في نهاية كانون الثاني عام 2005 كنت قد وصلت من لندن الى اربيل لتغطية اول انتخابات تشريعية في اقليم كوردستان بعد عامين من تغيير نظام صدام حسين، لتشكيل الدورة الثانية من برلمان الاقليم والذي كان يسمى المجلس الوطني الكوردستاني، حسب الدورة الاولى عام 1992، أي بعد انتفاضة آذار 1991.
جرت إنتخابات الدورة الثانية لـ "المجلس الوطني الكوردستاني" بتأريخ 30 كانون الثاني 2005 تزامناً مع انتخابات مجلس النواب العراقي وانتخابات مجالس المحافظات، حيث كانت هذه الانتخابات العامة الاولى، ليس في اقليم في كوردستان وانما في جميع مناطق العراق بعد التغيير.
وتنافست 13 قائمة مختلفة في انتخابات الدورة الثانية للبرلمان الكوردستاني التي جرت وفق نظام التمثيل النسبي، وشارك في التصويت 1753919 ناخباَ من سكان اقليم كوردستان من الكورد والتركمان والكلدان والاشوريين، مسلمين ومسيحيين وإيزديين، لانتخاب 111 مرشحا للبرلمان.
في صباح يوم التصويت، خرجت مبكراً الى الشارع، قررت ان اتجول مشياً لمقابلة الناس وزيارة بعض مراكز التصويت، كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لي، عوائل باكملها خرجت مبكرة الى صناديق الاقتراع، النساء ارتدين اجمل ملابسهن الكوردية المعروفة بزهو الوانها، الرجال اصروا ان يرتدوا الازياء الكوردية التقليدية، حتى الاطفال غير المشمولين بالتصويت كانوا يرافقون عوائلهم، شباب وشيوخ وعجائز والبعض منهم على كراسي مدولبة، وقفوا في طوابير طويلة في انتظار الوصول الى صندوق الاقتراع.
وقتذاك سألت امرأة تجاوزت الستين من عمرها عما تشعر به، عيد، اجابت مباشرة بانها تشعر وعائلتها في عيد حقيقي لانهم في مهرجان ديمقراطي يعيشوه لأول مرة بهذا الحجم لتقرير من يمثلهم في البرلمان ومن سيحكمهم ومن سيكون رئيسهم. بالفعل كان الحدث مفاجئاً لكل العراقيين وليس للكورد فقط الذين كانت تراودهم مشاعر مزدوجة من الشعور بالحرية التامة بعد عقود من الظلم والاضطهاد والقتل المجاني، الى الخروج لفضاء الحرية وتقرير المصير والتحرر من القيود.
كان الكورد مصرين على ممارسة حقهم في التصويت، ولم يقبلوا ان يُستلب هذا الحق الذي حصلوا عليه بعد عقود من القتال والتضحيات والتهجير. وكنت اتساءل وقتذاك ان كانوا سوف يستمرون في الدورات الانتخابية القادمة على هذا الاصرار والذهاب الى صناديق الاقتراع لممارسة حقهم المشروع بانتخاب من يمثلهم ويحكمهم؟.
اليوم وبعد 19 عاماً على اول انتخابات تشريعية بعد الاعلان رسمياً ودستورياً عن قيام اقليم كوردستان، نشهد انتخابات الدورة السادسة التي ستتم بعد ايام، 20 تشرين الاول 2024، حيث يفترض ان يتوجه ما يقرب من 3 ملايين ناخب، لاختيار 100 مرشح من بين 1190 موزعين ضمن ائتلافين و13 حزباً، و85 مستقلاً، إضافةً إلى 39 مرشحاً للمكونات، تشمل 139 قائمة انتخابية للفوز بمقاعد برلمان إقليم كوردستان في دورته السادسة.
لقد حرص شعب اقليم كوردستان والاحزاب السياسية الكوردستانية والمؤسسات البرلمانية والحكومية ومنظمات المجتمع المدني على التمسك بخيار الديمقراطية وعدم التضحية بحق الانتخاب والتصويت واعتباره حقا مقدسا بالرغم من جميع الخلافات والاختلافات بين الاحزاب الناشطة في اقليم كوردستان، وهذا بحد ذاته انجاز يُحسب لكل مكونات شعب الاقليم.
لكن لا يمكننا ان نحسب حق الترشيح والتصويت والانتخاب زمنياً منذ عام 1992 او 2005، بل علينا العودة الى الجذور، الى الخطوة الاولى للثورة الكوردية التي قادها الزعيم ملا مصطفى بارزاني ورفاقه الشجعان، للمسيرة الجبارة التي واصلها نجلاه ادريس ومسعود بارزاني لايصال الحزب الديمقراطي الى بر الامان واستمرار تقدمه على طريق الثورة، وان نتذكر ما قدمه الاف الرجال والنساء وحتى الاطفال الذين ضحوا بحياتهم واستقرارهم من اجل قيام اقليم كوردستان الآمن والمتحضر.
ان تحقيق الديمقراطية يحتاج الى الامن والاستقرار والحياة الكريمة، وهي ليست مفردة نستخدمها في خطاباتنا فقط، تحقيق الديمقراطية يحتاج الى قيادة حكيمة وقادة شجعان وهذا ما حققه الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي ارسى دعائم راسخة من اجل استقرار اقليم كوردستان وشعبه واستمرار تقدم عجلة الديمقراطية ليبقى المواطن الكوردستاني يمارس حقه المشروع والمقدس في التصويت لمن يجده ويؤمن به بأنه الاجدر بتمثيله وان يعمل على تقدم حياته ومستقبل ابنائه.
لو اني اليوم أقف أمام صندوق الاقتراع في انتخابات اقليم كوردستان، وقبل أن أضع أية علامة في استمارة الاقتراع، سأسأل نفسي عن من حقق لشعب اقليم كوردستان كل هذه الرفاهية والحياة الكريمة. من بنى اقليم كوردستان ووضعه في مقدمة المشهد الحضاري محلياً واقليمياً ودولياً. من ضمن وسيضمن مستقبل ابنائي واحفادي. وقبل هذا وذاك من ضحى من اجل قيام هذا الاقليم الذي يتحلى بمواصفات دولة متطورة، عند ذاك اقرر القائمة التي امنحها صوتي والمرشح الذي اؤمن به ليمثلني في البرلمان.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً