كيف لي، انا كمواطن عراقي ان اتصور او اتخيل او حتى اتقبل إجراء انتخابات بلا تزوير، وبلا وعود كاذبة بتبليط شوارع وتوفير الخدمات التي لن تتوفر، وتوزيع بطانيات وارصدة موبايلات فئة 5 الاف دينار، وان على الناخبين ان يهتفوا في الشوارع الخربة وعلى تلال المزابل "الدنيا ربيع والجو بديع وقفل لي على كل المواضيع"..كيف لنا نحن العراقيون ان نقبل بنتائج انتخابات سارت بصورة سلسة، من غير الخوف من تهديدات مسبقة، وعبوات ناسفة، وتفجيرات، وفي ظل وجود ميلشيات تترصد الناخبين عند بوابات مراكز التصويت لتتوعد كل من لا ينتخب هذه القائمة او ذلك المرشح؟!
ثم اية انتخابات هذه تعلن نتائجها خلال 24 ساعة؟ والغريب ان هذه النتائج غير مزورة، وتعتمد على الاجهزة الاليكترونية وتحت رقابة منظمات محلية ودولية حيادية ومتخصصة..وان هذه النتائج تُعتمد بدون اللجوء الى الفرز اليدوي للنتائج الذي يستغرق ما بين الـ 3 الى 5 اشهر من الاجتماعات والمباحثات والمؤامرات والتدخلات الاقليمية والمهاترات والاتهامات وفتح المزاد العلني لبيع الاصوات والمقاعد والوزارات، ثم 3 اشهر اخرى حتى يعلن عن اللأئتلاف الفائز والكتلة الاكبر التي ستشكل الحكومة؟ لا يغيب عن بالكم ان موقع رئيس البرلمان العراقي ما يزال خاليا بعد عامين تقريبا من اعلان نتائج الانتخابات التشريعية السابقة للبرلمان العراقي.
لا يمكنني انا كمواطن عراقي ان اتخيل اجراء انتخابات بسلاسة والشعب تعود على انتخابات تزيف نتائجها منذ 2005 حتى اخر انتخابات تشريعية، انتخابات تجري وفق مبدأ"تريد غزال اخذ ارنب ..تريد ارنب اخذ ارنب" وتحت شعار ما ننطيها"، يعني التمسك بالتزوير سواء فاز هذا الائتلاف او خسر، مثلما حدث في انتخابات 2010. او قيادة النتائج والدخول في نفق معتم لاجبار الطرف الفائز على الانسحاب، كما حدث في انتخابات 2021.
كيف لنا ان نعيش عصر تجري فيه انتخابات نزيهة.. الناخبون يستيقظون منذ الفجر ليزدحموا مبكرين امام ابواب مراكز التصويت قبل افتتاحها، احدى الناخبات وانتظرت 3 ساعات، منذ الساعة الرابعة فجرا حتى السابعة صباحا، وبعضهم مرضى وصلوا بواسطة سيارات الاسعاف لاصرارهم على الادلاء باصواتهم. انتخبات صارت بالنسبة للمصوتين بمثابة العيد، ارتدوا اجمل ما عندهم من ملابس واتجهوا الى مراكز الاقتراع، انتخابات جرت بلا اية مشاكل امنية، بلا وجود فصائل مسلحة او تهديدات او وعود زائفة، انتخبات اصر الناس على المشاركة فيها ليغيروا اوضاعهم نحو الافضل ، انتخابات يؤمن فيها المصوتون انها حق شرعي ومقدس ولا بد من اجرائها، يؤمنون بان صوتهم ثمين ويبرهنون وجودهم من خلالها، انتخابات تعلن نتائجها تباعا وتدريجيا ورسميا بعد 24 ساعة من اغلاق صناديق الاقتراع..هل يمكن ان تتخيلوا قيام مثل هكذا انتخابات؟. نعم حدثت مثل هذه المعجزة، واقول معجزة مقارنة بما حدث ويحدث في الانتخابات التشريعية العراقية، تلك المعجزة حدثت اليوم في اقليم كوردستان العراق وامام الالاف من الشهود والمراقبين وكاميرات الفضائيات..انتخابات جرت باصرار الناخبين بمختلف اجناسهم واعمارهم ومناصبهم وفئاتهم على نجاحها، انتخابات شارك فيها ابناء كل مكونات اقليم كوردستان الاثنية والدينية والمذهبية.
الانتخابات التشريعية لاقليم كوردستان اعلنت عن نجاحها قبل اجرائها، بل منذ انطلاق الحملة الانتخابية الناجحة التي جرت بسلام وسلاسة، وحتى يوم التصويت، لم نسمع عن اية مشكلة او احتدام او تهديد او وعيد، بل كان الجميع سعداء وهم يدلون باصواتهم من اجل ان ينتج عنها برلمان قوي وحكومة خدمات.
الانتخابات البرلمانية لاقليم كوردستان التي جرت اليوم تقدم دروس في الدعايات الانتخابية الهادئة والرصينة، وفي معنى الحوار والنقاش بين الائتلافات والمرشحين وجمهورهم، بل حتى بين انصار هذا الحزب وذاك، وايضا باسلوب برامج شبكة رووداو الاخبارية التي التزمت الحياد التام وعدم الانحياز اعلاميا لاي حزب او ائتلاف او قائمة او مرشح.
انتخابات اقليم كوردستان قدمت دروسا في كيفية ايمان الناخبين وتمسكهم بحقهم المشروع وباهمية اصواتهم المقدسة وعدم الاستهانة والمتاجرة بها، باعتبارها اداة التغيير الحقيقية والتي تمهد لهم الحصول على حقوقهم..ثم ياتي الدرس الاكثر اهمية وهو اجراء عملية التصويت في مراكز الاقتراع، حيث جرت العمليات بهدوء رغم ازدحام مئات الالاف من الناخبين على هذه المراكز في عموم مدن وبلدات وقرى اقليم كوردستان.
من المفترض ان يتم الاعلان عن نتائج التصويت غدا الاثنين، 21 تشرين الاول 2024، وسوف تُستقبل هذه النتائج بلا اتهامات بالتزوير وبلا تهديدات وبلا المطالبة بالفرز اليدوي وبلا تأخير لتاخذ العملية الديمقراطية طريقها نحو تشكيل البرلمان والحكومة ليباشروا اعمالهم ويتسابقوا مع الزمن.. ايها العراقيون احفظوا هذا الدرس الثمين الذي يقدمه لكم اقليم كوردستان مجانا من اجل اجراء انتخابات تشريعية قادمة بلا افلام مكررة وباهتة.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً