ماذا تريد بغداد من الكورد؟

13-09-2023
معد فياض
A+ A-
 
معد فياض

ماذا تريد الحكومة المركزية، ولا اقول الاتحادية لانها ليست كذلك، والاحزاب المسيطرة على مجريات امور العراق والعراقيين، وفي مقدمتهم المشاركون في ما يسمى بالإطار التنسيقي، والذين يحكمون العراق فعليا وتحت مسميات مختلفة منذ 2005 وحتى اليوم، من الكورد، بل ماذا يريدون من العراقيين ككل؟ واعطي للكورد أولوية هنا لانهم اولى ضحايا الحكومات التي تحكمت بمصائرنا منذ أكثر من 18 سنة، وعلى مدى هذه السنوات كانت العلاقة بين الحكومة المركزية واحزابها واقليم كوردستان ما بين جزر، وجزر، ومد شحيح للغاية.
 
فبالرغم من التزام حكومة أقليم كوردستان بكل التزاماتها، وتعاملها الراقي والدبلوماسي الناعم، والهادئ، مع الحكومة المركزية، وهذا ليس من موقف االضعف حاشاهم للكورد، بل من موقع الشعور بالمسؤولية والالتزام بمواد الدستور وحفاظا على التعهدات والاتفاقات المبرمة سابقا، والمعروف عن الكوردي التزامه بتعهداته وامانته وعدم الغدر بما يتعهد به، على العكس تماما من الحكومة المركزية  التي تعاملت وتتعامل باستمرار بخشونة واضحة تصل الى حد العدائية مع الشعب الكوردي، بل ان كل ممارساتها جاءت، وما زالت ضد الشعب الكوردي عامة، والاعيبها تستهدف حياة كورد العراق وليست هذا الحزب او ذاك فقط، منطلقين من الشعور بالقوة والسيطرة والهيمنة ومحاولة للي ذراع الكورد الذين لم تستطع اكثر الانظمة قسوة وجبروت، آخرها نظام صدام حسين، النيل من صلابتهم المستمدة من صلابة جبال كوردستان.
 
الاحزاب الاسلامية الشيعية (المؤمنة) والتي تردد"هيهات منا الذلة"، و"قطع الاعناق ولا قطع الارزاق"، وتتستر بدفاعها عن المظلومين ودحر"المظلومية"، هي ذاتها من تمارس اساليب بالعكس من كل ما ورد اعلاه، فهي من تريد، واهمة، اذلال الكورد، وهي من تريد قطع اعناق الكورد من خلال قطع رواتبهم وهي مصدر معيشتهم، وهي من تريد ان تعالج عقد نقصها النفسية بالشعور بالمظلومية وتفرض الظلم على الكورد لانها تسيطر على مقاليد الحكم.
 
الكورد هم من اختاروا وبمحض ارادتهم، بعد تغيير النظام السابق عام 2003، البقاء ضمن عراق اتحادي ديمقراطي يحترم حقوق كل العراقيين وليس الكورد فحسب، وهذا ما اكده الدستور العراقي، والكورد، وخاصة الحزب الديمقراطي االكوردستاني، وبالذات زعيمه الرئيس مسعود بارزاني، ورئيس اقليم كوردستان نيجرفان بارزاني، من عملوا على اطفاء الحرائق السياسية في بغداد وحل الازمات المستعصية من اجل استمرار العملية السياسية من اجل استقرار العراق، وحرصا على امن وحياة العراقيين جميعا. اربيل هي من حلت عقدة تشكيل الحكومة الحالية في بغداد ضمن ما يسمى بتحالف إدارة الدولة. واربيل هي من فتحت ابوابها بكرم بالغ امام جميع العراقيين في كل الازمات الامنية والحياتية والسياسية وتحولت الى مستقر آمن لهم. والكورد هم من تحملوا قساوة وجرائم الحكومات والانظمة الحاكمة وحروب جيوشها ضدهم منذ ما يقرب من 100 عام. والكورد هم من اشعل شرارة تغيير النظام االدكتاتوري السابق من اجل فتح صفحات مشرقة في حياة العراقيين. ثم ماذا حدث؟ تنمرت الاحزاب المسيطرة على مقاليد الامور، الشيعية خاصة، على الكورد، وراحت هذه الاحزاب تناور وتقود كل المحادثات والاتفاقات التي تخص اقليم كوردستان وحياة الكورد في دهاليز معتمة يجيد قادة هذه الاحزاب لعبتها لانهم ببساطة باطنيون ولا يعرفون معنى الوضوح والامانة والحفاظ على الكلمة، فهذه صفة الرجال الشجعان وعنوان الكورد، وخاصة قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذين ما داهنوا يوما ولا غدروا، حاشاهم، بكلمتهم او تعهداتهم.
 
يجيد قادة الاحزاب المسيطرة على السلطة لعبة تعذيب الآخرين، الكورد خاصة والعراقيين عامة، ولا سبيل عندهم سوى خنق الحقوق المالية للاقليم وقطع رواتب الملايين من الموظفين الكورد وحرمانهم من معاشاتهم، بينما هم ينهبون البلاد والعباد ويسرقون المليارات ويهربونها الى خارج العراق، كما تكشف الحكومة المركزية باستمرار عن جزء من هذه السرقات، وآخرها وليست أخيرها، فضيحة سرقة القرن. قادة الاحزاب المسيطرة على السلطة هم حيتان الفساد وصاروا يملكون المليارات بعد ان كانوا يعجزون عن تسديد ثمن قنينة غاز بسعر خمسة ليرات سورية في حي السيدة زينب في دمشق، حسب اعترافات احد قادة احزاب الاسلام السياسي الشيعية من خلال الاعلام. 
 
ماذا تريدون من الكورد وأقليم كوردستان؟ هل اقليم كوردستان يقع ضمن حدود العراق كوطن لجميع العراقيين ام انه دولة معادية ويجب ان تحاربه بغداد وتحاصره وتضيق على المواطن الكوردي؟ تمتعوا ولو مرة واحدة بالوضوح والرد عن هذا السؤال المُلح بشجاعة..الكورد هم اهل العراق الاصيلون، ووجودهم في بلاد ما بين النهرين عمره اكثر من خمسة الاف عام حسب الوثائق والادلة الملموسة، وقبل الغزوات العربية التي اطلق عليها، لغرض تجميلها ومنحها القدسية والالوهية بالفتوحات الاسلامية، وعمرها اقل من 1200 عام، تلك الغزوات التي قتلت وسبت وسرقت الكورد مثلما فعلت بشعوب وامم اخرى. والكورد اكثر التصاقا بعراقهم الحضاري، عراق ما بين النهرين وليس عراق الانظمة والاشخاص والعشائر التي تواجدت في بلاد الرافدين بحكم الغزوات.
 
عندما استفتى الكورد على تحقيق مبدأ حق تقرير المصير عام 2017، قامت الدنيا في بقية مناطق العراق ولم تقعد باعتبار ان اقليم كوردستان جزء من العراق، وان الكورد اشقاء العراقيين، وجاء الرد عسكريا من الحكومة المركزية ببغداد في 16 اكتوبر عام 2017، بعد ان صوت الغالبية العظمى من الكورد لصالح الاستقلال كون الحكومة المركزية واحزابها لم تحترم الدستور ولا مواثيقهم وتعهداتهم التي قطعوها لاقليم كوردستان وشعبه، وكان، وما يزال، الكورد يحتفظون بحق تقرير مصيرهم في الاستقلال والعيش بكرامة مثل اي شعب من شعوب الارض.
 
وفي سؤال أخير فيه الكثير من العتب على العراقيين، ما هو موقفكم مما يحصل مع من تعتبرونهم اشقائكم، الكورد، وشركائكم في الوطن والمصير. الكثير من الشباب الكوردي انتفض الى جانب بقية شباب العراق في تشرين، وبينهم من منح حياته في هذه الانتفاضة، واقليم كوردستان دعم شباب تشرين، والجميع يعرف ذلك، وكان الرئيس نيجرفان بارزاني اول من وقف في مؤتمر دولي، دافوس، ودافع ان انتفاضة تشرين وحقوق العراقيين امام كل العالم. فماذا فعل العراقيون من اجل الكورد؟ هل انتفضوا من اجل الشعب الكوردي المحروم من رواتبه وحقوقه المالية؟ هل تضامن مثقفوا العراق ومبدعيه مع الكورد في محنتهم، هل دافعوا عن اربيل التي لجأوا اليها في ازماتهم وآوتهم بكل كرم وسلام؟ ام ان اقليم كوردستان بالنسبة لغالبية العراقيين هي مصيف جميل ليس أكثر. 
 
إن ابعاد ممارسات الاحزاب المسيطرة على السلطة في بغداد خطيرة راهنا ومستقبلا. كيف تريدون من المواطن الكوردي ان يشعر بعراقيته وبغداد تحرمه من حقوقه المالية؟. المواطن الكوردي ما يزال يشعر ان الحكومة في بغداد تشكل مصدر خطر على وجوده كما فعلت انظمة الحكم السابقة.اما الحديث عن تطور واعمار اقليم كوردستان وتصدره واجهات العالم كأقليم حضاري فهذه بفضل انجازات حكوماته وقادته وليس بفضل حكومة بغداد التي يزعجها كثيرا هذا التطور.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

دلشاد عبدو

أميركا في سوريا.. انسحاب مؤقت ووجود دائم

الإعلان الأميركي الأخير عن سحب جزء من قواتها من سوريا لا يعكس نية فعلية في الانسحاب الكامل، بل يأتي ضمن إطار إعادة ترتيب تموضع عسكري مدروس يخدم أهدافاً ستراتيجية أوسع في المنطقة، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد السوري وتداخلاته الإقليمية والدولية.