كلما تنتهي سنة، وتأتي اختها، نتطير كثيراً وبكل علامات التعجب والاستفهام، وانا مثل غيري، لا اكاد اصدق ان اكثر من 360 يوماً تنتهي بهذه السرعة المدهشة، لهذا فكرت جدياً بتصفير الزمن على طريقة تصفير العملة النقدية.
ولم لا، ونحن نعرف انه وفي العملية الحسابية والمالية، ترفع الاصفار الزائدة التي ترعرعت وفرخت، وتكاثرت على وجه العملة الورقية، واصبحت عائلة من الآباء والأولاد والأحفاد والأجداد، ولم تتوقف، بسبب فشل النظريات الاقتصادية في دول غابت عنها العقول الذكية، وتجبرت فيها العقول الغبية.
لكن. كيف تتم عملية تصفير الزمن؟ والزمن يحسبه الفلاسفة عالة على المكان، هل نلغي الثواني والدقائق والساعات والايام، والاسابيع والشهور والسنوات والاحلام؟ ام نجعل من الثانية ساعة والدقيقة يوماً والاسبوع شهراً والشهر سنة.
في السفر عبر الزمن كان انشتاين على حق وهو يلفت انظارنا لقيمة الزمن، منبها الفلاسفة الذين اهتموا بفلسفتهم المادية وتقوقعوا على فلسفة المكان وغاب عنهم فعل الزمان في فلسفة الكون، ونشوء الحضارات والاديان.
كان انشتاين يرتشف قهوته بشغف في احدى مقاهي المدينة، لكن هذا لم يمنعه من رصد راكب داخل قاطرة مرت امام عينه بسرعة فائقة وهو جالس لا يتحرك الى ان زاغ عقله، شاعرا بهاجس المقاربة بين زمن ثابت وزمن متحرك، بين زمن نركب فيه الطائرة مدراراً، وزمن اخر يمتطي الناس فيه حماراً، يحمل اسفاراً.
وفي زمن ثالث، نختنق بثقل الوقت وبين القضبان ليلاً ونهاراً، وزمن اخير ومثير، هو زمن اهل الكهف، الذي يعدون فيه اليوم بألف سنة ظلاً ونهاراً.
كان ستيفن هوكينغ هو الاخر يتساءل عن حقيقة الكون، وهل للكون حدود، وهل ينكمش يوما مثل الاخدود، بدلا من ان يتمدد ويتجبر ويتوعد، وهل يرتد الزمان ويعود، فيرى البشر موتهم قبل ميلادهم، ثم يعود ستيفن الى السؤال المحير الذي شغل ويشغل بال الجميع. هل للكون بداية ونهاية، والسؤال الاخطر والأهم، كيف كان حال الكون والطبيعة والانسان، قبل الانفجار العظيم، العصي على النسيان.
غاستون بلاشار، كان اكثر الفلاسفة مرحاً وهزلاً، لذلك طرح في كتابه جدلية الزمن (فلسفة الراحة) التي تشغل وتدمر العقل، وحدد المرامي الغيبية الماورائية باقتدار. تخلصا من الغموض المتربص فينا ليل نهار في حين لجأ صاحبه "هربرت ويلز" الى فلسفة السفر عبر الزمن.
ولم لا نتوقف قليلاً عند نيتشة الذي اهتم بفلسفة "زرادشت" فجعله كليماً، ملهماً وعظيماً، وجعل منه نبياً وناطقاً وحيداً، لمن يريد السفر عبر الزمن، فالحاج زرادشت، قام بأولى خطواته نحو العالم السيبراني، بعد ان امتطى صهوة جواده معرجاً نحو السماء، محاولة منه لاكتشاف الفضاء المفخخ بالازرار والمغلف بالاسرار.
بعد الفي سنة مما تعدون، يقص علينا الكتاب المبين، قصة الاسراء والمعراج ايضاً، وهي القصة التي اشغلت فلاسفة وفقهاء المسلمين واهل العلم وكهنة الدين.
ثم لماذا لا نهتم بما خطه قلم الفيلسوف العراقي مدني صالح وتلك "الطقطقات" التي كتبها بأسلوبه الرصين، وكان في قمة عصفه الفكري الحصين، وفي عنفوان تألقه الفلسفي الجدلي المكين، طالما ان الحل جاء على لسان عشاق الطرب، من مدمني الأرگيلة، والذين فضلوا المعسل "بتفاحتين" على تفاحة نيوتن، وتفاحة ستيف جوبز، لأنهم وببساطة وجدوا حل معضلة تسارع الزمن، عند كوكب الشرق ام كلثوم، وهي تصدح في اشهر اغانيها "الف ليلة وليلة" لتكشف لنا عن حل سحري ورومانسي لمشكلة السرعة والزمن، بكلمات قليلة ومختزلة، وهي تغني: "ونقول للشمس تعالي.. تعالي.. بعد سنة.. مش قبل سنة".
وهكذا بسهولة ومرونة ورحلة ميمونة تفتح لنا باب الانتماء الى النادي الترفيهي (تمبل خانة) لقضاء الوقت بفخر وامانة، وبرعاية حزب الاسترخاء الوطني الشعبي الديمقراطي.
اشكالية الزمن ستظل تؤرقنا كثيراً، وتنهك اعصابنا كثيراً، لكن الزمن سيظل هو الزمن، بيدنا مقود السرعة والتباطؤ، ودواسة وقوده. فان شئنا أسرعنا، وان شئنا ابطأنا، فنحن بالنهاية افراد وجماعات واحزاب، ومنا من يفضل حمار جحا، ومنا من يفضل سيارة مرسيدس. وبين الحمار والسيارة تمتد الرغبات بامتداد الحاجات والمسافات، فلا حاجة لنا بفلسفة سيد الحليب الباني ولا تنظيرات ابو علي الشيباني.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً