك أوصلوا صوت خويبون إلى الشعب والعالم من خلال وسائل الإعلام التي كانوا يملكونها".

ومن المثير للإنتباه لا يوجد أي ذكر لإجتماع قامشلو في الإعلان التأسيسي لجمعية خويبون. على ما يبدو، لأن السلطة في تلك المنطقة  كانت في يد الفرنسيين وكان الفرنسيون أيضاً على علم بالتحركات الكوردية في المنطقة، لذلك لم يرغبوا بإثارة غضب تركيا ونتيجة لذلك فقد تم تسجيل مكان تأسيس خويبون في صفحات التاريخ باسم لبنان.

وفيما يتعلق بموضوع هل شارك كورد جنوب أو شرق كوردستان، على سبيل المثال، في تأسيس خويبون أم لا، يقول صلاح بدرالدين إن العديد من الأشخاص شاركوا ولكن ليس كمؤسسين بل كضيوف. ومن الواضح أن المشاركين كانوا يزورون لبنان في ذلك الوقت وتزامن وجودهم مع عقد مؤتمر خويبون، لكن حقيقة وصول خويبون إلى بارزان و منطقة السليمانية ساطعة ولاتحتاج إلى أي دليل أو إثبات.

وبحسب إعتقاد صلاح بدرالدين فإن مشايخ بارزان وخاصة الشيخ عبد السلام بارزاني، كانوا ركيزة مهمة للثورة السياسية في كوردستان، بينما كان البدرخانيون على الجانب الآخر ركيزة أساسية للثورة الثقافية.

واستكمالا لمقابلتي مع صلاح بدرالدين، يتحدث الأخير عن لقاء جرى بين الجنرال بارزاني وخالد بكداش في موسكو. خالد بكداش كان السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوري وكان من حيث ولادته كوردياً لكن لم يكن سكرتيراً ككردي وأكثر من هذا ولتلميع صورته عند العرب والتقرب منهم أكثر وقف بكل ما أوتي من قوة ضد القوميين، وخاصة الكورد الذين كانوا يحملون الفكر القومي.

وعندما نتحدث عن الدستور السوري الذي أصبح فيما بعد حبلاً غليظاً والتف حول عنق الكورد، يتحدث صلاح بدرالدين عن بعض الكورد الذين تحت غطاء الوطنية ومناهضة الإمبريالية من جهة والتعبير عن الولاء للدين، شاركوا في كتابة الدستور السوري، الذي كان برمته في خدمة القومية العربية والعروبة.

وكثيراً ما أصبح الكورد في سوريا أعضاء في البرلمان وحتى رؤساء وزراء في أوقات مختلفة. لكنهم لم يتمكنوا قط من التحدث نيابة عن الكورد أو دعم قوميتهم، وبدلاً من ذلك، سعوا وراء مصالحهم الشخصية وجعلوا أنفسهم تابعين للعرب والبعثيين وأنكروا في الكثير من الأحيان أصلهم.

وفي نفس الإطار، سنتناول في مقال آخر مسألة العلاقات بين الكورد واليساريين العرب والفلسطينيين، وكيف تحدث عرفات عن الجنرال بارزاني! وبطبيعة الحال، سوف ترون العديد من الأحداث الأخرى في برنامجنا بنجمور (البصمة) مع الشخصية الكوردية الوطنية صلاح بدرالدين.


تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

هاوژین عمر

الدولة الكوردية السيبرانية

عندما ندیر الكرة الأرضية بإمكاننا أن نشير بسهولة إلى جغرافيا الدول، هنا العراق، هنا ألمانيا، هنا نيجيريا، هنا البرازيل، هنا أستراليا، فالدولة التقليدية جيوبوليتيكياً عبارة عن حضور مكاني - حسي داخل حدود واضحة ومكان على خارطة العالم، لا تستقر الحدود على شكل واحد، عوامل متداخلة، سياسية، اقتصادية، عسكرية وطبيعية تؤثر في شكل الحدود، اتساعاً أو تضيقاً، وغالباً ما ترتبط الحروب والصراعات بنزاعات حول الحدود، وغالباً ما تنتج الحروب حدوداً جديدة وبلداناً جديدة، فتنعكس هذه التغيرات على الحدود مباشرة.