سرُّ تراجع الموقف التركي إزاء القضية الفلسطينية

25-12-2023
شيروان الشميراني
الكلمات الدالة تركيا غزة
A+ A-
 
لا أحد كان يتوقع البرود الملاحَظ في الموقف التركي منذ السابع من تشرين الأول إزاء الأحداث الجارية، لو عدنا الى الوراء أربعة عشر عاماً واستحضرنا صراخ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز في دافوس بسبب مقتل أطفال عند شواطيء غزة، يصاب الإنسان بالذهول عند المقارنة بالموقف البارد تجاه إصابة ما يزيد على مائة ألف مدني بين قتيل وجريح عشرات الآف منهم أطفال، وتمدير الالاف من الأبنية والعمارات، وتحول غزة الى جزر مدمرة بفعل أطنان من المتفجرات تفوق بضع مرات ما ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية.
 
أولاً:- لا احد كان قادراً على تخيل السياسة التركية الموصوفة بالباهتة إزاء محرقة غزة، في حين وصفت على لسان وزير خارجيتها عند أحداث أسطول المرمرة في محاولة فكّ الحصار عن غزة والهجوم الإسرائيلي عليها بأنها 11 أيلول التركية، لكن لكل شيء تفسير، وتحليل، ومن أجل الفهم يمكننا سرد الأسباب التالية الكامنة وراء الموقف التركي الحالي:-
 
1-إنّ تركيا لديها الالتزام بحوالي 400 مليار دولار لأوروبا - حسب بعض المصادر -، وهؤلاء ملزمون الآن بالتسديد، الديون هي لشركات ومؤسسات خاصة، لكن الحكومة هي الضامنة كما تجري القواعد في مثل هذه الحالات. فهي بحاجة الى الميل والمودة الأوروبية وليس الى خسارتها اغضابها.
 
2-تركيا لديها مشكلة الغاز، ولقد حاولت في السنوات الماضية كثيراً سد الحاجة الوطنية، حتى وصلت الى ليبيا ووقعت معها اتفاقية تقسيم المياه الدولية وإرسال طائرات الدرون الى ليبيا لقصف قوات حفتر بالضد من الإرادة الأوروبية والوقوف بوجه السياسة الإسرائيلية والمصرية والرغبة الأميركية هناك، لكن ذلك لم يأتي بالنتيجة المرجوة، لهذا قررت القيادة التركية التوجه صوب إسرائيل والعمل في مجال الغاز، وقد كان لقاء رئيسي وزراء إسرئيل والجمهورية التركية مُجَدْوَلاً في شهر تشرين الثاني الماضي، أي بعد موعد طوفان الأقصى بشهر تقريباً، لكن الحرب الدائرة أفشلت اللقاء الذي كان مهماً لإقتصاد تركيا.
 
3-يظهر أن الملف الكوردي في تركيا أصعب مما تحسب له أنقرة من حساب، فحزب العمال PKK عامل رئيس في تحديد السياسة الخارجية التركية، وطالما أن القضية يكون التعاطي معها بهذا الشكل، فإن هذا التأثير على التوجهات الخارجية التركية لن يزول، ويكبل الحركة التركية في كثير من الملفات الإقليمية كما هو الحال الآن مع ملف العدوان على غزة.
 
ثانياً:- إن الموقف التركي المفاجيء نابع من قراءة التاريخ، التاريخ القريب أي العقدين الماضيين، فتركيا الآن ليست هي نفسها قبل عشر سنوات، وإن ما تعرضت له من مؤامرات ومحاولات انقلابية متتالية بجميع الطرق، والجفاء الحاصل بينها وبين الإتحاد الأوروبي لحد وصف الأوروبيين لها بالشريك المزعج، والمواجهات السياسية مع الدول العربية. إنّ قراءة مصلحية لكل ذلك جعلت من القيادة التركية أن تترك موقع الرّيادة والمبادرة إزاء الملف الفلسطيني وأن تعود إلى التموضع مع الصف العربي الرسمي، أن تسير بموازاتهم وليس أمامهم، بكلمة أخرى، تحولت السياسة التركية إلى سياسة تقليدية مثل الدول العربية، وتراجعت خطوات إلى الوراء وقررت الوقوف في الصف بإنتظار الحركة الجماعية، وهي حركة بئيسة لأنها لن تأتي.
 
ثالثاً:- لكل هذا لم تتحرك تركيا في إتخاذ مواقف عملية متقدمة على الأرض بالضد من إسرائيل، ولم تساعد الفلسطينيين بما يحتاجونه من ذخائر عسكرية أو بطائرات بيرقدار، ولم تقطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، لا دبلوماسياً ولا سياسياً ولا إقتصادياً، بل حتى لم تفعل ما فعلته الحركة الحوثية في مضيق باب المندب أو ماليزيا مع البواخر المتجهة إلى إسرائيل، فالمياة التركية مفتوحة الإبحار فيها بإتجاه إسرائيل، كل ما صدر هو التخلي عن صداقة نتنياهو، فلم يعد صديقاً.
 
إننا لو نظرنا الى الإطار العام للسياسة العربية خلال الخمسين سنة الفارطة إزاء القضية الفلسطينية، وما توصلت اليه الدول العربية من نمط العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومنهج التعامل مع الفلسطينيين، ثم مقارنتها مع العقدين الماضيين للدولة التركية وما توصلت إليه في الوقت الراهن ونوعية التعاطي مع القضية الفلسطينية والعدوان على غزة، فإن الدول العربية وإن لم تكن معذورة، لكنها لم تفعل أكثر مما تفعله تركيا في الوقت الراهن، مع وجود فرقين، إن تركيا مستعدة للإقدام في حال إستعداد الدول العربية، والفرق الثاني، إنه في هذه الأجواء والموقع الذي ارتضته تركيا لنفسها في هذه الحرب فإن تركيا لا تقدر على ما تقدر عليه الدول العربية، لأن ليس لتركيا سوى البعد الإسلامي وليس الجغرافي، لكن نظيراتها العربية تمتلك ميزة الجغرافية والإنتماء القومي على تركيا، والمفاوضات التي جرت من أجل عقد هدنة لسبعة أيام وإطلاق سراح الرهائن يثبت ما نقوله حيث إنّ الدور التركي كان صفراً، وكل الدور لعبته القاهرة والدوحة. فهل حرب طوفان الأقصى أرفع قامة من القامة التركية؟.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

طلال محمد

أهمية مشاركة الكورد في إدارة سوريا الجديدة

في ظل ما مرت به سوريا من حرب مدمرة منذ عام 2011، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة قائمة على العدالة، المواطنة، والتعددية. وفي هذا السياق، تبرز قضية مشاركة الكورد في إدارة البلاد كأحد أبرز التحديات والفرص على حد سواء. فالكورد، بوصفهم ثاني أكبر قومية في سوريا، ليسوا مجرد مكوّن ديمغرافي، بل شريك أصيل في التاريخ والجغرافية والسياسة، ولا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون مشاركتهم الفاعلة في بنائه.