تحديث سجل الناخبين ضمان لمشاركة فاعلة للكورد الفيليين بالانتخابات
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل أيام عن فتح باب تحديث سجل الناخبين في عموم محافظات العراق وهي خطوة تمهيدية للانتخابات المقبلة تستمر لمدة شهر.
على الرغم من صعوبة وقساوة تلك الفترة،فترة ثورة ايلول، لكنني كنت ارغب حقا ان اعيش فيها، على الاقل لأتشرف بلقاء الزعيم الخالد مصطفى بارزاني، هذا الزعيم الذي قل نظيره في دمج العمل السياسي بين الواقعية واخلاق الفرسان، وفي تلك الفترة كان سيسهل علي لقاؤه، لان الشهيد ادريس بارزاني والرئيس مسعود بارزاني كانا يحيطان به، وهما من تسبب في زرع محبة هذا القائد في قلوب الكوردستانيين، بل وحتى الكثير من عرب العراق وشخصيات من دول العالم.
هذه مشاعر فرد كوردي، ولد بعد خمسة اعوام من وفاة البارزاني، اي انني لم اعش في عصره وزمنه، وفي قلبي كل هذه المشاعر تجاهه، فكيف بمن عاشوا معه وقاتلوا معه جنبا الى جنب؟ وبأي وجه، تمكن الانتهازيون من خيانته والخروج عن نهجه الانساني، والذي لم يفرق بين اية قومية ودين ومذهب ومعتقد؟.
لن نستطيع الايفاء بحق ثورة ايلول، مهما كتبنا او قلنا، خصوصا وان جيلنا هذا لم يعش هذه الايام، لكن تراث هذه الثورة، اصبح اساسا لتجربة سياسية اسعدت امة مقسمة مظلومة، مورست بحقها ابشع الجرائم، لكنها حافظت على وجودها وقوتها وثباتها، وكل ذلك بسبب نهج ازاح جميع الفوارق الفرعية، واهتم بالذات الانسانية، ودون اي تمييز.
جاءت ثورة ايلول، كرد فعل لخيبة امل كبيرة، تعرضت لها القيادة السياسية في كوردستان العراق، على اثر تنصل عبد الكريم قاسم، اول رئيس وزراء للعراق في العهد الجمهوري، عن الوعود التي اطلقها الى البارزاني، بعد عودته من الاتحاد السوفييتي سابقا، وبعد قضائه لأكثر من عقد من حياته في الغربة متنقلا بين بلد وآخر، هو يبحث عن مخرج لقضية شعب كان فرحا بدولته الفتية والتي سرعان ما اسقطت بفعل مؤامرات دولية.
ان اكثر ما ميز هذه الثورة، انها لم تكن في اطار ضيق، اي لم تقتصر على مدينة او محافظة معينة، ولم تكن حركة غضب مؤقتة من الممكن ان تنتهي بتوقيع لحاكم عسكري، او امر جائر لشخص قضى جنون العظمة على حياته وعلى جميع الآمال التي علقت عليه من قبل العراقيين، بعد مذابح الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، بدءا بانقلاب بكر صدقي ومجزرة سيميل، مرورا بحملات الاعدام المتتالية للعقداء الاربعة الذين تحالفوا مع رشيد عالي الكيلاني في انقلاب عام 1941 ، ومؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، والضباط الاربعة لجمهورية كوردستان في مهاباد، ناهيك عن مئات من المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي من الكورد، والذين كانوا ينتظرون اي بصيص امل لدولة ديمقراطية عصرية تراعي حقوق كافة القوميات والاديان والمذاهب، هذه الثورة كانت صرخة لكل كوردستاني ابتداء من اول نقطة من زاخو، وصولا لآخر نقطة من خانقين، ولتلهم بتاثيراتها الكورد في بقية اجزاء كوردستان.
وضعت هذه الثورة اساسا لحياة مؤسساتية، لتنظيم امور المناطق المحررة، عن طريق مجلس شاركت فيه العديد من الشخصيات، حتى وان لم يكونوا منتمين للحزب الديمقراطي الكوردستاني والذي اسسه وتزعمه القائد الخالد مصطفى بارزاني، حيث اشرفت على الجانب التربوي، واهتمت بالامور الاجتماعية والقضائية والقانونية، وحاربت الفساد اشد محاربة، واسست العديد من المستشفيات المجانية للمواطنين في كل مكان وصلت اليه، ولم تهمل الجانب التوعوي والفني، بل اسست العديد من الفرق الفنية والتي ساهمت في تعميق الشعور القومي الكوردي والوطني الكوردستاني في نفوس المواطنين.
كما ضمت الثورة في صفوفها العشرات من افراد البيشمركة من ابناء القوميات والاديان المختلفة، بل وحتى العرب من المنتمين للحزب الشيوعي العراقي وغيرهم، وتعاملت بكل انسانية مع اسرى الجيش العراقي وخصوصا بعد معارك زوزك وهندرين والتي اذهلت العدو واوصلتهم لحالة الهذيان اثناء اتصالاتهم اللاسلكية وهم يطلبون تزويدهم بالاسلحة والطائرات لضرب البيشمركة.
حملت الثورة شعار الديمقراطية للعراق، وهذا ما اثبت وبدليل لا غبار عليه، بأن القيادة السياسية التي قادت هذه الثورة، كانت تريد عراقا موحدا يتمتع فيه كل عراقي بكافة حقوقه الدستورية، وان يكون الجميع متساوون في الواجبات، وان لا يتم تفضيل طرف على اخر ولا قومية على اخرى ولا مبدأ على اخر، بل وحتى قبل قيام ثورة ايلول، كان الديمقراطي اول من ايد الديمقراطية للعراق كطريقة مقبولة ومناسبة للحكم، في دولة تتعدد فيها القوميات والاديان والمذاهب، لكن هذا الطرح لم يكن مناسبا للقوميين الذين تأثروا بالفكر النازي وارادوا صهر جميع الهويات في اطار هوية واحدة على اساس مبدأ: نفذ ولا تناقش، ولكن في المحصلة، لم يستمر من تأثروا بهذا الفكر، ونتيجة للصراع بين الطرفين، كتب تاريخ العراق بحروف من دم من الفترة 1959-1963 ، وكتبت على عرابي هذا المبدأ نهايات دموية لم يتعظ منها ساسة العراق بعد هذه المرحلة القاتمة في تاريخ العراق.
قاد البارزاني هذه الثورة، بجيش منظم من قوات البيشمركة، على اسس عسكرية ذكية، باستغلال الخبرة الجغرافية للقادة المخضرمين، والخبرة التي اكتسبها رفاق البارزاني الخالد اثناء فترة جمهورية كوردستان في مهاباد، وبقائهم في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وخبرة البارزاني شخصيا بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالموقع الجغرافي لكوردستان، هذه الخبرات المتراكمة كانت بمثابة نقاط قوة لقوات البيشمركة والتي استطاعت الحاق الهزائم المتتالية بالعدو في مراحل الثورة والتي كانت تجبرهم دوما على المبادرة للهدنة ووقف اطلاق النار، وان كانت لفترة مؤقتة.
فتحت الثورة ابواب الدبلوماسية على مصارعها، فقد كانت لها ممثليات في اكثر من دولة، في فرنسا، مثلها الامير كامران عالي بدرخان، وفي مصر الدكتور فؤاد معصوم الرئيس الأسبق لجمهورية العراق، وكان لها مبعوثون لم يتركوا فرصة الا واوصلوا من خلالها صوت شعب كوردستان وثورته لدول العالم، وفي حديث جمعني بالراحل الملازم خضر، رئيس رابطة انصار الشيوعيين، كشف بأن البارزاني الخالد قد بعث برسالة للاتحاد السوفييتي عن طريقه، مما تسبب باستغراب الطرف الاخر، لكون الملازم خضر لا ينتمي للبارتي، وليس احد ابناء البارزاني، ولا يتمتع بأية صفة قيادية في الحزب، وهنا يلعب عامل الثقة دورا كبيرا في هذه العقلية السياسية التي جعلت شخصا عربيا، ينتمي للحزب الشيوعي العراقي، وكان ضابطا في الجيش العراقي، ان يكون واسطة خير وموثوقا به من قبل البارزاني، في مهمة سياسية دبلوماسية بهذه الخطورة.
التنظيم الذي شهدته الثورة والنجاحات السياسية والعسكرية التي حققتها، اجبرت عبد الرحمن عارف على وقف اطلاق النار، والاعلان عن بيان اللامركزية في عام 1966 عن طريق رئيس الوزراء آنذاك عبد الرحمن البزاز، ووضعت حكومة البعث في ايام البكر وصدام امام واقع لا مفر منه، الا وهو: ان هذه الثورة هي اكثر تنظيما من دولة فوضوية كانت تسلك طريق الدم في حسم اية مشكلة تواجهها، وهذا ما تسبب بتوقيع اتفاق الحادي عشر من اذار لعام 1970، وفي ذلك الحين اصر البارزاني على ادراج حقوق المكونات القومية والوطنية والدينية في كوردستان، اسوة بالكورد، ولم يتمكن صدام من الاستقواء، الا بعد ان تنازل عن جزء مهم وحساس من ارض العراق للجارة ايران، لتؤدي تراكمات هذه المغامرة الى قيام اطول حرب في العالم بين الدولتين في القرن العشرين، استمرت لمدة ثمانية اعوام، وتسببت بمقتل مليون انسان، واغراق العراق في ديون بمليارات الدولارات، في حين ان السلطة في بغداد كانت تستطيع حل كافة المشاكل مع كوردستان، بالالتزام فقط ببنود اتفاقية الحادي عشر من اذار.
اليوم، وبعد مرور ثلاثة وستين عاماً على قيام هذه الثورة، واذ نعيش في مرحلة الاعتراف الدستوري لاقليم كوردستان، من قمة الانصاف ان نقول بأن تاثيرات هذه الثورة كانت اساسا لبناء مؤسسات الاقليم واعداد الذات الانسانية والقومية والوطنية لشعب كوردستان، وتأسيس علاقات دبلوماسية باستضافة ما لا يقل عن اربعين ممثلية دبلوماسية لدول العالم، ومئات من الشركات الاستثمارية العالمية، وعشرات من المكتسبات التي لم تتوقف (على الرغم من وجود الكثير من النواقص والملاحظات والتي لا تخفى عن نظر الحكومة).
ويكفي فخرا لهذه الثورة، ان اذكر جملة كان يرددها احد عرابي الانشقاق في صفوفها، حيث قال في احدى الاجتماعات لمجموعته التي تورطت في مؤامرته: ان كان بقاء البارزاني مساويا لفنائنا، فاعلموا جيدا، بأن غياب البارزاني هو مساو لفناء شعب كوردستان بالكامل.
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل أيام عن فتح باب تحديث سجل الناخبين في عموم محافظات العراق وهي خطوة تمهيدية للانتخابات المقبلة تستمر لمدة شهر.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً