عندما اسمع او أقرأ مفردة "الامبراطوريات" يتبادر الى ذهني اسم "الديناصورات"، فالامبراطوريات اليوم تقترن بالديناصورات التي انقرضت منذ مئات الاف السنين والهياكل العظمية لبعضها محفوظة في متاحف التاريخ الطبيعي حول العالم، تماما مثلما تحفظ الجمعيات الجغرافية والتاريخية خرائط وقصص بعض الامبراطوريات التي حكمت الدنيا في شرق الكرة الارضية وغربها وشمالها وجنوبها.
لكن هناك اليوم من يريد اعادة عصر الامبراطوريات وبث الروح في خرائطها المحنطة على جدران وفي رفوف الاكاديميات والجمعيات والمكتبات والمتاحف، والاستنجاد باطلالها وامجاد غابرة صارت جزءا من التاريخ ليس إلا.
ايران وتركيا تعملان بجد واجتهاد ميؤوس منه لاعادة امجاد الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية، يحدث هذا في عصر الفتوحات العلمية الجبارة واستكشاف كوكب المريخ واختصار العالم في جهاز الموبايل الذكي وشاشات الكمبيوترات، وعصر الانفتاح بين شعوب المعمورة مهما تباعدوا جغرافيا.
وايضا يحدث هذا في العالم الاسلامي فقط حيث يسخر القادة السياسيون والروحانيون ورجال الدين ورواة الاحاديث والحكايات في هذه الامبراطوريات المنقرضة كل ما في وسعهم للعودة كدينوصارات لاهثة تهرول توا من متاحف التاريخ الطبيعي، على شاكلة الفلم الشهير (العالم المفقود - الحديقة الجوراسية The Lost World:Jurassic Park ، وهو اشهر افلام الخيال العلمي الأميركية وأنتج عام 1997، وهو جزء من سلسلة أفلام الحديقة الجوراسية للمخرج ستيفن سبيلبرغ.
يحدث هذا في الشرق الذي أدمن قصص الخيال وحكايات الف ليلة وليلة وسطر الامجاد بتضخيم الروايات وتزييف التأريخ السياسي والديني والقومي وأظهر الملوك مثل الآلهة الهابطة من سماوات مبهمة، داعمين كل هذا الزيف بالاساطير الدينية بدءا بملك أوروك كلكامش مرورا وليس انتهاء بالخلفاء المزعومين الذين يرتدون اليوم بدلات اوربية انيقة او لباس رجال الدين، ونعني بهذا الشرق، ايضا، الهند والصين واليابان. لكن الفرق هنا هو ان الصين واليابن تصنعان امجاد امبراطوريات اخرى، هي امبراطوريات العلم والصناعة والبناء الخلاق.
نعم كانت هناك امبراطوريات جبارة موزعة على خريطة العالم كله، امبراطوريات موغلة بالقدم واخرى معاصرة، بدأت في الصين وانتهت في الامبراطورية العباسية والعثمانية، مرورا بالفارسية. هذا قبل ان تقوم امبراطورية روسيا القيصرية، التي تحولت الى امبراطورية للعلم والثقافة والبناء، والانكليزية او البريطانية (بريطانيا العظمى) التي حكمت ثلث العالم تقريبا، ثم عادت عبر بوابات العلوم والبناء والانجازات الكبرى، وهكذا تفعل الولايات المتحدة التي اسست امبراطوريتها الحديثة عن طريق العلوم واكتشافات الفضاء.
هذه ليست دراسة عن تاريخ الامبراطوريات بقدر ما نريد هنا ان نذكر بعظمة هذه الامبراطوريات وقوتها، كما هو الحال بقوة الديناصورات، التي انتهت وآل مصيرها الى المتاحف وادراج المكتبات، وأن العصر الحاضر لا يحتمل عودة اية امبراطورية تقوم على اساس احتلال البلدان الاخرى واخضاع شعوبها وسرقة ثرواتها بواسطة القوة، مثلما تحاول كل من ايران وتركيا لاعادة المجد للامبراطوريتين الفارسية والعثمانية.
اليوم يعيش العالم عصر امبراطوريات العلم والاكتشافات الكونية والاختراعات العجيبة، عصر امبراطورية واحدة وهي الامبراطورية الانسانية التي تكفل التعايش السلمي بين الشعوب وتبادل الخبرات وسيادة المنجزات من اجل ان يبقى كوكب الارض حيا. ولنأخذ مثلا نعيشه اليوم، وهو انتشار فايروس كوفيد 19 الذي ادى الى مقتل مئات الالاف من البشر دون التمييز في اللون والقومية والدين والمعتقدات والتوجهات السياسية، وكيف ان العلماء في جميع انحاء العالم، المتقدم خاصة، عملوا ليلا ونهارا من اجل التوصل الى اللقاحات الرادعة لانتشار فايروس كورونا القاتل لانقاذ البشرية جمعاء دون ادعاءات او شعارات فارغة. هذه هي الامبراطورية النبيلة الحقيقية التي تجمع بين الشعوب والبلدان، اما بقية ما تسمى بالامبراطوريات فهي محنطة في كتب الاساطير، ليس إلا.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً