يناقض رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق، الفريق أول الركن، نزار الخزرجي، نفسه ويزور الحقائق عندما يتحدث عن الكورد، متناسياً أن الكورد يشكلون القومية الثانية في العراق، دستورياً وعملياً، ويبلغ تعدادهم اليوم أكثر من خمسة ملايين نسمة، وأن من قاتل على مدى ما يقرب من قرن أعتى الجيوش منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى 2003، دفاعاً عن حقوقهم المشروعة هم قوات البيشمركة، وأن هذه القوات لم تذهب لتقاتل وتقتل العراقيين العرب الأبرياء في البصرة أو ميسان أو كربلاء أو الأنبار أو نينوى، بل ان الجيش العراقي هو الذي قطع المسافات بأرتاله المسلحة بكل وسائل القتل والابادة الجماعية إلى أقصى مدن وقرى وقصبات كوردستان العراق.
الخزرجي، وفي حوار لإحدى الفضائيات العربية في لندن عرض مؤخراً، ما يزال يصف مقاتلي قوات البيشمركة بـ"المتمردين"، مرة، و"المسلحين" مرة أخرى، و"المخربين" مرة ثالثة، كما أنه لا يسمي إقليم كوردستان باسمه، بل يطلق عليه توصيف "المناطق الشمالية"، وهذه توصيفات وثقافة حزب البعث المنحل كما يعرف الجميع، ويبدو أن الزمن والتطورات السياسية التي حصلت منذ 1991 وحتى اليوم لم تؤثر بالفريق الأول الركن نزار الخزرجي وتجعله يغير التوصيف الذي كان يطلقه صدام حسين وأقطاب نظامه على المقاتلين الكورد الشجعان الذين كانوا يقاتلون ويضحون بحياتهم دفاعاً عن أهلهم وأرضهم وكرامتهم وحقوقهم المشروعة،
والاكثر من هذا هو أن الخزرجي ما يزال يسمي إقليم كوردستان (المناطق الشمالية)، بينما كان صدام حسين ذاته قد اطلق على موطن الكورد في العراق تسمية" كوردستان العزيزة".
ومن المؤكد ان الخزرجي مؤمن في داخله بما اطلقه من توصيفات سواء الى مقاتلي البيشمركة او إقليم كوردستان، فاذا افترضنا انه (الخزرجي) كان يسمي مقاتلي البيشمركة "المتمردين، و"المسلحين"، و"المخربين"، بعهد صدام حسين تماشياً مع ثقافة النظام، ومن باب الخشية على حياته وحياة عائلته، فلماذا يتمسك بها حتى اليوم ويكررها ويكرس لها مع انه، وبعد مرور ما يقرب من 19 سنة على رحيل نظام صدام حسين، وهو يقيم في دولة أوربية ديمقراطية تكفل له حرية التعبير وتضمن حماية حياته وحياة عائلته. لكن أخطر ما جاء في حديث الخزرجي هي اعترافاته بقيام الجيش العراقي، الذي كان هو رئيس أركانه وبقيادة صدام حسين بارتكاب جرائم يندى لها الجبين تتعلق بتهجير شعبنا الكوردي وطرده من مدنه وقراه وأراضيه وبيوته وما رافق هذه العمليات من قتل وتعذيب.
يقول الخزرجي في حديثه التلفزيوني، بأن الجيش العراقي نفذ أربع عمليات للانفال، هي الأولى والثانية والثالثة والتاسعة، وانها "كانت لأغراض عسكرية بحتة هدفها ضرب مقرات جلال طالباني الذي كان يقود مسلحي الاتحاد الوطني الكوردستاني، في جبل بيرة مكرون، وفي سد دربنديخان، خاصة في قمة جبل قرداغ (قوبيات)، وسد دوكان، في محافظة السليمانية، بسبب تعاون (مسلحي) طالباني مع القوات الإيرانية"، على حد قوله.
مضيفاً "كعسكر، انتهينا من مهماتنا واحيلت العمليات في سلسلة الانفال: الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة، إلى (لجنة شؤون الشمال) التي كانت بمسؤولية علي حسن المجيد" ، وكلنا يعرف الروح الإجرامية التي كان يتمتع بها المجيد وبشاعة الجرائم التي كان قد اقترفها ضد شعبنا الكوردي خاصة والعراقيين عامة، وهو من لُقب بـ (علي كيمياوي) لقصفه مدينة حلبجة ومناطق أخرى بالاسلحة الكيمياوية. وكانت مهمة المجيد، حسب الخزرجي "ضرب المقاتلين الاكراد في العمق وفي المناطق بين أربيل وكركوك".
الخزرجي يستخف بالجرائم التي ارتكبت بحق الكورد، سواء من قبل الجيش العراقي أو لجنة علي حسن المجيد، ففي كتابه "مذكرات مقاتل" يصف هذه العمليات التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الكورد بأنها "مجرد عملية أمنية"، ولنا ان نتصور بأن قتل وتهجير مئات الآلاف من المواطنين العراقيين الكورد، في اعتقاد رئيس أركان الجيش هي "مجرد عملية أمنية"، وليست إبادة جماعية ضد المواطنين. تذكروا أنه يتحدث عن مواطنين عراقيين كورد أبرياء غالبيتهم من النساء والشيوخ والاطفال، وليس عن جيش معاد قادم من خارج الحدود مدجج بأنواع من الاسلحة الثقيلة والدروع.
الأكثر قسوة من هذا وذاك هو ما ذكره الخزرجي عما أسماها بعمليات "خاتمة الأنفال" ويعني بها (الانفال التاسعة)، وهذه تحتاج الى تركيز ومخيلة قابلة على تخيل الاحداث الحقيقية وكانها شريط سينمائي يمر عبر الذاكرة المرئية لنستطيع فهم ما جرى، يقول الخزرجي ما يلي: "لقد تم تخصيص 17 فرقة من الجيش العراقي، سارت بـ(95) اتجاهاً مختلفاً، وبـ(75) رتلاً، شملت جميع المناطق التي فيها أكراد، وطردنا كل الأكراد إلى خارج الحدود بشكل مطلق واصبحت المنطقة الشمالية خالية من الاكراد"، مضيفاً "وأصبحت المناطق الشمالية نظيفة (من الاكراد) حتى حرب الكويت"، وسوف نصاب بالصدمة عندما يبرر رئيس أركان الجيش العراقي الاسبق، وبسعادة، نتائج هذه العمليات، حين يقول: "والعالم كانوا يروحون (الى شمال العراق) في الصيف ويتمتعون هناك"!.. جيش جبار يقتل ويطرد شعباً بأكمله، شعباً أعزل، يُقتلع من أرضه ويهجر الى خارج حدود وطنه من أجل ان "يروحون العالم الى الشمال ويتمتعون بالصيف"، هل سمعتم أو عرفتم مثل هذا المنطق الاجرامي؟!.
هنا نريد ان نتوقف لنناقش هذه الجرائم التي أوضحها واعترف بها الخزرجي الذي قال بنفسه وبكامل قواه العقلية "لقد طردنا الاكراد تماماً الى خارج الحدود العراقية بشكل مطلق"، قال "الاكراد" ولم يقل مثلاً (المسلحين) أو (المتمردين)، بل قال (الاكراد) وهذا يعني الشعب الكوردي، أطفالاً ونساء ورجالاً وشيوخاً، محدداً المناطق بقوله "شملت جميع المناطق التي فيها اكراد"، ويعني المدن والقرى والقصبات والبيوت والاكواخ التي يعيش فيها الكورد، مستطرداً بقوله "وأصبحت المنطقة الشمالية خالية من الاكراد" اي انهم اخرجوا، طردوا، قتلوا، انتهكوا حرمة كل مواطن كوردي وابعدوهم خارج وطنهم، خارج اراضيهم التي عاشوا عليها مئات السنين. هذه الجريمة لا تشبهها إلا جرائم النازية بزعامة هتلر، فالخزرجي، سواء كان واعياً ام بلا وعي يتحدث عن هلكوست ارتكبها الجيش العراقي الذي كان رئيس اركانه، ضد الشعب الكوردي.
تخيلوا، مجرد أن تتخيلوا، تخصيص 17 فرقة عسكرية من الجيش العراقي، الفرقة تتكون من 4 ألوية واللواء من 4 افواج وكل فوج له 4 فصائل، اضافة الى قوات الحرس الجمهوري، والقوات التي كانت بقيادة علي حسن المجيد، يضاف لها المدفعية الثقيلة والمتوسطة وطيران الجيش (الهليكوبترات) والطائرات المقاتلة (القوة الجوية)، كل هذه الجحافل هاجمت الكورد العزل عبر 95 اتجاهاً وبـ 75 رتلاً لطرد شعبا بأكمله من بيوتهم ومدنهم وقراهم وأراضيهم الى خارج الحدود باتجاه اراضي البلدان المجاورة؟ أليست هذه جريمة تاريخية لا تغتفر، بل ان الخزرجي يفتخر بان نتائج هذه العمليات كانت، حسب قول الخزرجي، تنظيف الشمال من الاكراد والعالم، ويعني العراقيين من باقي المحافظات، صاروا يذهبون ليتمتعوا في المناطق التي طُرد منها اهلها الاصليون.
مقدم البرنامج، الذي حاور الخزرجي، يقول له "اعتبرت عمليات الانفال من أكثر العمليات العسكرية دموية وابادة جماعية حصلت هناك، وحسب منظمة هيومن رايتس ووج، (منظمة مراقبة حقوق الانسان) المستقلة، وهي غير تابعة للنظام العراقي، تحدثت عام 1991، عن عدد ضحايا العمليات الذي تراوح ما بين 50 الى 100 ألف، بينما اكد هوشيار زيباري بان عدد الضحايا الحقيقي من الكورد هو 180 الف كوردي". وياتي الرد من قبل الخزرجي وبلغة الاستخفاف بالحقائق بان "هذا الكلام غير صحيح والهدف منه كان شيطنة الدولة العراقية"، وليست هناك اية ضحايا، فالهجوم تم على بضعة قرى وسكانها اما هربوا او تم القاء القبض عليهم.. اي استخفاف هذا بعقل الجمهور؟ وأي تزوير للحقائق التاريخية؟ 17 فرقة من الجيش العراقي تطرد شعباً باكمله وليست هناك أية ضحايا؟.
حديث رئيس اركان الجيش العراقي الاسبق، الفريق الاول الركن نزار الخزرجي، يعد وثيقة عن هول الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحق شعبنا الكوردي، جرائم ترقى الى الابادة الجماعية والتهجير وتغيير ديموغرافية اقليم كوردستان. والحديث، ايضاً، يعد تزويراً مؤكداً للتاريخ.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً