باستقبال الرئيس مسعود بارزاني في قصر الاليزيه يوم أمس (8 سبتمبر 2016) من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند، يكون هذا ثالث لقاء يجمع الرئيسين في غضون سنتين. فقد كان الرئيس الفرنسي قد زار إقليم كوردستان والتقى في هولير بالرئيس بارزاني (12 سبتمبر 2014)، في خطوة هامّة للغاية، إذ أنّ اولاند، علاوة على أنّه رئيس دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، هو الرئيس الوحيد الذي زار إقليم كوردستان منذ هجوم داعش الإرهابية على كوردستان. وكان الرئيس بارزاني قد زار فرنسا (10 فبراير 2015) في أعقاب مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن والتقى الرئيس اولاند.
لكنّ خصوصية هذه الزيارة وأهميتها تكمنان في عاملين رئيسيين؛ يتعلّق الأوّل بتوقيت الزيارة المتزامن مع ترقّب تطورات كبيرة في ملفّ مواجهة داعش حيت تجري التحضيرات لمعركتي إخراجها من الموصل والرقة العاصمتين الرمزيتين لدولتها وما سيعقب هاتين المعركتين من تحوّل في المعادلة الجيو سياسية في المنطقة والتي يسعى الرئيس بارزاني بجهوده الدبلوماسية أنّ يؤمّن للكورد مكاسباً سياسية استراتيجية تعادل حجم الدور الذي يؤديه الكورد في معركة المواجهة مع التنظيم الإرهابي. فالرئيس البارزاني ينتقل من جبهات القتال التي تقرّر شكل المعادلة الميدانية إلى أروقة صنع القرار الدولي التي تلعب دوراً رئيسياً في تقرير شكل المعادلة السياسية.
أمّا العامل الثاني، فيتعلّق بملامح الاتفاقيات والتفاهمات الدولية والإقليمية الجديدة بشأن ملفّات المنطقة، وخاصّة ما يتعلّق بملفّ الأزمة السورية، والتي توحي بأنّها ستكون على حساب الطموحات القومية الكوردية في المنطقة. والرئيس بارزاني هو ابن ثورة أيلول ووريث ارثها النضالي ويعرف جيّداً مرارة الغدر الدولي والإقليمي بالشعب الكوردي، ولذلك يسعى إلى تأمين شبكة أمان عبر تأمين دعم ومساندة قوى دولية نافذة وعبر تهدئة هواجس قوى إقليمية مؤثّرة.
وفرنسا دولة مؤثّرة سياسياً ودبلوماسياً ولها مواقف إيجابية من القضية الكوردية. فهي، علاوة على أنّها إحدى أكثر الدول دعماً لقوات البيشمركة في معركتها ضدّ داعش، قد أثبتت في محطتين مفصليتين في تاريخ القضية الكوردية وقوفها إلى جانب الشعب الكوردي، إذ كانت صاحبة الدور الأكبر في اصدار مجلس الأمن الدولي لقراره الشهير 688 (5 ابريل 1991) القاضي بإقامة منطقة آمنة في جنوب كوردستان، كما كانت من أوائل الدول التي وقفت إلى جانب إقليم كوردستان في وجه داعش وقدّمت له المساعدات المختلفة في معركته.
لا شكّ أنّ الرئيس بارزاني قد تباحث مع نظيره الفرنسي في مجمل القضايا الهامّة التي تعني إقليم كوردستان ومن بينها قرار إجراء الاستفتاء على مصير الإقليم كخطوة نحو إعلان استقلاله عن العراق. وفي هذا الإطار، كان أمراً ملفتاً للانتباه حضور شخصيات فرنسية لا تخفي دعمها لاستقلال كوردستان في اجتماع الرئيسين. مهما يكن، ربّما لن تُفصح أي دولة عن موقفها في دعم استقلال كوردستان قبل إعلانه وذلك لدواعي الالتزام بالمواثيق الدولية الموقّعة عليها من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة. لكن في اللقاءات الثنائية بين الرئيس بارزاني وقادة العالم، لا شكّ أنّ هناك إشارات أو نصائح أو وعود، بل وربّما تشجيع أيضاً. عند إعلان دولة كوردستان المستقلة في أعقاب استفتاء (يكفله الدستور العراقي)، سوف تختلف الأمور وتصبح الأولوية لمبدأ حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا أيضاً حقٌّ تكفله المواثيق الدولية.
أعتقد أنّ الرئيس بارزاني يدرك جيداً صعوبة معركة إعلان الاستقلال وأعتقد أنّه عازمٌ تماماً على خوضها وأعتقد أنّه مؤمنٌ تماماً بالنصر فيها.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً