مؤتمر ميونخ والانفتاح على الكورد

20-02-2022
معد فياض
A+ A-

في الوقت الذي تعمل فيه بعض الأحزاب الشيعية على محاصرة إقليم كوردستان والكورد، قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني خاصة، سواء من خلال قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي حرمت هوشيار زيباري، مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني من حقوقه الدستورية المشروعة بالترشيح لرئاسة الجمهورية، أو محاولة فرض حصار اقتصادي خانق على شعب كوردستان وذلك بعدم الاعتراف بقانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان ونقض جميع الاتفاقات السابقة بين بغداد وأربيل بهذا الصدد، أو لقطع الطريق أمام قيادة الديمقراطي لأخذ فرصتهم الحقيقية والمشروعة في صناعة القرار السياسي الوطني ببغداد، في هذا الوقت بالذات ينفتح العالم على إقليم كوردستان من خلال مؤتمر ميونخ للأمن.

مؤتمر ميونخ للأمن الذي دعا إلى أعماله رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، تعامل مع الإقليم باعتباره كياناً مستقلاً، ومع رئيس الإقليم باعتباره نداً لقادة العالم وصناع القرار السياسي والأمني في المعمورة والاعتماد على تجاربه وخبراته الغنية في محاربة الإرهاب وخلق حالة من الاستقرار في واحدة من أكثر مناطق المنطقة سخونة، حيث الضغوط الإقليمية، والأزمات السياسية والأمنية المحلية في باقي مناطق العراق، ونشاط تنظيم داعش الإرهابي في مدن وقصبات محاددة لإقليم كوردستان، وسيادة الميلشيات المسلحة التابعة لإيران، في وقت لم نلاحظ فيه أي حضور لافت أو نشاط فاعل لأي سياسي عراقي من بغداد، غير كوردي، إذ يعد هذا المؤتمر أحد أكبر وأهم المؤتمرات التي تناقش السياسة الأمنية على مستوى العالم، ويلتقي خلاله المئات من صناع القرار من مختلف دول العالم وفي مختلف المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية للتباحث حول أوضاع العالم والتحديات التي تواجهه على مختلف الصعد.

ويبدو أن السياسيين في بغداد، والذين شغل بعضهم نفسه في محاصرة أربيل وقيادييها الأسبوع الماضي، معزولون عن العالم وعن المشاركة في مثل هذه المؤتمرات الدولية المهمة بمسميات محدودة، وبطموحات تهتم بمصالحهم الشخصية الضيقة والسعي وراء المناصب، من خلال شعارات سقيمة تتمحور حول "الحفاظ على البيت الشيعي"، وسعي ما يسمى بـ"الاطار التنسيقي" لإيجاد فرصة ولو ضئيلة لأي منصب كان لزعيم الإطار، نوري المالكي، حتى ولو تطلب ذلك وساطة قآني، أو حسن نصرالله، أو محاولة الضغط على الحزب الديمقراطي الكوردستاني للتنازل عن بعض أهدافه الوطنية واستحقاقاته الانتخابية الدستورية، مع انهم يعرفون أن الكورد لن يرضخوا لاي تهديد من أي كان.

مؤتمر ميونخ للأمن، الذي تأسس عام 1963، والذي تحول بدورته الحالية 2022، إلى منتدى للسياسيين والدبلوماسيين والباحثين، شهد نشاطاً غير مسبوق للرئيس نيجيرفان بارزاني الذي أجرى اجتماعات ولقاءات ماراثونية مع عدد كبير من القادة الأممين، في مقدمتها اجتماعه مع الأمين العام للامم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ورؤساء الحكومات ووزراء ووفود برلمانية من جميع أنحاء العالم، بينها وفد الكونغرس الاميركي الذي أكد حرصهم على أمن واستقرار إقليم كوردستان، من جهة واستقرار العراق عامة من جهة ثانية، ذلك أن رئيس إقليم كوردستان لم يتحاور مع هذه الأطراف لمصلحة الإقليم فحسب، بل من أجل مصلحة العراق والعراقيين باعتبار أن إقليم كوردستان يشكل جزءاً مهماً من العراق، والرئيس نيجيرفان بارزاني الذي أبدى في مواقف ومؤتمرات دولية عديدة حرصه على العراق، يهمه جداً استقرار البلد كون ان استقرار الإقليم الكوردي ينبع من استقرار العراق، والعكس صحيح.

 لقد بعث مؤتمر ميونخ للأمن أكثر من رسالة إلى المتحكمين بالأمور في بغداد، في مقدمتها ان التغيير قادم، وانه سيكون للكورد، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، دور مهم وبارز في عملية التغيير السياسي والأمني في عموم العراق، وأن إقليم كوردستان هو الواجهة الحرة والمنفتحة على العالم سياسياً وأمنياً واقتصادياً عندما يعمل الآخرون على غلق الابواب على أنفسهم وهم يطلبون النجدة لانهم وصلوا إلى ما يسمى بـ(الانسداد السياسي)، وأن العالم لم يترك إقليم كوردستان وشعبه عرضة للتهديدات الإقليمية والمحلية، بل انهم يتعاملون مع قادة الإقليم كشركاء موثوقين في صناعة حالات الاستقرار والامن في المنطقة، وكل هذا يتم بجهود ومبادرات الرئيس نيجيرفان بارزاني. ولكن السؤال المهم هو هل استلمت بغداد ومن يعتقد انه يتحكم بمصائر الامور هذه الرسائل واستوعبها؟ ام ان اصرارهم على الاعتماد على إيران وتهديداتهم الجوفاء ستعزلهم عن العالم تماماً وتبقيهم في سراديبهم المظلمة.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

طلال محمد

أهمية مشاركة الكورد في إدارة سوريا الجديدة

في ظل ما مرت به سوريا من حرب مدمرة منذ عام 2011، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة قائمة على العدالة، المواطنة، والتعددية. وفي هذا السياق، تبرز قضية مشاركة الكورد في إدارة البلاد كأحد أبرز التحديات والفرص على حد سواء. فالكورد، بوصفهم ثاني أكبر قومية في سوريا، ليسوا مجرد مكوّن ديمغرافي، بل شريك أصيل في التاريخ والجغرافية والسياسة، ولا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون مشاركتهم الفاعلة في بنائه.