مقاومة أم مقاولة

13-08-2024
معد فياض
الكلمات الدالة العراق أميركا
A+ A-
 
لا أحد ينكر على الشعوب حق مقاومتها للمحتل، بل على العكس من ذلك إذ يعاب على الشعوب عدم مقاومتها لمحتلين بلدانهم، وتاريخ العراقيين حافل بمقاومتهم للاحتلال العثماني ومن ثم البريطاني والاميركي بعد 2003.
 
حتى الادارة الاميركية اعترفت بحق الشعب العراقي بمقاومة قواته المحتلة للعراق، مع انها، القوات الاميركية، تعاملت بشراسة مع مقاومة كانت اكثر قسوة وشراسة منهم، خاصة في الفلوجة التي وصفها ضابط اميركي بانها كانت اكثر قسوة عليهم من فيتنام.
 
وفي حديث عابر لي مع ضابط اميركي سابق التقيته في لندن، قال كانت المقاومة العراقية ضدنا مثل الجحيم الذي كبدنا الكثير من القتلى، وحتى اليوم لم تكشف القوات الاميركية عن عدد خسائرهم البشرية في العراق. وما زالت هوليوود تنتج العديد من الافلام السينمائية التي تتخذ من الحرب في العراق موضوعاً لها وتعكس الاثار السلبية والنفسية الصعبة على الجنود الذين خدموا في العراق او على عوائل الضحايا.
 
لكن مرحلة الحرب انتهت، نعني الحرب بين القوات الاميركية والمقاومة، بل ان المقاومة نفسها توقفت عندما تحول وجود القوات الاميركية او قوات التحالف الدولي فوق الاراضي العراقية رسمياً وبموجب اتفاقات امنية بين واشنطن وبغداد واربيل خاصة بعد ان شاركت هذه القوات وبقوة في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي (الدولة الاسلامية) الذي احتل اكثر من ثلث الاراضي العراقية وقتل عشرات الالاف من العراقيين الابرياء، وكان يتوسع ليضم اراض ومدن اخرى لولا قتال قوات التحالف الدولي وطيرانها الحربي والقوات العراقية وقوات البيشمركة الكوردية.
 
بعد انتهاء الحرب ضد (داعش) عادت هذه القوات، الاميركية والتحالف الدولي، الى قواعدها المخصصة لها من قبل الحكومة العراقية وحكومة أقليم كوردستان، لتؤدي مهام تدريبية لصالح القوات العراقية وقوات البيشمركة، اضافة الى مهامها في الحفاظ على امن واستقرار العراق، وكل هذا تم ويتم على اسس قانونية وعقود دولية بعيدة عن مسميات الاحتلال، ذلك لان هذه القوات لا تتدخل بالشؤون الداخلية، الامنية او السياسية او الاقتصادية للعراق، وعلاقاتها تنحصر بالحكومة العراقية وتوصف بالدبلوماسية، اي ان هذه العلاقات تنظم من خلال وزارة الخارجية العراقية.
 
بعد كل هذا وذاك فان اي اعتداء مسلح على هذه القوات يعتبر تجاوزاً على الاتفاقات الدولية التي عقدتها الحكومة العراقية ولا يُعد عملاً من اعمال المقاومة، فهذه القوات قابعة في قواعدها ولا تقوم بنشاطات ضد البلد او الشعب العراقي، على العكس من ايران وتركيا اللتان تعتبران العراق مرتعاً لنشاطاتهم العسكرية والاقتصادية، بل ان وجودها يُعد صمام أمان للعراقيين، خاصة في ظل وجود عشرات الميلشيات المسلحة المنفلتة والتي تدين بولائها لايران ولا تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية.
 
الاكثر من كل هذا ان هذه الميلشيات المسلحة تهاجم القوات الاميركة بأوامر من الحرس الثوري الايراني لتصفية حسابات ايرانية اميركية، من جهة، ولأن ايران تريد العراق ساحة خالية وآمنة لهم، من جهة ثانية، لهذا يوجهون اجهزتهم داخل العراق لتنفيذ عمليات هجومية ضد القواعد الاميركية، عين الاسد، وهم مثلاً لا ينفذون هذه العمليات خدمة للعراق او من اجل عين العراقيين، وإنما تنفيذاً لأوامر ايرانية مقابل مصالح، فوجودهم مرهون برضا طهران عليهم، وامتيازاتهم محفوظة طالما رضا عنهم الحرس الثوري، وحالهم يشبه غالبية الميلشيات في الدول الاخرى، اي انهم يقبضون ثمن هذه العمليات التي يعلقون عليها لافتة (المقاومة) بينما هي في الواقع مقاولات مدفوعة الثمن ولا تخدم العراق ولا امنه ولا استقراره ولا شعبه.
 
اذا تريد هذه الميلشيات ان تبرهن بانها مقاومة، اسلامية او غيرها، وتعمل للدفاع عن حرية الشعب العربي وليس العراقي فحسب وعن الاسلام والمسلمين فعليها ان تذهب الى اسرائيل مثلاً للدفاع عن الابرياء في غزة، لا ان تستعرض عظلاتها في العراق لتصدر البيانات الفضفاضة وتقبض ثمن هذه الاستعراضات التي تتم وفق اتفاقات اشبه بالتجارية، حيث تتحول المقاومة الى مقاولة.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

أنور الجاف

العيد الذي فرّقنا

في زمنٍ تُعد فيه الثواني بالأقمار الصناعية، وتُرصد فيه المجرات بمراصد من فوق سبع سماوات وتقرّب ناساً آلاف السنين الضوئية في لمح البصر، لاتزال أمة الإسلام تختلف على ميلاد هلال في واحدة من أكثر المفارقات إيلاماً وسخرية، وليس الخلاف إذاً على الهلال ذاته، بل على منْ يُعلن رؤيته وعلى أية منبر تُعلَن ومن الذي يُقدّم البلاغ وأيّ سلطان يُبارك النداء.