مستقبل الدينار العراقي أمام ازدواجية قيمته بالدولار

10-10-2024
محمود بابان
الكلمات الدالة الدينار العراقي الدولار الأميركي
A+ A-
إختلاف سعر الـ 100 دولار أميركي مقابل الدينار العراقي في الأسواق العراقية والبنك المركزي استمر بالإرتفاع يوماً بعد يوم خلال العقدين الماضيين.
 
ازدواجية سعر العملة العراقية مقابل الدولار الأميركي ما عدا انه ضعف في النظام المصرفي والإقتصادي هو ايضاً مؤشر خطر كبير على مستقبل قيمة الدينار، لأن قيمة العملة العراقية ليست مرتبطة بالسوق وقيمتها امام الدولار، بل يتم تحديدها من قبل الدولة وليس عن طريق العرض والطلب او نسبة الفوائد البنكية او التضخم وإختلاف الاستراد والتصدير وما الى آخره.
 
وتناقش قصص مختلفة حول طرق صرف الدينار بالدولار لدى البنك المركزي، واحتياجات السوق اليومية من الدولارات وتدفق الدولارات من العراق، وقبل كل شيء أرقام البنك المركزي وطرق الحوالات والنقد، وكمية الدينار العراقي المطبوع وعائد النفط المباع بالدولار، ودخول الدولارات إلى الأسواق العراقية من البصرة إلى زاخو ونوع شركات صيرفة العملات المعروفة بالنوع (أ) والتي يمكنها صرف الدينار بالدولار في البنك المركزي وكم هي عددها؟ لماذا بإمكان تلك الشركات ان تستلم الدولار بـ 1310 من البنك المركزي في حين ان سعر الدولار في هذه الايام قد تجاوز 1530 ديناراً للدولار الواحد، وأيضاً كم هو مجموع عدد شركات صيرفة العملات في جميع العراق مع اقليم كوردستان؟ لماذا شركات اقليم كوردستان محرومة من استلام الدولار بقيمة 1310؟ لماذا لا يمكن لمطارات كوردستان ان تعطي الدولار للزوار؟.
 
سنركز في هذا المقال على فارق الستة أضعاف بين البنك المركزي والسوق مقابل الدولار الواحد، ونسلط الضوء على ما إذا كان البنك المركزي يقدم دولارات أكثر أو أقل وما الذي سيفرق؟ للإجابة على هذه الأسئلة ومستقبل الدينار العراقي من بيانات البنك المركزي، والجهاز المركزي للإحصاء العراقي والسوق سنحاول الوصول الى اجوبة.
 
كيف تحصل شركات صرف العملات على الدولار من البنك المركزي وبيعها في الأسواق؟
 
بحسب قائمة البنك المركزي، هناك 1333 شركة صيرفة في بغداد وحدها و600 في جميع المحافظات العراقية الأخرى باستثناء إقليم كوردستان، بمعنى آخر، هناك 1933 شركة في وسط وجنوب العراق، وإذا أضفنا عدد شركات ومكاتب الصرافة في إقليم كوردستان إلى العراق، سيرتفع العدد بالتأكيد إلى أكثر من 2500 شركة صرافة.
 
بحسب البيانات عدد شركات  صنف (أ) التي سجلت في البنك المركزي هو 88 شركة والصنف (ب) اكثر من 57 شركة وصنف (ج) 300 شركة. فقط الشركات من الصنف (أ) يستطيعون ان يطلبوا شراء الدولار من البنك المركزي.
 
وفي الواقع فإن هذه الأرقام تتغير يومياً لسببين متضادين: أولاً، تكوين شركات جديدة، لأن النوع (أ) يتكون من اندماج شركتين من صنف (ب) أو شركة (ب) وخمس شركات (ج)، والشركة (ب) هي نتيجة اندماج 10 شركات (ج) لذلك عدد الشركات ليس ثابت وفي تغير مستمر. والثاني هو إغلاق الشركات بسبب إدراجها على القائمة السوداء، أو رفض طلبات الحصول على الدولارات، أو تورطها في غسيل الأموال.
 
وتحاول الحكومة الاتحادية حالياً اغلاق كافة انواع شركات صنف (ج) ومكاتب صيرفة العملات في عموم العراق لتنظيم سوق الدولار والتحويلات المالية ومنع خروج الدولارات، وطلبت من اقليم كوردستان اتخاذ كافة التدابير لاغلاقها، في حين ان غالبية الشركات التي تعمل في إقليم كوردستان هي من هذا النوع.
 
منذ ما يقرب من عام وثمانية أشهر، الطريقة الوحيدة لدخول الدولارات إلى الأسواق هي من خلال الشركات من الصنف (أ) وطلب المواطنين السفر إلى الخارج باستثناء الدول الخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، حيث يتم دفع 3000 دولار لكل مواطن، وبينما كان في السابق 7500 دولار، تسمح هذه الطريقة للشركات بأن يكون لها ممثلون في مطارات بغداد والبصرة والنجف ويمكنهم تقديم طلباتهم في المطار أو في المكاتب.
 
ولم يحدد الجهاز المركزي للإحصاء العراقي، خلال العامين الماضيين، عدد المسافرين القادمين والمغادرين من العراق، فيما سبق ونشر كافة التفاصيل في تقريره السنوي، لكن بالنسبة لعام 2023 وحده، تجاوز إجمالي عدد القادمين والمغادرين في جميع المطارات 9 ملايين.
 
في الواقع، فإن عدد السياح العراقيين في الخارج ومدى توفر الدولارات النقدية لهؤلاء السياح لا يتطابقان، لسببين بسيطين: أولاً، يمكن للسياح استخدام بطاقات الفيزا ومعظم دول العالم تعمل الآن بنقد أقل، وثانياً، المطارات وشركات الصرافة وحتى الحجاج في إقليم كوردستان محرومون من الحصول على الدولار بسعر 1310 دنانير.
 
ورغم أن متوسط فرق سعر 100 دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالأشهر التسعة الأولى من العام الماضي لم يتغير، إلا أن الفارق بلغ 193 ديناراً في 2023 و194 ديناراً في 2024، في حين قام البنك المركزي بتحرير نصف ذلك المبلغ نقداً هذا العام، وهو ما يعكس عدم ارتباط السوق بالنقد اليومي للبنك المركزي، لأنه كان ينبغي أن يتضاعف الفارق الآن. 
 
الآن وفي سوق العملة في اقليم كوردستان ومكاتب صيرفة العملات، التغير في الأسعار هو عكس البنك المركزي، حيث في اليوم الذي يصدر فيه البنك المركزي تحويلات أقل ومزيداً من النقد، يرتفع سعر الدولار مقابل الدينار، في حين انه ينبغي أن ينخفض بسبب طرح الكثير من النقد، ولكن نظراً لرفض التحويلات الرسمية لمختلف الأسباب من قبل البنك المركزي وضرورة المبالغ المرفوضة تلجأ الشركات إلى السوق وشركات العملة لإجراء التحويلات مما يرفع سعر الدولار مقابل الدينار.
 
كم وكيف يتم عرض الدولار (النقد والتحويلات)؟
 
بحسب بيانات البنك المركزي بلغ إجمالي الدولارات المقدمة عبر نافذة البيع في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 49.6 مليار دولار، 46 ملياراً منها تحويلات و 3.6 مليار نقد، مما يعني ارتفاع نسبة العرض بشكل عام وبنسبة 46.7% مقارنة مع العام الماضي.
 
تعقيد إجراءات عرض الدولار بالنقد من قبل البنك المركزي وإجراءات تصدير الدولار عن طريق الحوالات وانخفاض نسبة دخول الدولار من اميركا كان سبباً في إنخفاض نسبة العرض في الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة مقارنة مع في الأشهر التسعة الأولى للعام الماضي اقل بنسبة 3.98 مليار دولار (نقد) والذي لا يشكل نصف السنة الماضية.
 
بالرغم من ظهور تعليمات وإجراءات جديدة يومياً بخصوص عرض الدولار في السوق لكن سعر الدينار العراقي يشهد عدم استقرار وهناك تغير بنسبة 1000 الى 3000 دينار مقابل 100 دولار، بشكل يومي في السوق، وترتفع نسبة الإختلاف بين البنك المركزي والسوق ايضاً، ولذلك فإن هذا التغيير لا يتعلق فقط بالمؤشرات الاقتصادية وإجراءات البنك المركزي، بل يرتبط أيضاً بالتغيرات السياسية والأمنية وأسعار السلع المختلفة، وخاصة النفط، وثقة الناس بمستقبل العملة العراقية وتؤثر على قيمتها في السوق.
 
في الواقع وبحسب بيانات البنك المركزي عرض الدولار لم يوضح إحتياج السوق العراقية للدولار خلال السنوات الماضية، لذلك فالعرض هذه السنة اقل بالمقارنة مع السنوات الثلاث الماضية، في حين ان ايرادات هذه السنة اكثر من الاعوام الماضية.
 
الدخل بالدولار والنفقات بالدينار؛ الفارق بين تريليون دولار و100 تريليون دينار
 
مستقبل الدينار العراقي يعتمد على السياسة الاميركية وليس السياسة النقدية للعراق لأن 99% من عائدات بيع النفط والمنتجات الأخرى يستلمه العراق بالدولار، ورغم بيع ثلث النفط للصين في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يتم مبادلته باليوان رغم سعي الحكومة العراقية للتعامل مع العملات الأخرى بسبب نقص الميزان التجاري، ليس فقط مع الصين بل مع الدول الأخرى أيضاً.
 
وعلى مدى العقدين الماضيين، تجاوزت عائدات تصدير النفط العراقي التريليون دولار، لكن إجمالي الناتج المحلي للعراق وصل إلى 253 مليار دولار بحلول عام 2023، وهي علامة واضحة على اقتصاد استهلاكي يعتمد على واردات السلع والخدمات، وحولت الحكومة 46 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام لتلبية هذه الاحتياجات.
 
جانب آخر من هذه الإيرادات بالدولار والنفقات بالدينار هو طباعة الدينار العراقي من قبل البنك المركزي، والتي وصلت إلى أكثر من 104 تريليون دينار خلال العقدين الماضيين، بحيث 95 تريليون دينار خارج البنوك التجارية و9 تريليون داخل البنوك! وهذا يعكس ضعف النظام المصرفي والمالي في العراق ومستوى ثقة سكانه في البنوك والدولة.
 
ولم تكن الزيادة في العملة العراقية المطبوعة في العقدين الماضيين مرتفعة كما كانت في السنوات الأخيرة، وعلى سبيل المثال في عام 2019، بلغ إجمالي حجم النقود المطبوعة في العراق نصف ما هو عليه الآن، وحتى 31 تموز 2019، بلغ إجمالي النقود المطبوعة 48.3 تريليون دينار.
 
الأسباب خلف تلاعب سعر الدينار أمام الدولار في الأسواق
 
كان ينبغي أن تكون العملة العراقية مثل دول الخليج أو الدول الآسيوية، وليس إيران وتركيا، لأن الدولة هي التي تحدد القيمة وليس السوق والتضخم وأسعار الفائدة المصرفية.
 
وفقاً لقاعدة بيانات العملات الخاصة بالبنك المركزي من عام 1995 إلى عام 2024، فإن عملات البلدان ذات الاقتصاد المرتبط بالسوق أو الخاضع للعقوبات فقط هي التي تغيرت بشكل كبير يومياً وشهرياً وسنوياً وفقدت أكثر من 30 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل 10% من عملاتها مقابل الدولار، وفقاً لبيانات البنك الدولي لكن على الرغم من رفعها في عام 2023، إلا أن القيمة السوقية الحقيقية للعملة العراقية انخفضت مقابل الدولار.
 
والحقيقة أن أسباب تقلبات سعر الدولار في العراق كما نرى هذه الأيام، قد تكون لها روايات أخرى مثل تصدير الدولار العراقي إلى دول أخرى لكن ليس نقداً عبر أسواق الدولار في أربيل والسليمانية والبصرة وبغداد، لأن ما يقدم نقداً وفي حسابات البنك المركزي أقل من نصف قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق ولذلك تم مؤخراً العثور على بوابة رسمية لتصدير الدولارات خارج العراق من خلال ربط الشبكة المصرفية الرسمية، سواء كانت إيران أو الدول الأخرى التي تستخدم النظام المصرفي وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويوركFederal Reserve Bank of New York ، فإن المثال الأبرز هو قصة علي غلام، العراقي البالغ من العمر 42 عاماً والذي يمتلك ثلاثة بنوك والتي كانت (مصرف الاستثمار العراقي في الشرق الأوسط ومصرف الأنصار الإسلامي ومصرف القبض الإسلامي) وتم حظرها جميعا من قبل وزارة الخزانة الأميركية اواخر عام 2022 بتهمة غسيل الاموال.
 
الخاتمة
 
إذا كان الفارق بين البنك المركزي والسوق صفراً في البداية وهو الآن على هذا الوضع، فإن عدة أسباب مختلفة ومتناقضة أدت إلى زيادة الفارق وضعفت مستقبل الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي وأبرزها:
 
أولاً - الإستمرار في التعامل بالكاش ووجود تريليونات الدنانير نقداً بأيدي المستثمرين والذين بدورهم يمكنهم خلق الحركة في الاسواق.
 
ثانياً - إفتقار المواطنين العراقيين إلى الثقة في عملتهم ونظامهم المصرفي لحماية رؤوس أموالهم في البنوك بسبب التجارب السابقة.
 
ثالثاً - امتلاك العراقيين احتياطيات من العملات الأجنبية، وخاصة الدولار.
 
رابعاً - تضاعف العملة العراقية المطبوعة في أقل من خمس سنوات مقارنة بالعقدين الماضيين، على الرغم من انخفاض إجمالي الإيرادات وزيادة إجمالي الديون لنمو الناتج المحلي الإجمالي في تلك السنوات.
 
خامساً - عدم تفعيل نظام التحويل البنكي واستمرار خروج الدولار عبر أسواق الدولار كحوالات حتى لو كانت صغيرة.
 
سادساً - دقة الارقام في العراق مثلاً في اجمالي النقود المطبوعة في العراق مثلاً من المفترض أن تزيد عاماً بعد عام ولكنها انخفضت من عام 2017 إلى عام 2018 كما هو مبين في بيانات البنك المركزي أعلاه.
 
سابعاً - قد تكون قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي هي سعر السوق، وليس السعر الذي يحدده البنك المركزي.
 
ثامناً - عدم التنوع والمساواة في تجارة العراق مع الدول الأجنبية واستمرار استيراد آلاف السلع والخدمات من مختلف البلدان وتصدير النفط ومنتجاته فقط.
 
تاسعاً - عدم التنوع والمساواة في تجارة العراق مع الدول الأجنبية واستمرار استيراد آلاف السلع والخدمات من مختلف البلدان وتصدير النفط ومشتقاته فقط.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عباس عبد شاهين الفيلي

تحديث سجل الناخبين ضمان لمشاركة فاعلة للكورد الفيليين بالانتخابات

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قبل أيام عن فتح باب تحديث سجل الناخبين في عموم محافظات العراق وهي خطوة تمهيدية للانتخابات المقبلة تستمر لمدة شهر.