دعم كورد سوريا لثورة آرارات وتفكّك خويبون

13-05-2023
سيامند حاجو
الكلمات الدالة خويبون ثورة آرارات
A+ A-

قبل عدّة أيام وبمحض الصدفة، قرأتُ نصاً للكاتب "كونى رش" عن الهجوم العسكري الذي قاده كورد سوريا على القوات التركية بهدف دعم ثورة آرارت. من المعروف أنّ كونى رش من الكتّاب الملمّين بأحداث تلك الحقبة، وله العديد من الكتابات عن خويبون وعائلة بدرخان التي لعبت دوراً محورياً في ترتيب هجوم القوات الكوردية. في هذا النص المذكور يسلّط الكاتب الضوء على دور مصطفى شاهين بك (زعيم عشيرة برازي) في العملية العسكرية، ويشير إلى أنّ مصطفى شاهين بك وأخاه بوزان كانا من بين المجموعات التي دخلت إلى كوردستان تركيا لقتال الجيش التركي دعماً لثورة آرارات.
 
لكن هذا الرأي لا أساس له على أرض الواقع، وبقناعتي اعتمد الكاتب على معلومات حصل عليها بشكل شفهي من أحد المصادر، وفي الحقيقة يُعتبر الاعتماد على مصادر وروايات شفهية إشكالاً، وخاصة فيما يتعلّق بالأحداث التاريخية والتي مرّ على حدوثها عقود من الزمن. وتُلاحظ هذه الإشكالية في عدد من كتابات كونى رش، والتي يجب النظر إلى بعضها بنوع من التشكّك والتساؤل وبشكل نقدي.
 
من المثير للاستغراب مدى شحّ المعلومات عن هذه الأحداث، وفي أذهان الكثيرين صورة تجمع العشرات من زعماء وقادة الكورد في سوريا والتي التُقطت في دمشق بعد نفيهم إليها ووضعهم تحت الإقامة الجبرية وذلك بسبب مشاركة العديد منهم في اجتياز الحدود إلى كوردستان تركيا لدعم ثورة آرارات.
 
 

فالهجوم المسلّح الذي قاده كورد سوريا على القوات التركية أثار غضب وسخط الحكومة والسلطات التركية، وأُجبرت السلطات الفرنسية على الرضوخ للضغوطات التركية وقامت بترحيل الكثيرين من زعماء وقادة كورد سوريا، ووضعت آخرين تحت الإقامة الجبريّة. وفي الوقت نفسه، شعرت السلطات الفرنسية بطعنة في الظهر وخيبة أمل من الكورد في سوريا، وشكّل ذلك نوعاً من الغضب وعدم الرضى عن أداء القوات والمخابرات الفرنسية العاملة في كوردستان سوريا. وطالبت السلطات الفرنسية في العاصمة باريس بإجراء تحقيق جدّي ومفصّل حول الأحداث ودور القادة الفرنسيين الموجودين في الجزيرة. ولتُثبت السلطات الفرنسية للسلطات التركية مدى جديّتها في محاسبة المتورطّين والمسؤولين عن تنظيم الهجوم المسلح على القوات التركية، أقدمت السلطات الفرنسية على وضع العشرات من زعماء العشائر والقادة الكورد تحت الإقامة الجبرية لفترة زمنية معينة، ولم يسلم من ذلك شخصيات أو قادة أو زعماء كورد من الذين لم يكن لهم أية علاقة أو مشاركة في الهجوم المسلّح أمثال، أبناء شاهين بوزان اللذان لم يشاركا، وأبناء إبراهيم بك (زعيم عشيرة ملّي) اللذان سلّما أنفسهما للسلطات الفرنسية قبل عملية القوات الكوردية بيوم واحد.
 
خويبون تتخّذ قراراً بدعم ثورة آرارات عسكرياً انطلاقاً من أراضي كوردستان سوريا
 
حينها، خويبون كانت قد اتّخذت قراراً بتقديم الدعم العسكري لثورة آرارات انطلاقاً من أراضي كوردستان سوريا، وأعتمد في مقالي هذا على تقارير أصدرتها المخابرات والقوات العسكرية الفرنسية آنذاك، ومحاضر التحقيقات التي أجرتها السلطات الفرنسية مع الشخصيات الكوردية التي قادت الهجوم العسكري على القوات التركية في كوردستان سوريا، ومن ثمّ عادت إلى كوردستان سوريا.
 
العملية العسكرية النوعية الكوردية كانت قد نظّمت من قبل خويبون، لكن من المعلوم أن خويبون تأسست عام 1927 في لبنان، وفي بداية تأسيسها هدفت وعملت على أن تمثّل الجناح السياسي لثورة آرارات. ففي الاجتماع التأسيسي لخويبون اختير إحسان نوري باشا قائداً عاماً للقوات المقاتلة في آرارات، مع العلم أنّ إحسان نوري باشا لم يكن حاضراً بشكل شخصي في الاجتماع، وكان حينها متواجداً في آرارات.
 
جدير بالذكر أن القتال المسلّح في آرارات كان قد بدأ فعلياً قبل انعقاد اجتماع خويبون، وقبل وصول إحسان نوري باشا إلى آرارات. اندلاع القتال جاء نتيجة رغبة السلطات التركية بترحيل العديد من العشائر الكوردية وقادتها من كوردستان تركيا، والتي رفضت بدورها أوامر السلطات التركية. حتى ذلك الحين، كان إبراهيم برو حسكى تلو (زعيم عشيرة جلالي) يتولّى قيادة القوات الكوردية ضد القوات التركية. من المثير للاهتمام بأنّ إبراهيم برو حسكى تلو كان مؤيداً للحكومة التركية أثناء اندلاع ثورة الشيخ سعيد، لكن تلو انتفض لاحقاً في وجه القوات التركية بعدما أرادت الحكومة التركية ترحيله وأبناء من عشيرته. استمرّ تصعيد تلو ضد القوات التركية، وكانت العشائر الكوردية الأخرى قد بدأت بالانضمام لقتال القوات التركية.
 
في بداية القتال لم تكن هناك أية مطالب سياسية واضحة للمسلحين والثوار الكورد، لكن بعد وصول إحسان نوري باشا الذي ينتمي بدوره إلى عشيرة جلالي إلى آرارات، تبلورت وصُيغت مطالب الثوار الكورد في آرارات. فقد أقدم إحسام نوري باشا على تنظيم العشائر الكوردية عسكرياً، وأنشأ إدارة مدنية للمنطقة، ووزع الأعلام الكوردية على المقاتلين، ووضع نشيداً للقوات العسكرية، كما وبدأ بإصدار جريدة سياسية. وحتى عام 1930، نجحت القوات الكوردية في بسط سيطرتها ونفوذها على مناطق ومساحات واسعة. ومن أحد العوامل الهامة لنجاح القوات الكوردية في بسط نفوذها كان الدعم الذي تلقته القوات من العشائر الكوردية في كوردستان إيران، فأصبحت أراضي كوردستان إيران ملاذاً آمناً للقوات الكوردية والمقاتلين الكورد أثناء عمليات الكرّ والفرّ وإعادة رصّ الصفوف في مراحل القتال.
 
لكن بعد إصدار السلطات التركية تهديدات جدّية لشاه إيران، أقدم الأخير على إصدار قرار عام 1930، يقضي بترحيل عشائر كورد إيران الداعمة لثورة آرارات، كما وسمح للقوات التركية بالولوج إلى الأراضي في إيران لملاحقة الثوار والمسلحين الكورد. هذه التطورات شكّلت ضغطاً كبيراً على ثورة آرارت والقوات الكوردية، وتبيّن بأنّها فقط مسألة وقت حتى يُقدم المقاتلون الكورد على تسليم أنفسهم في إيران وانهيار الثورة (المصدر: نشوء الحركة القومية الكوردية في سوريا فترة الانتداب الفرنسي: حركة الحكم الذاتي حاجو أغا الهفيركي. رسالة الدكتوراة، د.إيفا سافلزبيرغ، الصفحة 221 – 223). ونتيجة لهذه التطورّات، اتّخذت قيادة خويبون المعنية بالعمل السياسي قراراً جوهرياً بالتحوّل إلى منظمة تقدم الدعم العسكري لثورة آرارات، وفتح جبهات عسكرية على محاور عدّة لتخفيف الضغط على ثورة آرارات.
 
في 18/7/1930، اجتمع قادة خويبون في منزل جميل باشا في الحسكة، لبحث سبل وكيفية تجنّب انهيار ثورة آرارات، وخلال هذا الاجتماع فكّر المجتمعون في فتح جبهات عسكرية أخرى ضدّ القوات التركية، واستقدام قوات مسلّحة من كوردستان سوريا إلى آرارات، وشنّ هجوم عسكري على القوات التركية. وفي أحد تقارير المخابرات الفرنسية الصادرة في 23/7/1930، عن اجتماع قادة خويبون ورد "تم بحث إمكانية تشكيل قوات مسلّحة كوردية، وفتح جبهات عسكرية أخرى في مديات وسرت وماردين وديار بكر عند توجّه الثوار الكورد إلى سرت، وأنّ هذه القوات المسلّحة الجديدة ستتشكل تحت الشروط التالية:
 
•كورد طور عابدين (يزيديي نصيبين) بقيادة حاجو أغا سيتوجهّون إلى مديات وسرت.
 
•عشيرة أومريان بقيادة أحد مسؤوليهم يوسف قاسو إبراهيم أوسمان آغا سيتوجّه إلى ماردين.
 
•عشيرة ملّي (فران شاهير) بقيادة عبد الرحمن بك ابن إبراهيم باشا أخ محمود وخليل، سيتوجهون إلى ديار بكر.
 
وفي وثيقة أخرى صادرة بتاريخ 23/7/1930، يذكر مسؤول المخابرات الفرنسية آنذاك المدعو ديلمان، بأنّ قدور بك زودّه بهذه المعلومات.
 
وبحسب معلومات السلطات الفرنسية، حضر الاجتماع كل من جلادت بدرخان، ثريا علي بدرخان، أربعة من أبناء جميل باشا (أكرم وقدري ومحمد وبدري)، مصطفى شاهين بك، ابنا إبراهيم باشا (خليل ومحمود)، حاجو آغا، رسول آغا من عشيرة جيالان، هراج بابازيان من منظمة داشناك الأرمنية. وتقرّر في الاجتماع بأن يقوم كل من ثريا بدرخان وجميل باشا من خويبون، وداشناك بجمع الأموال لتأمين السلاح والذخيرة.
 
وفي 29/7/1930، ذُكرَ أنّ خويبون عقدت اجتماعاً آخرا في الحسكة، وفي هذا الاجتماع اتّخذّ قرار نهائي بشن هجوم عسكري مسلّح على القوات التركية انطلاقاً من كوردستان سوريا، وأنّ من حضر الاجتماع وفقاً لمحتوى الوثيقة هم حاجو آغا، رسول آغا، قدري جميل باشا، خليل إبراهيم باشا، ومصطفى شاهين بك. وبحسب معلومات الفرنسيين فإن موعد الهجوم قد تم تحديده، وسيتم في ليلة من 4 إلى 5/8/1930، بمشاركة وتوجّه ثماني فرق وتشكيلات مسلّحة إلى كوردستان تركيا. وذُكر بأنّ الأعلام الكوردية قد وُزٍّعت على المشاركين في الاجتماع، وأنّه تم الاتّفاق على إبقاء القرار سرّيّاً وضرورة عدم معرفة القوات الفرنسية بهذا القرار.
 
الفرق والتشكيلات العسكرية الثمانية التي كان المفترض مشاركتها في العملية العسكرية، والدخول إلى كوردستان تركيا وفقاً لوثيقة صادرة بتاريخ 30/7/1930، هي كالتالي:
 
•مصطفى شاهين بك بقوة قوامها 600 مقاتل من جرابلس وعرب بينار.
 
•خليل بك إبراهيم باشا زعيم عشيرة ملّي برفقة أخيه محمود بقوّة قوامها 100 مقاتل من سوريا وعدد من المقاتلين من عشائر كورد تركيا من فران شاهير.
 
•أبناء جميل باشا سينضمّون إلى قوة من عشيرة ظاظان الموجودة في ديار بكر.
 
•قدور بك بقوة قوامها من المقاتلين المتطوعين الذين سيقوم بجمعهم من المنطقة.
 
•حاجو آغا زعيم عشيرة هفيركا بقوة قوامها 300 مقاتل من سوريا، وستنضم إليهم قوة أخرى في تركيا.
 
•نايف بك من جزيري، زعيم عشيرة ميران بقوة قوامها 30 مقاتلاً من سوريا، وغالبية قواته المسلحة ستأتي من العراق وقوامها  نحو 200 مقاتل في العراق.
 
•رسول آغا الذي يقيم في جانكارف، زعيم عشيرة جيلان بقوة قوامها 40 مقاتلاً من سوريا و250 مقاتلاً من تركيا.
 
•حجي سليمان عبّاس ملّاك دوكرى بقوة قوامها 40 مقاتلاً.
 
على الرغم من اتّفاق قادة خويبون على إبقاء الاجتماعات ونتائجها على درجة عالية من السرية، لكن يبدو جلياً بأنّ السلطات الفرنسية كانت على اطّلاع على أدق التفاصيل المتعلقة باجتماعات خويبون ومخرجاتها، وذلك وفقاً لمحتوى الوثائق التي اعتمدت عليها في مقالي هذا. وكتب الضابط الفرنسي ديلمان في إحدى الوثائق بأنّ عدد المقاتلين مبالغ فيه، وتبيّن لاحقاً بأنّه كان محقّا حيال عدد المقاتلين.
 
اجتماعات خويبون ومركز التخطيط كان في منزل جميل باشا في الحسكة، وكما لم تكن المعلومات المتعلقة بنشاطات خويبون خفيّة على السطات الفرنسية، فإنها لم تكن خفيّة على السلطات التركية أيضاً. ففي رسالة بتاريخ 2/8/1930، كتبها قائمقام نصيبين حينها المدعو نجيب وأرسلها إلى الضابط الفرنسي ديلمان، ورد فيها "كورد سوريا بقيادة حاجو آغا ينوون شنّ هجوم على القرى في تركيا". امتعاض السلطات التركية واحتجاجاها على النشاط السياسي الكوردي في كوردستان سوريا لم يكن بالأمر الجديد، فمنذ عام 1928، تكررتّ مطالب السلطات التركية بوضع حد للنشاط السياسي الكوردي وطالبت بإبعاد السياسين الكورد أمثال أبناء جميل باشا وحاجو آغا ورسول آغا عن الحدود التركية مسافة لا تقلّ عن 50 كم، ومنعهم من العمل السياسي. مطالب السلطات التركية هذه تجدّدت وتصعدّت ففي رسالة صادرة عن والي ماردين المدعو طلعت، لم يكتف بمطالبة السلطات الفرنسية بوجوب إبعاد السياسين المذكورين سابقاً عن الحدود التركية مسافة 50 كم، بل طالب بمنعهم من ممارسة البروبوغاندا ضد الحكومة التركية. حينما وصلت السلطات الفرنسية إلى قناعة بأنّ الكورد في كوردستان سوريا يقدّمون الدعم لثورة آرارات، استجابت السلطات الفرنسية لمطالب السلطات التركية، وفي 1/8/1930 (ثلاثة أيام تسبق الموعد المحدد من قبل خويبون بشن الهجوم)، أصدرت السلطات الفرنسية قراراً بمنع كل من أبناء بدرخان وأبناء جميل باشا وحاجو آغا من الاقتراب من مسافة 50 كم فاصلة عن الحدود التركية. 
 
انخفاض تعداد التشكيلات الكوردية المسلحة
 
كما ورد آنفاً، في الوثيقة الفرنسية الصادرة في 30/7/1930، تم ذِكر ثماني تشكيلات مسلّحة. لكن في وثيقة صادرة لاحقاً، يتم ذكر أربع تشكيلات مسلحة فقط. مما ورد في هذه الوثائق بأن التشكيلات العسكرية التي يقودها نايف بك، وقدور بك، وسليمان عباس آغا، يبدوا لي أنّ خويبون افترضت بأن هؤلاء سينضموّن إلى العملية العسكرية دون إعلامهم أو التشاور معهم، أو أنّ هؤلاء الزعماء كانوا قد أعلنوا عن انضمامهم مع قواتهم لشنّ الهجوم ومن ثمّ غيروا رأيهم، لكنّني لا أستطيع تأكيد أيّ من الاحتمالين.
 
في اجتماع خويبون المنعقد بتاريخ 29/7/1930، في منزل جميل باشا في الحسكة، اتُّخذ قرار بدمج التشكيلات المسلحة لكل من رسول آغا وحاجو آغا، واستجابة لطلب حاجو آغا وافق جلادت بدرخان على مرافقة التشكيل المسلّح أثناء دخوله إلى كوردستان تركيا. سابقاً كان من المخطط أن يتوجّه جلادت بدرخان ورسول آغا بمرافقة القوات إلى بوطان، لكن حاجو آغا كان على قناعة بأن وجود جلادت بدرخان معهم ومع القوات سيدفع بعشائر ميردين وما حولها إلى تقديم دعم أكبر، وهذا كان سبب مطلب حاجو آغا. وبحسب الوثيقة، كلِّف أوسمان صبري بالتوجّه إلى آرارات لدعم الثورة والعمل على البروبوغندا، لكن المثير للاهتمام بأنّ غالبية أعضاء خويبون لم يكونوا على علم بهذا التكليف بل كان على نطاق ضيق وفقاً لمحتوى الوثيقة.
 
وعلى خلاف قرار خويبون المتخّذ في اجتماع 29/7/1930، بدخول التشكيلات المسلحة إلى أراضي كوردستان تركيا في ليلة 4 لـ 5/8/1930، دخلت التشكيلات المسلحة التي يقودها أبناء جميل باشا (أكرم وقدري)، والتشكيلات المسلحة التي يقودها حاجو آغا، ومعهم جلادت بدرخان إلى كوردستان تركيا في ليلة 3 لـ 4/8/1930.
 
وفي وثيقة صادرة عن المخابرات الفرنسية بتاريخ 27/8/1930، عن التشكيلات العسكرية التي يقودها مصطفى شاهين بك وبوزان شاهين بك برازي وأبناء إبراهيم باشا ورد "مصطفى شاهين وبوزان شاهين اللذان تعهّدا بالمشاركة في الهجوم لم يذهبا. محمود وخليل بك أبناء إبراهيم باشا اللذان تعهّدا أيضاً بالمشاركة في الهجوم، ذهبا في 4/8 للقاء الكابتن جونكوير القائد العسكري في رأس العين (سرى كانيه)، وأعلماه بأنه تمّ إجبارهم على الذهاب مع المقاتلين إلى تركيا لدعم الثوار الكورد، وسألا الكابتن عمّا يجب عليهم فعله. الكابتن جونكير حذّرهما من الانضمام للقوات وأمرهما بعدم الذهاب، واستجاب كلاهما لأوامر الكابتن". 

 

المعلومات والحقائق المذكورة في الوثيقة تدحض ما ورد في النص الذي كتبه الكاتب كونى رش عن تقديم أبناء شاهين بك باشا الدعم لثورة آرارات.
 
ورد أيضاً في هذه الوثيقة "مجموعة أبناء جميل باشا تجمّعت في قرية تعلك، وكانت المجموعة مكوّنة من 16 كوردياً مسيحياً من الذين جمعوهم من قامشلو، وكذلك 14 فلاحاً وعاملاً من قرية تعلك. التشكيل المسلح اجتاز الحدود من شرق قرماني، وتجمّع في قرية كوز (15 كم غرب ميردين). أكرم وقدري بك وجدوا أن شركائهم ضعفاء للقيام بعمل جدّي، وفي ليلة 6 لـ 7/8 عادا مع تشكيلاتهما العسكرية إلى سوريا".
 
وورد في التقرير أيضاً:
"مجموعة حاجو: بعد إرسال حاجو رسالة إلى الجنرال كالي في القامشلي بتاريخ 4/8/1930، أمر حاجو رجاله بالانطلاق، هؤلاء اجتازوا الحدود في مجموعات صغيرة، وصلوا إلى قرية حباب المكان المتفق عليه للتجمع، وكانوا من 70 إلى 80 مسلّح. في هذه المجموعة كان جلادت بدرخان ومحمد ابن جميل باشا، وأبناء حاجو الذين أنهوا الخدمة العسكرية قبل شهرين، وشيخ عبد الرحمن (عراقي والوسيط بين مجموعتي خويبون 1 و2). حاجو وجد بأنّه وأصدقائه الكورد لا يملكون قوّة كافية، وقرّر عدم إجراء أية عمل عسكري وعاد في ليلة 5 لـ 6/8، إلى قبور البيض، وعاد المسلحون إلى قراهم كما كان ذهابهم في مجموعات صغيرة".
 
يتابع الكولونيل في هذا التقرير:
"هذه الحقائق حول مجموعة جميل باشا وحاجو آغا التي ذكرتها أعلاه، حصلت عليها من قادة المجموعتين أنفسهم أثناء التحقيق الذي أجريته معهم شخصياً في 14/8".
 
في زمن معيّن.. كورد كوردستان سوريا وإيران والعراق يدعمون ثورة آرارات عسكرياً
 
ذكرت سابقاً بأنّ عشائر من كورد كوردستان إيران دعمت ثوار آرارات عسكرياً، وعلى الرغم من عدم نجاح مخطط كورد سوريا في دعم ثورة آرارات عسكرياً، فإنّ هذه التحركات تعتبر حدثاً جديداً في تاريخ الثورات الكوردية، وهي المرّة الأولى التي تعبُر فيها العشائر الكوردية في أجزاء كوردستان الثلاثة الحدود لدعم ثورة آرارات في جزء كوردستان الرابع في تركيا.
 
كورد كوردستان العراق كما أمثالهم في كوردستان سوريا وكوردستان إيران تجاوزوا الحدود باتجّاه كوردستان تركيا في الشهر 7 من عام 1930، ويبدوا لي أنّ الهجوم الذي شنّه كورد كوردستان العراق كان استجابة لمبادرة وخطّة خويبون. ففي تقرير بريطاني ورد:
"في تقرير حديث، يُذكر بأنّ حاجو (هفيركا) يريد إيفاد مراسل إلى الشيخ أحمد بارزان محملّاً برسالة، تقول أن في هذه الرسالة حاجو سيبلغ الشيخ أحمد بارزان بأنه يقترح انضمامه إلى الثوار الكورد ضد تركيا، وأنّه سيطلب منه المشاركة في هذه الحركة".
 
ويبدو أنّ الشيخ أحمد بارزاني توجّه برفقة 500 مقاتل إلى كوردستان تركيا ودخلها في 21/7/1930، وبدأ الشيخ أحمد بارزاني والقوات المرافقة بقتال القوات التركية في أورمار حتى يوم 28/7/1930، ومن ثم انسحب نتيجة القصف الجوي الذي تعرضت له القوات من قبل الجيش التركي.
 
نعلم بأنّ ثورة آرارات انهارت ولم تنجح، لكن الشيخ أحمد بارزاني تمكّن من القتال والصمود لستة أيام، على العكس من نظرائه من كورد سوريا الذين خطّطوا لاجتياز الحدود برفقة مئات المقاتلين وحشد آلاف المقاتلين في تركيا، لكنهم اجتازوا الحدود ببضعة عشرات فقط وفشلوا في مخططهم فشلاً ذريعاً. فمن جهة، بعض العشائر الكبيرة كالبرازي وملّي التي تعهّدت بالمشاركة في العملية، لم تلتزم بتعهّداتها ولم تتحمّل عناء إبلاغ خويبون بعدم مشاركتهم. ومن جهة أخرى، لم تبدي غالبية العشائر الكوردية في كوردستان تركيا استعدادها للقتال. بعد معرفة أبناء جميل باشا وحاجو آغا بعدم التحاق ومشاركة قوات أبناء شاهين بك وأبناء إبراهيم باشا، لم يبقوا على استعداد للقتال، ووصلوا إلى قناعة بأنّ قتال القوات التركية بهذا الشكل يكون بمثابة انتحار. في هذه الأوقات، تبيّن أن القوات التركية لم تعترض القوات التي كان يقودها حاجو آغا، ولم تحاول صدّهم، طالب جلادت بدرخان حاجو آغا بالتوجّه إلى مديات، لكن الأخير رفض طلب جلادت بدرخان. 
 
بعد هذه الأحداث، وفي سياق التحقيقات التي أجرتها السلطات الفرنسية مع القادة الكورد، قال جلادت بدرخان في إفادته: "لأنّ لا مقاتلين تحت إمرتي للاستمرار في العملية العسكرية وبعد رفض حاجو آغا، عدنا إلى سوريا في ليلة 5 لـ 6/8 [..] أنا رجل شريف وأبداً لست كأبناء شاهين بك وأبناء إبراهيم باشا الخائنين". 
 
تطورّ ونقلة في العمل الصحفي والإعلامي
 
إحدى القرارات التي خرجت بها خويبون من اجتماعها المنعقد في الحسكة بتاريخ 29/7/1930، كان عدم دخول كلّ من كاموران بدرخان وثريا بدرخان إلى كوردستان تركيا، وبقاء كاموران بدرخان في بيروت. ورد في الوثيقة "بعد عدد من النقاشات قرّرت خويبون إبقاء كاموران لأن وجود كاموران في بيروت ضروري في حال فشل الثورة، وكذلك في حال نجحت العملية العسكرية ليتفاوض مع الفرنسيين".
 
العملية العسكرية التي خططت لها خويبون لم تنجح، وانهارت ثورة آرارات في 15/9/1930، وانسحب المقاتلون إلى كوردستان إيران.
 
لكن من ناحية أخرى، دفع الهجوم الذي خطط له كورد كوردستان سوريا الصحافة الدولية إلى الكتابة بشكل موسع عن الحركة السياسية الكوردية. فعلى الرغم من أن دخول التشكيلات المسلحة لكورد سوريا إلى كوردستان تركيا لدعم ثورة آرارات دام لعدّة أيام فقط، ولم تنفذّ القوات أية هجمات أو معارك مع الجيش التركي، إلا أنّ الصحف الأوروبية والعربية والتركية نشرت مقالات وتقارير وأخباراً عن هذا الهجوم. وبقناعتي كانت هذه التغطية الإعلامية واسعة النطاق ثمرة عمل كاموران بدرخان وثريّا بدرخان.
 
وهنا أذكر عدداً من الصحف والجرائد التي نشرت مواداً عن هجوم كورد سوريا، منها نيويورك تايمز وديلي تيليغراف، وبرلينرتاغ بلات، وتوركيش بوست، وألف باء، والأحرار، وفاكيت، واستنبول، وجمهوريت، وملييت، وغيرها من الصحف.
 
صحيفة برلينرتاغ بلات كتبت في 7/8/1930: "معركة جديدة في كوردستان، القتال مع الكورد يتوسع شيئاً فشيئاً، تزداد حدّة العمليات العسكرية على الحدود الفارسية بدخول كورد العراق وهجوم الكورد السوريين. الكورد يقفون خلف حاجو الشخصية المثيرة للقلق. هم يوزّعون المناشير ويطالبون بكوردستان مستقل".
 
من المثير للاهتمام أن غالبية المواد الإعلامية والمقابلات التي نُشرت حينها، تُشير إلى حاجو كقائد لعملية الهجوم، علماً أن المجموعات المسلحة التي شاركت في العملية انطلاقا من كوردستان سوريا كانت حينها مكوّنة من مجموعتين، إحداهما بقيادة أبناء إبراهيم باشا، والأُخرى بقيادة حاجو آغا. لكن بقناعتي يجَب النظر إلى جلادت بدرخان كقائد الحركة، فجلادت بدرخان كان العقّل المدبّر والمفكّر الأساسي والمخطّط الاستراتيجي لهذه العملية.
 
النظر إلى حاجو آغا كقائد لهذه العملية له أسباب عدّة، منها أنّ حاجو آغا زعيم إحدى كُبرى العشائر الكوردية في المنطقة، واشتهر بانتفاضه ضد تركيا عام 1926، وكذلك قتاله ضدّ القوات التركية عام 1928. وجلادت بدرخان من أمراء بوطان، وأحدّ أهم المفكّرين الكورد حينها، وذو توجّه وفكر قومي. لكن عامل وجود جلادت بدرخان في الخارج وعدم ذهابه لكوردستان تركيا لعقود لعب دوراً في التأثير سلباً على صلاته مع كوردستان تركيا التي كانت محدودة نوعاً، ولم تسمح له بجمع أية مقاتلين تحت إمرته. حاجو آغا رأى جلادت بدرخان أميراً له، واحترمه بصدق، وجلادت بدرخان رأى حاجو زعيماً لعشيرة كوردية كبيرة، واحترمه أيضاً بصدق، كما وكان جلادت بدرخان على قناعة بإمكانية تحقيق أهدافه السياسية واستقلال كوردستان، وأن وجود حاجو آغا إلى جانبه في ذلك سيساهم في ذلك بثقل.
 
تبعات التدخل
 
عملية كورد سوريا العسكرية أنتجت شروخاً عميقة بين قادة خويبون، لدرجة أنّ وجود خويبون أصبح حبراً على ورق إن صحّ التعبير.
 
السلطات الفرنسية بدروها أجرت تحقيقاً موسعاً وشاملاً استجابة لضغوطات السلطات التركية، الأخيرة حمّلت السلطات الفرنسية مسؤولية الهجوم الكوردي، بل واتهمت السلطات والقيادات الفرنسية في المنطقة بالتواطؤ مع المسلحين الكورد ودعم وتسهيل العملية.
 
نتائج التحقيق الفرنسي أفضت إلى أنّ السلطات والمسؤولين الفرنسيين لا يتحملّون مسؤولية العمل العسكري الكوردي، لكنّ مسؤول المخابرات الفرنسية في المنطقة كانت مثقلاً بالعمل والمهام، وأنّه صدّق ادّعاء حاجو بعدم نيته بدخول تركيا. وعلى أثره تمّ إعفاء الضابط الفرنسي من منصبه واستبداله بضابط آخر.
 
أمّا الفاعلون الكورد فتعرّضوا لرقابة صارمة من قبل السلطات الفرنسية حتى آخر يوم لتواجد القوات الفرنسية في سوريا، وأصبح غالبية القادة والفاعلين الكورد تحت الإقامة الجبرية وحظر عليهم الاقتراب من حدود تركيا حتى مسافة 50 كم. وكان هذا حال حاجو أغا، الذي بقي قيد الإقامة الجبرية في الحسكة حتى وفاته في شهر نيسان/أبريل من عام 1940.
 
الفاعل والشخصية الوحيدة التي لم تدخل إلى تركيا أثناء عملية كورد سوريا العسكرية، وبحسب الوثائق الفرنسية كان أوصمان صبري. ففي تقرير فرنسي ورد بأنّ أوصمان صبري كان قيد الإقامة الجبرية والرقابة الشديدة في منزل في الرقة بتاريخ 6/8/1930. ويبدو أنّ عملية نفي أوصمان صبري إلى مدغشقر عام 1932، لم تكن لها علاقة بعملية دخول التشكيلات العسكرية الكوردية إلى تركيا. فلقد كانت السلطات الفرنسية أمام خيارين، إمّا تسليم أوصمان صبري إلى تركيا كونه مطلوباً للسلطات التركية بتهمة ارتكابه جريمة في تركيا، أو نفيه من سوريا.
 
التدخل الكوردي في تركيا كان له أثر إيجابي أيضاً، فمنذ ذلك الحين بدأ العمل السياسي الذي كان يركّز على كوردستان تركيا يتحوّل إلى التركيز على كوردستان سوريا. فسابقاً لعب عاملان أساسيان دوراً في تركيز السياسين الكورد في كوردستان سوريا على كوردستان تركيا في نشاطاتهم وعملهم. أحد هذين العاملين كان الدور المحوري الذي لعبه جلادت بدرخان في وضع السياسات، وتركيزه شخصياً على كوردستان تركيا. والعامل الآخر كان أن عدداً من السياسيين الكورد في كوردستان سوريا كانوا قادمين من كوردستان تركيا.
 
وعام 1932 بدأت نتائج تركيز السياسيين الكورد على كوردستان سوريا بالظهور، ونشأت الحركة السياسية الكوردية والمسيحية في الجزيرة والتي تعتبر أكبر حركة سياسية في المنطقة.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

 يان إلهان كيزيلهان

النجاة من الإرهاب عبر الحب والعطف

مع اقتراب نهاية العام ومحاولة الإيزديين الاحتفال بعيدهم المقدس وسط الأوضاع في شمال شرق سوريا (روجافا)، أجد نفسي مدفوعاً لمشاركة قصة شغلت تفكيري طوال العقد الماضي - قصة ظلت في قلبي، تروي الأهوال التي لا يمكن تصورها والتي عانى منها عدد لا يحصى من الأشخاص في العراق وسوريا.