العرب أمة شعارات واناشيد وطنية وبيانات نصر وهمية وحماسية..العرب ينامون عقودا طويلة ثم يصحون فجأة ليتذكروا فلسطين ويشنون او يصطنعون حربا صغيرة ضد اسرائيل يخسرون فيها ويتنازلون بعدها عن المزيد من الاراضي قبل ان يناموا مجددا.
نعم اسرائيل دولة مارقة، احتلت فلسطين واوغلت بسياسات التمييز العنصري وفي قتل الفلسطينيين ومحاصرة غزة التي حولتها الى سجن كبير، وصادرت حريات شعب باكمله، ولكن السؤال هو هل حدث كل ذلك ما بين ليلة ويوم؟ ام ان القصة تعود الى عام 1948، فماذا فعل العرب طيلة 75 عام منذ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وتهجير غالبية من الشعب الفلسطيني حتى اليوم؟. لو كان العرب قد وافقوا على قرار التقسيم عام 1948 لما ضاعت فلسطين واجزاء واسعة من الاراضي العربية..ناموا منذ ذلك التاريخ وصحوا على بيانات وهتافات جمال عبد الناصر الذي اراد ان يرمي آخر جندي اسرائيلي في البحر فكانت نكسة 5 حزيران عام 1967 وضاعت سيناء والجولان وبحيرة طبرية والضفة الغربية. وجاء السادت ليفتعل حرب تشرين 1973 من اجل ان يجلس بعدها مع الاسرائيليين ويستعيد سيناء، بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق مناحيم بيغن في 17 سبتمبر عام 1978 بحضور الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر.
في 13تشرين الثاني عام 1974، وقف ياسر عرفات للمرة الاولى على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة والقى خطابا طويلا عن القضية الفلسطينية أنهاه بطلب السلام والتفاوض مع اسرائيل من اجل الحصول على سلطة وطنية فلسطينية، وقال مخاطبا رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة" "إننا نعيش في عالم يطمح للسلام وللعدل وللمساواة وللحرية"، مختتما خطابه: "لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".. مضيفا ان "الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين".وكان له ما اراد، فبعد 19 سنة وقع عرفات مع وزير خارجية اسرائيل الاسبق شمعون بيريز اتفاقية أوسلو، في 13 أيلول 1993، وهي أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تمخض عنها تشكيل السلطة الفلسطينية.
ثم جاء دور الاردن ليستعيد اراضيه المحتلة من قبل اسرائيل واهمها الضفة الغربية من خلال معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أو ما يشار إليه باسم( معاهدة وادي عربة)، هي معاهدة سلام وقعت بين الأردن وإسرائيل على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر عام 1994، حيث طبعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما. وترتبط هذه المعاهدة مباشرة بالجهود المبذولة في عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. بتوقيع هذه المعاهدة أصبحت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبع علاقاتها مع إسرائيل.
اما الرئيس السوري السابق حافظ الاسد فقد عرف حجم قوته العسكرية وآمن بالحكمة القائلة"رحم الله امرأ عرف قدر نفسه فلزمه، وعرف حده فوقف عنده"، وبقي صامتا امام احتلال اسرائيل لهضبة الجولان وبحيرة طبرية، وسار نجله بشار على دربه عملا بالمثل القائل"من شابه أباه فما ظلم".
وتسترت الاحزاب القومية، الشوفينية، وفي مقدمتها حزب البعث، في العراق وسوريا، وكذلك احزاب الاسلام السياسي بقميص عثمان، فلسطين، باعتبارها"قضية مركزية" لكسب مشاعر الشعوب العربية وتاجرت بها، وفي المقابل استغلت غالبية من القيادات الفلسطينية هذا التوصيف وحصلت على مليارات الدولارات من الانظمة العربية لدعم (القضية)، والشعب الفلسطيني الذي لم يحصل على درهم واحد من تلك المليارات التي اودعت في مصارف جنيف وغيرها. وعندما اراد خميني تصدير ثورته الاسلامية الشيعية واحتلال العراق رفع راية تحرير القدس مرورا بالعراق، وكذلك فعل صدام حسين عندما غزى الكويت لانه يريد تحرير القدس، وكان طريق القدس يمر عبر العراق او الكويت.
مرت 75 عام على احتلال فلسطين، ومنذ عام 1048 وحتى اليوم خاض العرب حروب عدة ونفذت المنظمات الفلسطينية عمليات لا تحصى ضد اسرائيل، ولم تتحرر اية ارض في فلسطين، بل ازدادت الدولة العبرية صلابة وقوة وطورت اسلحتها وصناعتها العسكرية ووسعت من رقعة مستوطناتها على حساب مزارع وممتلكات الفلسطينيين، وتكرست عنجهيتها وعدوانيتها واعتدائها على السكان العرب المحاصرين بجدار عنصري وتصرفات وقحة. ونحن، منذ ان كنا في دراستنا الابتدائية والثانوية نحفظ كل الشعارات والهتافات التي تناصر فلسطين على شاكلة"فلسطين عربية فالتسقط الصهيونية"، وخرجنا بتظاهرات تأييد وتبرعنا بالدم من اجل الفدائيين، ووضعنا مصروفنا اليومي في صناديق دعم القضية الفلسطينية، لكن الصهيونية لم تسقط، وفلسطين لم تتحرر، وهذا ما دفع بعض الدول العربية لادراك حقيقة مهمة وهي ان مسألة فلسطين لن تحل الا بالحوار المباشر مع اسرائيل واختارت التطبيع مع الدولة العبرية بدلا من بقاء الحال متوترا بين العرب واسرائيل.
امس صحى العرب على انباء معركة او حرب تخوضها منظمة حماس الاسلامية (الجهادية) ضد اسرائيل، وسقوط اكثر من 5 الاف صاروخ حماسي على المستوطنات والمواقع الاسرائيلية، وسقوط المئات من الاسرائبيين والفلسطينيين جراء القصف الجوي الاسرائيلي على غزة، وشعر العرب بنشوة النصر، هذا في الاقل ما تدل عليه تعليقاتهم في وسائط التواصل الاجتماعي وبيانات بعض الحكومات العربية، دون ان نسأل ما هو الثمن الذي دفعه وسيدفعه اهل غزة الذين يعانون منذ اكثر من 15 عام حصارا ، وقصف اسرائيلي موجع مقابل كل رشقة صواريخ من حماس، ومجاعة وبطالة وموت للسكان المحليين الابرياء بينهم الاطفال والنساء.
هنا انا لا اريد ان احبط من عزيمة من شعر بالنصر على اسرائيل، بل ان مشاعري مع اطفال ونساء وشيوخ غزة الذين لن ترحمهم صواريخ اسرائيل وطائراتها المتفوقة بالتاكيد على صواريخ حماس، إذ تشير الحصيلة الى مقتل المئات من الفلسطينيين والاسرائليين واصابة الالاف من الطرفين وتهديم جزء كبير من غزة وخاصة الابنية السكنية التي سقطت على رؤوس ساكنيها، وهجرة الالاف من اهالي غزة الى المدارس ومناطق أخرى بعد ما هدد رئيس حكومة اسرائيل، اليميني المتطرف نتينياهو بمحو غزة التي يسكنها اكثر من مليوني فلسطيني.
ان انفجار الاوضاع في غزة تتحمله اسرائيل بالدرجة الاولى، وسياساتها العدوانية، ولكننا نسال: هل ستاتي هذه المعركة او الحرب بنتائج ايجابية لفلسطين وشعبها، او لاسرائل والاسرائيليين ام انها ستديم من عمر العداء والقتل والتهديم الذي يدفع ثمنه الفلسطينيون الابرياء؟ وهل تفضل اسرائيل ان تعيش مهددة دائما ولا تشعر بالامان، ام هي تسعى لاستقرار المنطقة بعيدا عن سياساتها الهوجاء ضد شعب فلسطين باكمله؟ وبالتاكيد ان المنطق يقول ان على الدولة العبرية ان تختار الحل الثاني باعتبار انه ليس هناك ما يخسره الفلسطينيون بعد ان فقدوا وطنهم واراضيهم وحريتهم، وستكون خسائر اسرائيل كبيرة بالمقارنة مع خسائر الفلسطينيين، والاختيار الثاني يقودنا الى ما تنادي به غالبية الدول العربية والغربية وهو حل الدولتين والدخول في محادثات تحت اشراف الامم المتحدة لوضع بداية النهاية لقضية تتعقد كلما زاد عمرها.
لي هنا ان استعير ما قاله الصحفي الاسرائيلي، آفي يساخاروف، وهو متخصص بالتحليل الامني والسياسي، معترفا بان:" الحل انتهى لأنه لا يوجد شركاء سلام، لا يوجد شريك إسرائيلي ولا يوجد شريك فلسطيني".مشيرا الى" أن حكومات يمينية تسيطر على الدولة مثل حكومة نتانياهو لا يمكن لها أن تعطي حقوق مدنية أو سياسية للفلسطينيين في الضفة، مما يضع الأمور رهنا للرعب القادم من الاحتمالات المفتوحة، طبعا في غياب شركاء السلام".منبها الى "اننا اليوم أمام حالة متفجرة في غزة يغذيها كل يمين من كل طرف، وقد وصلت الحالة ذروتها بتسليم مقاليد السلطة لليمين المتدين والقومي في حكومة بنيامين نتنياهو. وعلى الأرض، تبدو كل آفاق الحلول السياسية بعيدة جدا أمام احتقان هائل يتوالد منه غضب مستمر يغلب على المزاج العام عند كل الأطراف".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً