فيما لو سألنا أي مواطن يعيش في العالم العربي، بغض النظر عن انتماءه العرقي والديني، وميوله السياسية. حول الجدوى، أو الموقف من جامعة الدول العربية لوجدنا أنها محل استهجان وسخرية الغالبية العظمى، كنه تلك الحقيقة لا تحتاج لبراهين وأبحاث واستبيانات للتحقق منها.
فخلال سبع عقود ونيف من بداية تأسيس الجامعة العربية، التي من المفروض أنها تشكلت لخدمة شعوب هذه الدول وتنميتها وحل خلافاتها وتنظيم علاقاتها، لم تقدم أي شيء يذكر، على العكس استولت النظم العربية. الشمولية تحديداً، على قرارات ومقدرات الجامعة وجيرتها لخدمة مصالحها، وادعت أنها تحمل لواء العروبة، ورفعت من منسوب الشعارات، وحاولت من خلالها ابتزاز شعوبها والتسول من دول الخليج العربي مادياً تحت ذريعة أنها تزود عن حمى الأمة كلها، لا بل حملتها في كثير من الأحيان أسباب فشلها، وفي الوقت ذاته كتمت هذه الأنظمة. بدعوى مواجهة العدو الخارجي، أنفاس مواطنيها وحرمتهم من الحدود الدنيا للكرامة الإنسانية.
ولو نظرنا بواقعية إلى جملة المشاكل التي تعصف بهذا العالم. العربي، العالم الذي تدعي جامعة الدول العربية أنها تقوم بتمثيله، لوجدنا أنها لم تستطع حل أية مشكلة عالقة طيلة عقودها السبع. على العكس، عملت على ترحيل المشاكل، لتزداد تفاقماً واستعصاءاً، وتنكرت في كثير من المواقف لوجود مشاكل بالأصل، تحت ذريعة أن الأرض عربية، و أن الخلاف عربي- عربي. لذا مازال الصراع جار في الصحراء الغربية من المغرب العربي بين جبهة البوليساريو والحكومة المركزية، لا بل قامت بعض الدول العربية. سوريا، في وقت ما بإذكاء هذا الصراع بدلاً من العمل على حل المشكلة، وقضية جنوب السودان. كما هو معروف، مرت بحربين أهليتين كلفت آلاف الضحايا وانتهت بالطلاق، أما مشكلة الأمازيغ والطوارق في الجزائر وليبيا بين صد ورد وصراع لم يحسم بعد، كذلك الأمر بالنسبة للنوبيين في جنوب مصر وشمال السودان تم تهجيرهم تحت حجة بناء السد العالي، ثم تركوا لمصير قاس.
كل هذا الفشل ولم نتطرق بعد لقضية جوهرية، فلسطين. إذا أسقطنا من الحسبان فكرة تحريرها، وقلنا أنها فوق طاقة الدول العربية. بعدما أشبعونا في الحصص المدرسية. مذ كنا صغاراً، بقوة اللوبي الصهيوني، ووقوف أمريكا والغرب الى جانبها. لو تركنا هذا جانباً، لم تستطع الجامعة العربية أن تؤمن لهذا الشعب المقهور ملاذاً آمنا تتوفر فيه أدنى شروط الحياة، مازالوا يعيشون منذ أكثر من نصف قرن في مخيمات الصفيح على هامش عواصم دول الجامعة العربية، يعملون أجراء هنا وهناك ويتنقلون من مكان لآخر في حال يرثى لها. مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة، واستخدمت قضيتهم من قبل نظم المقاومة والممانعة شر استخدام، وتم تقسيمهم تبعاً لولاءات الدول العربية، وكثيراً ما دخلوا في حروب بينية وصراعات زادت من معاناتهم وكربتهم.
وربما تكون الحالة السورية دليل آخر على فشل جامعة الدول العربية، ليس فقط لأنها لم تستطع أن تنصف الشعب السوري، ولم تنحاز لجانب قضية الديمقراطية، بل لأنها حتى عندما أرسلت مبعوثها. الدابي وفريقه، كانت النتائج مبهمة وتم تمييع القضية وتدهورت الأوضاع وصولاً إلى هذا الكم المرعب من التدخلات في الشأن السوري، وليس بخاف على أحد أن المواطن السوري اليوم ممنوع عليه حتى دخول الصومال، وما تبقى من القصة معروفة ولا داع لإعادتها.
في جانب آخر فشلت الجامعة العربية في الحد من التمدد الإيراني الذي يستخدم بسطاء الطائفة الشيعية من الأخوة العرب كوقود لمشاريعها السياسية، وتعمل ليل نهار على خلخلة أمن الدول العربية في الخليج والعراق واليمن ولبنان وصولاً إلى المغرب والسودان ومصر وتدخلها العسكري السافر في اليمن وسوريا خير برهان، إذ لم تترك شبراً إلا وزرعت فيه جواسيسها ومونتهم بالمال والسلاح.
أما على الصعيد الكوردي، لو عدنا لأرشيف الجامعة العربية لوجدنا أن هذه المفردة. الكورد، بالأصل ممنوعة من التداول في أروقة الجامعة العربية. كما لو أننا في فرع من أفرع الأمن، حيث دأب النظامين السوري والعراقي على اعتبار التطرق للقضية الكوردية. خط أحمر، تمس جوهر العروبة. إسرائيل ثانية كما يحلو للبعض تسميتها، لذا لا تجد أي تنديد من الجامعة العربية بالمجازر التي ارتكبها بعث العراق، تنكرت لحلبجة وللأنفال، ولم يتلق الكوردي العراقي خلال هجراته المليونية المتكررة سلة غذائية ألقيت عليه من الجو مكتوب عليها جامعة الدول العربية. بالتأكيد، إذا استبعدنا المجازر. حال العربي العراقي لم يكن بأفضل حال، على الطرف الآخر مارس البعث السوري بدوره شتى صنوف القهر بحق مواطنيه الكورد وغيبهم في المعتقلات وصادر حتى آلاتهم الموسيقية.
مع بالغ الأسف لم تتعامل جامعة الدول العربية مع الشعوب. الغير عربية، التي تتقاسم معها الأرض والسماء والعادات والدين وتتداخل في مشتركات عدة سوى على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. من أهل الذمة إن جاز التعبير.
اليوم تحاول فلول الأنظمة العربية المتصدعة. الشمولية، عبر موظفيها الممسكين بخناق جامعة الدول العربية، أن تحرف الحقائق عن مسارها. أن تظهر للشارع العربي على أنه ثمة صراع بين شعبين. كوردي/عربي، تماماً مثلما تم تحريف مطالب الشعوب العربية في الحرية والكرامة بعدما تمكنت تلك المنظومات. بدعم من إيران، في تحويلها لقضية صراع مع قوى الإرهاب العابر للحدود. تلك اللعبة التي أجهضت أحلام المواطن العربي البسيط لإعادة كرامته المهدورة أمام طوابير الخبز ودوامة الرهاب الأمني الذي يقضّ مضجعه.
المطلوب اليوم على كل من يعيش في العالم العربي النظر إلى قضية استفتاء الكورد على أنها أبعد من قضية الخرائط والجغرافيا، كما تراها جامعة الدول العربية. بل جزءاً من قضية كبرى تهم الجميع، تكمن في دمقرطة المنطقة، وأي تأجيل. حتى وإن بدا للبعض متسرعاً، يدخل في خدمة ترحيل المشروع الديمقراطي ضمن فضاءات العالم العربي، لذا ما على النخب المثقفة. عرباً كانوا أم كورداً، سوى العمل معاً لردم الهوة التي أحدثتها تلك النظم المارقة بين شعوبها، والنظر إلى إرادة كورد العراق في الاستفتاء على أنها قبل كل شيء تمرد واحتجاج على عراق فارسي. بين قوسين، وليس على عراق السياب أو شيركو بيكاس، عندما نستطيع الإحاطة بهذه التفصيلة وملامسة شغافها، عندئذ يكتشف ابن أربيل أنه لابديل له عن تمر بغداد، ويكتشف ابن البصرة أن جبال كوردستان لن تكف عن ترديد صدى مواويله، والأمر ذاته ينطبق في سوريا. يدرك ابن عفرين وكوباني والقامشلي أن كل الطرق التي تودي به إلى الرقة و الحسكة و دير الزور ما هو سوى شريان دم واحد. ينهل من الفرات ويتوضأ في البحر المتوسط.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً