معد فياض
تعيد الحكومة المركزية ببغداد، ومعها البرلمان، ذات الخطأ التاريخي الفادح الذي أقترفه النظام السابق، وبالتحديد رئيس النظام صدام حسين، عندما وقع اتفاقية الجزائر، سيئة الصيت، مع شاه ايران محمد رضا بهلوي عام 1975 والتي تنازل بموجبها عن حقوق تاريخية وسيادية تهم الشعب العراقي في الاراضي ومياه شط العرب مقابل محاصرة الشاه للثورة الكوردية في كوردستان العراق، تلك الاتفاقية التي قادت بعد خمس سنوات لأسوء حرب بين العراق وايران استمرت لثمان سنوات (1980- 1988) وكبدت الطرفين اكثر من مليونين ضحية وتدمير البنية التحتية، في العراق خاصة، اضافة الى اهدار مليارات الدولارات، وهذه بدورها دفعت نظام صدام حسين لغزو الكويت وتدمير العراق حتى اليوم.
حدث ذلك بعد مرور خمس سنوات على توقيع القيادة العراقية، او قيادة حزب البعث اتفاق الحكم الذاتي مع القيادة الكوردية المتمثلة بالزعيم ملا مصطفى بارزاني وبالتحديد في (11 آذار 1970)، والتي سميت باتفاقية الحكم الذاتي للكورد، أو بيان (11 آذار 1970) أو اتفاق السلام لعام 1970، هذه الاتفاقية التاريخية التي اعترفت بموجبها الحكومة العراقية ولاول مرة بحقوق الكورد ومنحتهم حق إنشاء منطقة حكم ذاتي، تتألف من المحافظات الكردية الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك والمناطق المتاخمة، كركوك وبقية المناطق الأخرى التي حددت حسب التعداد السكاني بأن لها أغلبية كردية. و نصت أيضاً على تمثيل الكورد في الهيئات الحكومية، على أن تنفذ هذه الخطة في أربع سنوات.
اعتبرت هذه الاتفاقية أهم خطوة لحسم الصراع بين الحكومة المركزية والكورد الذين خاضوا ثورة جبارة لنيل حقوقهم القومية. وفيها اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية للكورد مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في الحكومة العراقية واستعمال اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية، ولكن لم يحصل وقتها حل حاسم بشأن قضية كركوك التي بقيت عالقة بانتظار نتائج إحصاءات لمعرفة نسبة القوميات المختلفة في محافظة كركوك.
وبدلاً من تنفذ القيادة البعثية المتمثلة بمجلس يادة الثورة اتفاقية آذار 1970، وتمنح الكورد حقوقهم غدرت بهم من خلال اتفاقية الجزائر التي دمرت العراق. والخطأ التاريخي الفادح الذي اشرنا اليه في مقدمة مقالنا هذا هو انه كان على صدام حسين الاتفاق مع الكورد العراقيين، وهم جزء مهم ومؤثر من الشعب العراقي، ومنحهم حقوقهم القومية وفقاً لاتفاقية آذار لضمان امن الشعب الكوردي واستقرارهم، وهو جزء مهم من امن واستقرار العراق كله، وهذا الضمان لا يعد تنازلا لدولة اجنبية ولا ضياع حقوق سيادية بل كانت ستكون ضمن حدود البيت العراقي الواحد وتؤمن وحدة الشعب العراقي وحياة الكورد وعوائلهم بدلا من قتلهم ودفنهم احياء وبابشع الطرق، ولكان العراق قد تجنب الحرب مع ايران وغزو الكويت وخراب مستقبله ومستقبل اجياله.
اليوم نشهد تنازل الحكومة المركزية عن اراضي ومياه عراقية للكويت بذريعة تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي 833 لسنة 1993، وبكل طواعية، مع ان هناك العديد من دول العلم لم تلتزم بقرارات مجلس الامن، وكان على العراق ان يطرق مئات الابواب، وبصورة قانونية ودبلوماسية، ليبرهن بان مجلس الامن كان قد استعان بوثائق وخرائط غير حقيقية، وان نظام صدام حسين الذي كان يشكل خطرا على الكويت قد ولى، وان هذا القرار السيء الصيت يشكل عقوبة دائمة للعراقيين، وسيبقى بمثابة القنبلة الموقوتة التي تهدد الكويت اكثر من تهديدها للعراق.
الحكومة المركزية لم تجد صعوبة بالتنازل عن حقوق سيادية لدول اخرى، الكويت وقبلها ايران، لكنها تضع الالغام بطريق تنفيذ المادة 140 الدستورية والتي من شأنها ان تحل العديد من المشاكل بين المحافظات العراقية عامة وموضوع كركوك واقليم كوردستان والمناطق المشمولة بهذه المادة التي اقرها الدستور العراقي وصوت عليه العراقيون عام 2005، حيث بذلت حكومات اقليم كوردستان المتعاقبة الكثير من الجهود من خلال وزارة المناطق المتنازع عليها واختصرت المسافات لتنفيذ المادة 140 وصرفت تعويضات للعوائل العربية الوافدة الى كركوك مقابل عودتها الى محافظاتها الاصلية، وباشرت بإجراء الاستفتاء والإحصاء لمعرفة نسبة الكورد والعرب في المحافظة. لكن الغريب في الأمر ان الحومة المركزية وكذلك المحلية في كركوك، وضعت العراقيل لتنفيذ المادة 140، وساعدت العوائل العربية الوافدة التي حصلت على التعويضات بالعودة الى كركوك، والاكثر من هذا التجاوزات التي تنفذ ضد المزارعين الكورد وسلبهم اراضيهم بقوة السلاح، واستمرار تنفيذ سياسة التغيير الديموغرافي في المحافظة لصالح العرب، الشيعة خاصة، على حساب اهلها الاصليين.
كنت اتمنى ان اصف الحكومة العراقية بالحكومة الاتحادية، وكذلك البرلمان العراقي، لكن للاسف ان من يتحكم بالامور وبالقرارات المصيرية ومنذ اكثر من 20 عاما هو صوت واحد، الصوت السياسي الشيعي ، خاصة راهناً وبعد تشكيل الاطار التنسيقي، الذي يسيطر على مجلسي الوزراء والنواب بحكم المحاصصة البغيضة وتغليب اعدادهم على السنة والكورد المتحالفين مع الاطار ضمن ما يسمى بإدارة الدولة. وبذلك يتحمل الاطار التنسيقي مسؤولية جميع القرارات المصيرية التي تتحكم بحاضر ومستقبل العراق.
نقول ان كركوك عراقية، حتى وان تبعت لاقليم كوردستان، بحكم المادة 140 بعد إجراء الاستفتاء والاحصاء بصورة مشروعة وبلا تزييف في السجلات او الواقع السكاني، وسيكون حالها مثلما اربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، وتنفيذ المادة 140 الدستورية لا يعد تنازلا عن اراضي سيادية لدولة خارجية، بل هو بمثابة الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى العهود والمواثيق التي وقعتها وقطعتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 وحتى اليوم، عكس ذلك فسوف نتذكر اتفاقية آذار عام 1970 التي غدرت بها وبالكورد الحكومة المركزية وقتذاك، كما يتم اليوم الغذر بالمادة 140 الدستورية، وسنتذكر تنازل النظام السابق عن الأراضي العراقية لايران والكويت، وعدم منح الكورد حقوقهم، تماما مثلما تتنازل الحكومة المركزية اليوم عن اراضي ومياه العراق للاخرين، بدلاً من الحفاظ على الوحدة الداخلية ومنح الكورد حقوقهم كاملة وبدلا من التنازل عن حقوق سيادية لدول أخرى.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً