المعاناة التي يضطر المواطن العراقي الى تحملها اثناء انجاز معاملاته الحكومية ليست بالامر الجديد، وقد تم طرح هذا الموضوع مراراً وتكراراً، الا ان عدم وجود حلول يستدعي طرحه مرة ومرات في محاولة لفت نظر صانع القرار الى ما يعانيه العراقيون من صعوبات وعراقيل غير منطقية عند محاولتهم انجاز معاملات يفترض ان تكون بسيطة وسهلة كمعاملات التقاعد او المعاملات المرتبطة بالمرور، او تلك الخاصة بإصدار وتجديد الوثائق الرسمية كالبطاقة الوطنية وجواز السفر.
لا اريد هنا ان اقارن الحال في العراق بدول غربية او حتى بدول الخليج، ولكن لنا ان نتخيل انه في احدى دول الجوار التي لا تصل إمكاناتها المالية او البشرية الى عشر الإمكانات العراقية، يتم انجاز معاملة ترخيص او نقل ملكية السيارة خلال اقل من نصف ساعة، ومعاملة اصدار جواز السفر خلال اقل من ساعتين، ومعاملة اصدار الهوية خلال اقل من ساعة، وذلك دون الحاجة الى واسطة ودون الحاجة الى دفع أي مبالغ مالية باستثناء الرسوم.
ومن اجل محاولة الوصول الى حلول لما يعانيه المواطنون العراقيون عند محاولة انجاز معاملاتهم الحكومية، علينا أولاً ان نحاول فهم الأسباب التي تجعل انجاز هذه المعاملات اشبه بالكابوس الذي يتمنى صاحبه ان لا يراه مرة أخرى، ومن أهم هذه الأسباب هو حجم البيروقراطية غير المبرر والإجراءات المعقدة التي يجب ات تمر بها أي معاملة حتى لو كانت معاملة بسيطة، وللأسف فهذه الإجراءات البيروقراطية المعقدة تجد من يدافع عنها، باعتبارها ضمانات لحسن سير المعاملة واستيفائها لكافة الشروط، وهذه الشروط هي في أساسها غير منطقية ولا تحقق أي هدف باستثناء زيادة الأعباء على المواطن وعلى الموظفين أيضاً، ومن المؤسف ان هناك من هو مقتنع ان هذه الإجراءات البيروقراطية الصماء هي إجراءات إدارية حصيفة لا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك فان تغييرها او الغائها يوجه بمقاومة شرسة من قبل من يؤمنون بها ويدافعون عنها داخل المؤسسات الحكومية.
سبب اخر يتمثل في ضعف الكفاءة في القطاع العام، وهو نتيجة مجموعة من العوامل منها غياب عنصر التدريب والتطوير الحقيقي لموظفي الدوائر والوزارات، وكذلك سياسة تكديس الموظفين في القطاع العام مما يؤدي الى وجود بطالة مقنعة والعديد من الموظفين الذين لا ضرورة لوجودهم، ولكن بما انهم موجودون فلا بد من اعطائهم مهاما تبرر تعيينهم، وهو ما ينعكس بالسلب على إجراءات انجاز المعاملة، ويضاف الى ذلك وجود موظفين لا يتمتعون بالمؤهلات والمهارات اللازمة لإنجاز الاعمال والذين يتم تعيينهم بالواسطة او لإرضاء هذا الطرف او ذاك.
السبب الثالث وهو الأكثر خطورة، وهو استشراء الفساد بين جزء غير بسيط من موظفي القطاع العام، حيث يقوم بعض الموظفين بتعقيد إجراءات المعاملات امام المواطنين بهدف محاولة الحصول على منافع شخصية مقابل تيسير إجراءات المعاملة، وفي بعض الحالات بهدف القفز على القانون وغض النظر عن المخالفات الموجودة في المعاملة.
هذه ربما هي الأسباب الرئيسة، وبالتأكيد هناك أسباب أخرى لا بد من البحث عنها ودراستها بهدف إيجاد الحلول الناجعة لهذه المشكلة التي تقض مضاجع الالاف من العراقيين. وهنا لا بد من الإشارة الى بعض الحلول تكمن في ضرورة وجود استراتيجية واضحة وقابلة للتطبيق لتطوير أداء القطاع العام، بحيث تشمل هذه الستراتيجية تبسيط الإجراءات ورفع كفاءة الموظفين من خلال التدريب وإعادة هيكلة القطاع العام، مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة لإنجاز المعاملات، وهنا يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى في المنطقة.
كذلك لا بد من تطوير نظام رقابي فعال يؤدي الى زيادة الفعالية من جهة ومحاربة كافة اشكال الفساد من جهة أخرى، هذا النظام يجب ان يعمل من خلال هيكلية منفصلة لضمان استقلاليته وفعاليته، مع التأكيد على أهمية ان لا يكون هذا النظام الرقابي عقبة إضافية تؤدي الى تعقيد المعاملات والإجراءات.
إضافة الى ذلك، فعلى الحكومة ان تتخذ قراراً حاسماً بوقف التعيينات في القطاع العام، ودعم القطاع الخاص لاستيعاب الوظائف بدلا من تكديس الموظفين في القطاع العام، والذي لا يؤثر سلباً على ميزانية الدولة فقط بل وعلى نوعية وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
نمتلك في العراق إمكانات مادية وبشرية ممتازة تمكننا من تطوير أداء القطاع العام وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ولكن الاستفادة من هذه الإمكانات لا يمكن ان يحدث دون إرادة سياسية حقيقية تضع مصلحة المواطنين والدولة فوق أي مصالح شخصية او حزبية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً