اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الرواية والدراية

11-01-2024
سيف السعدي
الكلمات الدالة العراق الولايات المتحدة
A+ A-

يُثار النقاش بشكلٍ  دائم ومستمر ويصل إلى حد الجدل في الأوساط السياسية عبر وسائل الإعلام عن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، وهل كانت الحكومة العراقية بموقف القوي المقتدر عندما وقعت على هذه الاتفاقية، أم بشروط قوات الاحتلال الأميركي في عام (2008)؟، أهي اتفاقية واحدة أم أكثر من اتفاقية مع الجانب الأميركي؟، لأن للأسف هناك من يتكلم برواية الفواعل السياسية في ذلك الوقت ويضلل الرأي العام بالكذب والتدليس عن مضمون الاتفاقية، والصلاحيات الممنوحة للقوات الأميركية ضمن هذه الاتفاقية وأخرى تعد بمثابة الملحق ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، والقفز على الحقائق عن طريق تخوين طرف ومنح صفة الوطنية لطرف آخر بدفع من اطراف سياسية متنفذة.
 
هناك مقولة في مقدمة ابن خلدون يقول "الحقيقة هي لغة الأرقام"، وأخرى للشاعر أحمد شوقي يقول "إِنَّ الذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا"، لذلك أنا اقول الحقيقة تتضح عن طريق المقارنة والقياس بأدواتنا البحثية سواء عن طريق الاستبيان، أو تحليل المضمون، أو الملاحظة، أو المقابلة، فضلاً عن القراءة المعمقة للوثائق، اتضح أن العراق قد وقَّع مع الولايات المتحدة الأميركية ثلاث اتفاقيات أمنية وعسكرية، اتفاقيتين في نوفمبر عام (2008) وصوت عليها مجلس النواب بنهاية نفس العام، ودخلت حيز التنفيذ في يناير عام (2009). 
 
الاتفاقية الأولى تسمى الاتفاقية الأمنية أو اتفاقية وضع القوات الأميركية خلال عملية الانسحاب الذي يجب أن ينتهي في 13/12/2011 وتسمى بالإنكليزية، (SOFA)، وهي اختصار لعبارة  "Status  Of Agreement" وهي مماثلة للاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة وألمانيا، اليابان، وكوريا الجنوبية، كما أن للولايات المتحدة الأميركية اتفاقيات أمنية مع أكثر من (80) دولة من دول العالم، والاتفاقية الثانية هي اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي يطلق عليها بالإنكليزي (SFA) وهي اختصار لعبارة "Strategic Framework Agreement"، الاتفاقية الأولى انتهى العمل بها بعد انسحاب آخر جندي أمريكي في ديسمبر عام (2011)، أما الاتفاقية الثانية هي (SFA) التي دائماً يُثار الجدال خولها وهي مكونة من (30) مادة، وقد دخلت حيز التنفيذ بعد انسحاب القوات الأمريكية عام (2011)، حيث يتم طرح عدة تساؤلات منها: من منح القوات الأميركية الحق في قصف أهداف واغتيال شخصيات داخل العراق سواء أكان بتنسيق مع الحكومة العراقية أم بدون تنسيق؟، الجواب يكمن في المادة (4/خامساً من اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي نصت على "يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الشرعي عن النفس داخل العراق كما هو معرف في القانون الدولي النافذ"، أي وفق هذا البند يسمح للقوات الأميركية عندما تتعرض لهجوم أو تهديد حقيقي بالرد، فضلاً عن وجود تساؤل آخر هو: هل السيطرة والسلطة داخل المنشآت التي تتوحد بها القوات الأميركي للعراق؟ الجواب يكمن في المادة (6/ثانياً: نصت على "يصرح العراق بموجب هذه الاتفاق لقوات الولايات المتحدة بأن تمارس داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها جميع الحقوق والسلطات التي قد تكون ضرورية لإنشاء واستخدام وصيانة وتأمين تلك المنشآت والمساحات المتفق عليها".
 
وكذلك سؤال مطروح من قبل الرأي العام هو من سمح للقوات الأميركية بتجهيز المنشآت الخاصة بهم داخل العراق بمعدات دفاعية؟ الجواب يكمن في المادة (7/) نصت على "لقوات الولايات المتحدة أن تضع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها وفي مواقع أخرى مؤقتة يتفق عليها الطرفان معدات دفاعية وتجهيزات ومواد تحتاجها قوات الولايات المتحدة على صلة بالنشاطات المتفق عليها بموجب هذا الاتفاق"، والحكومة العراقية وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي ممكن تطلب المساعدة من الولايات المتحدة الأميركية كما نصت المادة 4/ أولاً) على "تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق"، وهذا أيضاً تم الاشارة إليه في المادة(27/أولاً) نصت على "عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، وبناء على طلب من حكومة العراق، يقوم الطرفان، بالشروع فوراً في مداولات إستراتيجية، ووفقاً لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، التي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي إجراءٍ آخر، لردع مثل هذا التهديد"، هذا يدل على أن الاتفاقية كانت بشروط ولمسات أمريكية، لأن الانسحاب الأمريكي من العراق هو يدخل ضمن معادلة الابتزاز، أي بمعنى (اما ان ابقى متواجد أو البديل الجماعات الراديكالية)، والتجارب كثيرة، كانت المناطق الغربية ملتهبة، تقاوم الاحتلال الأميركي مثل "معركة الفلوجة" و"معركة الرمادي" و"معركة حديثة"، أدخلت أميركا بالتعاون مع دول إقليمية تنظيم "القاعدة"، من ثم بعدها تأسست الصحوات وقاتلت القاعدة وفرضت استقرار بعد ان عجزت القوات الأميركية والحكومية من فرض سيطرتها على المحافظات الغربية، حتى وصلنا إلى مرحلة محاولة السيد المالكي الحصول على الولاية الثالثة عام (2014) وهنا تم إدخال "داعش" للعراق بمؤامرة اشتركت بها دولة وحصل الذي حصل، في حينها اضطر السيد المالكي بتاريخ 22/ حزيران/ 2014 من مفاوضة الولايات المتحدة الأميركية عن طريق وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ممثل عن العراق والسفارة الأميركية، لغرض المساعدة بالقضاء على تنظيم داعش الذي احتل أكثر من نصف العراق، ووقع على وثيقة سرية تحمل رقم (01328-14)، وكانت هذه الاتفاقية الثالثة حيث تضمنت فقرات منحت القوات الأميركية حصانة، حيث نصت هذه الوثيقة بالجزء الأول على "تهدي سفارة الولايات المتحدة الأميركية أطيب تحياتها إلى وزارة الخارجية لجمهورية العراق ونتشرف بأن تشير إلى المناقشات التي جرت مؤخراً بين ممثلي حكومتينا بخصوص المسائل المتعلقة بشأن الموظفين/ الأفراد العاملين الأميركيين (المُعرفين بأفراد من القوات المسلحة الأميركية والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على التوالي، والذين يشار لهم فيما يلي مجتمعين بأسم الأفراد العاملين الأميركيين)"، أما الجزء الثاني من الوثيقة يشير إلى "كنتيجة لهذه المناقشات، تقترح السفارة بأن تُمنح للأفراد العاملين الأميركيين الامتيازات والإعفاءات والحصانات المساوية لتلك الممنوحة للموظفين الإداريين والتقنيين للبعثة الدبلوماسية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18/ أبريل 1961، والتي تسمح للموظفين الأمريكيين بدخول العراق والخروج منه المستصحبين للوثائق التعريفية الشخصية وتصاريح العمل الأميركية، وأن يكون أفراد القوات المسلحة الأميركية مخولين بارتداء الزي الرسمي أثناء أداء المهام الرسمية، وحمل السلاح أثناء تأدية الواجب إذا كانوا مخولين بعمل ذلك وفقاً للأوامر"، وهذا ماحصل نتيجة موافقة الحكومة العراقية.
 
بينما الجزء الثالث من الوثيقة نص على "السفارة الأمريكية تقترح بأن تكون هذه المذكرة ومذكرة الوزارة الإيجابية وداً على هذا الشأن تشكل اتفاقية بين الحكومتين، تعزيزاً للقسم X من اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة التعاون والصداقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية العراق"، وبعدها وافقت الحكومة العراقية في عهد السيد المالكي بتاريخ 22/ حزيران/ 2014، وليس كما يشاع بان السيد العبادي هو من أتى بهم، لأن السيد العبادي تم منحه الثقة من قبل مجلس النواب بتاريخ 8/8/ 2014، أتت القوات الأمريكية للعراق واشترك سلاح الجو الأمريكي لتقديم الدعم للقطعات العسكرية الإسناد وضرب اهداف داعش، من ثم تشكل التحالف الدولي بعد ادانة مجلس الأمن الدولي لداعش الأرهابي في العراق وسوريا بقراره رقم (2178)، ودعماً لهذا القرار يَلتزم التحالف بمواجهة التهديدات التي يُمثلها المقاتلون الإرهابيون الأجانب الذين يسافرون إلى المنطقة للانضمام إلى داعش أو يسافرون من المناطق التي تسيطر عليها داعش إلى بلدان أخرى، فمجموعة عمل المقاتلين الأجانب التابعة للتحالف الدولي، تحت القيادة المشتركة لكل من هولندا وتركيا والولايات المتحدة، تعمل مع شركاء التحالف لتنفيذ الالتزامات والتوصيات الواردة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2178)  الذي تمت الموافقة عليه في 2014، ويتطلب هذا القرار أن تتخذ الدول الخطوات اللازمة لمواجهة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتوسيع الالتزامات الحالية بموجب القانون الدولي وتعزيز التدابير الدولية التي تمنع المقاتلين الإرهابيين المشتبه بهم من السفر، وتعطيل الدعم المالي للمقاتلين الأجانب، والزيادة في تعزيز آليات التعاون الدولية والإقليمية.
 
ما يخص تصويت مجلس النواب الخاص بإخراج القوات الأميركية بتاريخ 5/ 1/ 2020، هو غير ملزم للحكومة وإنما جاء بمثابة التوصية، لأنه لم يستند على ما نصت عليه المادة 60/ أولاً وثانياً من الدستور العراقي، وهو قرار وليس مشروع قانون، الأمر الآخر هناك من يُشكل على (السُنة والكورد) لأنهم لم يشتركوا بالتصويت على إخراج الأميركان!، حسناً، لماذا لم تستشيرهم وتأخذ رأيهم عندما منحت القوات الأميركية حصانة دبلوماسية بوثيقة سرية وفقها عادت القوات الأميركية للعراق!؟، ولماذا لم يتم عرض الوثيقة على مجلس النواب العراقي من أجل طرح بنودها لغرض المصادقة عليها؟
 
إن صلاحية رئيس الوزراء التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات لكنها لا تعد نافذة ويتم الالتزام والعمل بها من قبل أطراف المعاهدة أو الاتفاقية من دون مصادقة مجلس النواب العراقي وفق احكام المادة (61/ رابعاً) من الدستور العراقي، فضلاً عن قانون رقم (35) لسنة 2015 بالمادة (7) أشار إلى أن هناك اتفاقيات تحتاج إلى أغلبية مطلقة من أعضاء مجلس النواب، ومعاهدات تحتاج إلى أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب مثل (معاهدات الحدود والمعاهدات التي تمس السيادة لجمهورية العراق، ومعاهدات الصلح والسلام، والمعاهدات السياسية والأمنية والعسكرية)، وصلاحية رئيس مجلس الوزراء طبقاً لأحكام المادة (78) من الدستور نصت على "رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة" وله صلاحية التوقيع على الاتفاقات ومذكرات التفاهم دون الرجوع إلى مجلس النواب وفق قانون رقم (35) لسنة 2015 بالمادة (3/ ثانياً)، اما المادة (11) من نفس القانون نصت على "تتضمن المعاهدة فصلاً بالأحكام الختامية" من ضمن هذه الأحكام الختامية بالفقرة رابعاً/ طريقة تعديل المعاهدة أو اعادة النظر فيها، وإذا رجعنا للمادة (30/ ثانياً) من اتفاقية الإطار الاستراتيجي نصت على "لا يعدل هذا الاتفاق إلا بموافقة الطرفين رسمياً وخطياً وفق الإجراءات الدستورية السارية في البلدين"، بينما الفقرة خامساً من المادة (11) لقانون رقم (35) لسنة 2015 تحدثت عن طريقة انهاء المعاهدة وبموجب ما تم الاتفاق عليه في الفصل الخاص بالأحكام الختامية لاتفاقية الإطار الاستراتيجي، بالتحديد بالفقرة ثالثاً من المادة (30) نصت على "لا يعدل هذا الاتفاق إلا بموافقة الطرفين رسمياً وخطياً وفق الإجراءات الدستورية السارية في البلدين"، أي بإمكان الحكومة العراقية اخطار الطرف الاخر بإلغاء الاتفاقية وبعد مرور عام تصبح ملغية. 
 
ولكن، لا توجد جدية بذلك فقط بالتصريحات عبر وسائل الإعلام، ونستطيع تشخيص هذا الخلل عن طريق إرسال رسائل (SMS) للمواطنيين من أجل استطلاع رأيهم حول حاجة قوات التحالف الدولي في العراق، وهذا يؤشر للضغط الكبير الذي يتعرض له رئيس مجلس الوزراء في اتخاذ قرار يحدد مصير القوات الأميركية في العراق، ولاسيما أن مبررات تواجد هذه القوات مازالت موجودة مثل "تنظيم داعش الإرهابي" الذي يظهر بين فترة وأخرى في صحراء الأنبار، ووادي الشاي، ووادي القذف، وتلال حمرين، وصلاح الدين، فضلاً عن عدم امتلاك العراق سيادة جوية في ظل وجود ثلاثة رادارات في قاعدة عين الأسد غرب الأنبار، والناصرية جنوب العراق، وكركوك، والأهم من ذلك هو عدم وجود ثقة بين المنتظم السياسي لمكونات الشعب العراقي، بسبب العقلية الحاكمة التي تريد أن تحكم وفق فرض معادلة الاستتباع لباقي المكونات وفرض العرف الخاص بها على حساب الدستور والقانون.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

حسين عمر

حكومة "نواة" الهيئة

لم يُفاجئ رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أحدًا (سوى الموهومين والمتوهّمين) بتشكيلته الوزارية التي أعلنها في حفلٍ، أراده استعراضيًا، في قصره، قصر الشعب، وفق المسمّى الرسميّ.