إقليم كوردستان ومشاكله المالية مع العراق

16-11-2020
عمر أحمد
A+ A-

عمر أحمد*

جرت في الأسبوع الماضي المصادقة على مشروع قانون تمويل العجز المالي في مجلس النواب العراقي بدون موافقة الكتل الكوردستانية. أثارت المصادقة على هذا القانون بدون مراعاة حقوق وحصة إقليم كوردستان ردود فعل لدى الكثير من المسؤولين ونواب إقليم كوردستان.

ومع توجيه انتقاد شديد لإغفال مطالب إقليم كوردستان، أعلن رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، أن المصادقة على ذلك القانون أكبر إخفاق لتلك الأطراف والسياسيين العراقيين الذين مرروا القانون بصورته هذه، ووصف الأمر بالسابقة الخطيرة.

عند المصادقة على قانون تمويل العجز المالي في مجلس النواب العراقي، طولب إقليم كوردستان أولاً بتسليم 480 ألف برميل نفط، أي تسليم كل إنتاجه النفطي لبغداد، ومعلوم أن ذلك لم يكن مطلباً مقبولاً، وقد تم اقتراحه لمجرد الضغط على حكومة إقليم كوردستان.

تحتاج حكومة إقليم كوردستان إلى أكثر من 850 مليار دينار لتأمين رواتب متقاضي الرواتب، وفي حال قيامها بتسليم كل النفط لبغداد فإنها لن تحصل في المقابل على مبلغ يؤمن نصف رواتب متقاضي الرواتب.

إضافة إلى ذلك لم تكن الحكومة العراقية مستعدة قط، في حال تسلمها نفط إقليم كوردستان، لدفع مستحقات الشركات النفطية التي تنتج نفط إقليم كوردستان، في وقت يجب على العراق أن يدفع نحو مليار دولار كأجور للشركات النفطية العاملة في حقوله.

تم تمرير القانون بصورة ترتبط باتفاق حكومة إقليم كوردستان والحكومة العراقية وشركة سومو، كما لم يحدد المبلغ الذي ستصرفه الحكومة العراقية لإقليم كوردستان.

تسبب هبوط أسعار النفط منذ شهر نيسان من السنة الحالية في مشاكل مالية كبيرة لإنتاج النفط في العراق وإقليم كوردستان.

وكمحاولة لمنع المزيد من هبوط أسعار النفط، اتفقت 23 دولة منتجة للنفط على خفض الإنتاج المعروض بمقدار عشرة ملايين برميل يومياً وعلى مراحل، لينخفض مجموع الإنتاج اليومي ثمانية ملايين برميل ثم ستة ملايين برميل.

ووفق المرحلة الأولى من اتفاق أوبك + وافق العراق على خفض إنتاجه النفطي بمقدار مليون برميل يومياً، ورغم أن الحكومة العراقية عجزت عن خفض إنتاجها النفطي بهذا المقدار، فإنها خفضت إنتاجها إلى 3.58 مليون برميل يومياً في شهر آب من هذا العام، في حين كان ينتج في آب من العام الماضي ستة ملايين برميل من النفط يومياً.

كانت الحكومة العراقية حتى الآونة الأخيرة تتعرض لضغوط من أعضاء أوبك الآخرين، وخاصة السعودية، لتلتزم بخفض مستوى إنتاجها، وجلي أن العراق لا يريد تعريض نفسه للمزيد من انتقادات أعضاء أوبك الآخرين بتسلمه نفط إقليم كوردستان.

لكنه الآن يتخذ بين الحين والحين من إقليم كوردستان ذريعة ويدعي أن إقليم كوردستان هو السبب الرئيس لفشله في الالتزام باتفاق أوبك. فحتى إن تسلم العراق كل نفط إقليم كوردستان لن يستطيع بيع أي كمية منه، وذلك للحفاظ على الحصة المحددة له.

أعلن رئيس إقليم كوردستان هذه الحقيقة يوم الأحد (15 تشرين الثاني 2020) عندما قال: "بغداد هي التي قالت لإقليم كوردستان: لكم نفطكم في هذه المرحلة وقوموا بتصديره بأنفسكم".

منذ سنة 2014 حاول العراق باستمرار إلحاق أضرار مالية بإقليم كوردستان، منذ أن عمدت حكومة نوري المالكي إلى قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة بهدف إضعاف كيان إقليم كوردستان، الأمر الذي ألحق ضرراً مالياً كبيراً بإقليم كوردستان بلغ عشرة مليارات دولار، ومازالت آثار ذلك على الوضع الاقتصادي والمالي لإقليم كوردستان قائمة.

الأسوأ من ذلك هو أن التوقف عن صرف حصة إقليم كوردستان الذي بدأ في أيام المالكي بات تقليداً وليست الحكومات التي تلت في العراق مستعدة لإطلاق حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة وتخلق في كل سنة مشاكل لحكومة إقليم كوردستان لأغراض سياسية. إنها تشغل حكومة إقليم كوردستان بهذه المسألة لدرجة تصبح معها غير قادرة رسم خطة اقتصادية أو تطبيق إصلاح جذري من أجل تطوير كل القطاعات الاقتصادية. في أيام المالكي اضطرت حكومة إقليم كوردستان إلى تأمين الرواتب كاملة أو ناقصة من كمية النفط التي كانت تنتجها.

عندما صدرت حكومة إقليم كوردستان نفطها أول مرة في أيار 2014، كانت الحكومة العراقية قد أوقفت صرف حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة منذ أربعة أشهر. فبخلاف ما يشاع وتقوله أطراف سياسية في إقليم كوردستان، لجأت حكومة إقليم كوردستان إلى تصدير النفط كحل، بينما يشاع أن بغداد عاقبت إقليم كوردستان مالياً وقطعت حصته من الموازنة لأن إقليم كوردستان صدر نفطه منفرداً.

كان هبوط سعر النفط، هجوم داعش، وعدم صرف بغداد حصة إقليم كوردستان من الموازنة أسباباً أدت إلى عدم تمكن إقليم كوردستان من تحقيق هدف إنتاج مليون برميل من النفط يومياً الذي أعلن عنه وزير الموارد الطبيعية السابق، آشتي هورامي. كما توقفت كافة مشاريع إقليم كوردستان لتصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا والدول الأوروبية بسبب غياب الاستثمارات المناسبة.

في تشرين الثاني 2015، أعلن وزير الموارد الطبيعية بإقليم كوردستان، آشتي هورامي، والمدير السابق لشركة غنل إنرجي، طوني هايوارد، أنه سيتم بحلول العام 2020 تصدير 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى تركيا وأوروبا عن طريق الأنابيب.

لكن هذا المشروع صار من الماضي، والسبب الرئيس هو عدم توفر الاستثمارات المناسبة والشركات القوية المتنفذة لتطوير ثروة الغاز الطبيعي في إقليم كوردستان. فقد أدى هبوط أسعار النفط يعد 2014 إلى تعطيل الكثير من المشاريع الدولية والإقليمية لتطوير قطاعي الغاز والنفط.

ولم تستطع شركة غنل إنرجي حتى الآن من تطوير حقول غاز كوردمير، بنباوي وميران التي كان مقرراً تصدير الغاز منها إلى تركيا، والوصول بها إلى مرحلة الانتاج.

تحدث رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني بوضوح عن أن اتفاق النصف قرن بين حكومة إقليم كوردستان وتركيا لتصدير النفط والغاز الطبيعي إلى تركيا واتفاق إقليم كوردستان مع شركة روسنفت لم يكونا قط عائقاً في سبيل الاتفاق مع بغداد.

اضطرت حكومة إقليم كوردستان في السنوات الأخيرة، لتأمين الرواتب، إلى بيع جزء من نفطها واقترضت من الشركات النفطية لهذا الغرض. هذه الديون التي جاءت بعد سنة 2014 وبعد قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة، مازالت تثقل كاهل حكومة إقليم كوردستان.

كما اضطرت حكومة إقليم كوردستان لتسلم مبالغ مقدماً من الشركات التجارية والنفطية الكبرى كروسنفت، فيتول، تيرافيغورا وشركات أخرى لقاء تزويدها بالنفط الخام مستقبلاً. أقدمت حكومة إقليم كوردستان على هذا للحصول على التمويل عند هبوط أسعار النفط بشكل كبير، كل ذلك لتأمين الرواتب. تشير تقارير شركة ديلويت للسنتين 2018 و2019 عندما ارتفع سعر النفط نسبياً، إلى أن قسماً كبيراً من تلك الديون تم تسديدها للشركات الدائنة من قبل حكومة إقليم كوردستان.

تنتج حكومة إقليم كوردستان حالياً نحو 480 ألف برميل من النفط يومياً، وتصدر القسم الأكبر من هذه الكمية لتأمين جزء من رواتب الموظفين.

تبلغ كمية النفط التي يصدرها إقليم كوردستان نحو 420 ألف برميل ويستطيع من خلال بيع هذا النفط، وبعد تسديد أجور الشركات النفطية المنتجة، الحصول على 300 مليون دولار شهرياً، لكنه يعاني عجزاً يقدر بما بين 400 و450 مليون دولار لتأمين رواتب متقاضي الرواتب.

معلوم أن حكومة إقليم كوردستان لا تستطيع الإذعان لمقترح من جانب بغداد لا يضمن تأمين رواتب موظفيها في الأخير، وإن استمرت الحكومة العراقية كما أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي في إطلاق 320 مليار دينار شهرياً، ستكون أمام إقليم كوردستان فرصة للاستمرار في صرف رواتب متقاضي الرواتب. في نفس الوقت يمكن أن يتطلع إقليم كوردستان إلى اتفاق شامل مع بغداد في إطار مشروع قانون موازنة سنة 2021. لكن مع ذلك، يبقى الإصلاح الجذري والحقيقي الذي يجري العمل عليه منذ سنوات الحل الوحيد طويل الأمد لمشاكل إقليم كوردستان الاقتصادية.

* مدير المكتب الاقتصادي بشبكة رووداو الإعلامية.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

طلال محمد

أهمية مشاركة الكورد في إدارة سوريا الجديدة

في ظل ما مرت به سوريا من حرب مدمرة منذ عام 2011، برزت الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة قائمة على العدالة، المواطنة، والتعددية. وفي هذا السياق، تبرز قضية مشاركة الكورد في إدارة البلاد كأحد أبرز التحديات والفرص على حد سواء. فالكورد، بوصفهم ثاني أكبر قومية في سوريا، ليسوا مجرد مكوّن ديمغرافي، بل شريك أصيل في التاريخ والجغرافية والسياسة، ولا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون مشاركتهم الفاعلة في بنائه.