الوضع الحالي في سوريا يمثل تهديداً كبيراً على الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، وعلى دول الجوار مثل العراق بشكل خاص وربما حتى لبنان.
فالصراعات والأحداث المتصاعدة تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وتزيد من التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة، فضلاً عن احتمال حدوث معارك جديدة بين أطراف متعددة في ظل عدم حسم الدول المتداخلة للشأن السوري لهذا الصراع، لأن روسيا لم تدعم النظام السوري في معركة حلب، وتركيا التي تدعم قوات المعارضة لم تصرح هذه المرة بأنها تتبنى هذه المعارك. هذا عدا أن الجهة التي تقود هذه الحملة هي (هيئة تحرير الشام) وهو تقريباً الفرع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي. كما أن حلب تعتبر سوريا المصغرة ففيها كل الإثنيات والمكونات السورية وعدة فصائل مسلحة مختلفة.
الأحداث الأخيرة في حلب ألقت بظلالها على سوريا بأكملها، ولكنها تركت تأثيراً كبيراً على الشعب الكوردي بشكل خاص. فعشرات الآلاف من العوائل الكوردية اضطرت إلى النزوح نحو مناطق شرق الفرات من مدينة حلب أو ريف حلب، وغالبية هؤلاء أصلاً من مهجري عفرين الذين فروا منها بعد سيطرة المعارضة السورية التابعة لتركيا على تلك المناطق سنة 2018، هرباً من أعمال العنف وانعدام الامن والأمان. هذه الأحداث تركت بصمة واضحة على مدينة عفرين، التي كانت من أكثر المناطق تأثراً، حيث عانى سكانها من تداعيات مباشرة على حياتهم اليومية وأمنهم.
تزايد هذه التوترات يؤكد الحاجة الملحة إلى إيجاد حلول سياسية جذرية على مستوى زعماء الدول العظمى أولاً والدول الإقليمية المؤثرة ثانياً، كون الجهات السورية عبارة عن أدوات صراع لتلك الدول، لذلك أي حلف أو استمرار أي حرب أو إيقافها مرهون باتفاق الدول الداعمة لجهات الصراع السورية.
أخطر ما ينتج عن المعارك الأخيرة، يمكن في عدة نقاط وهي:
1- يشهد السوريون أكبر حالة انقسام داخلي منذ العام 2011 وحتى الآن، فحتى المعارضون هناك من يعترض على سيطرة المعارضة بسبب وجود هيئة تحرير الشام، وهناك من يقول بأن هذه العمليات هي لصالح السياسات التركية التي تريد الضغط على نظام الأسد لتتصالح معه، لذلك في حال حدوث أي تطبيع بين الأسد وأردوغان، ربما ترفع تركيا يدها عنهم وتتركهم فريسة سهلة للنظام السوري وبالتالي حدوث مجازر كبيرة.
2- هذا السيناريو شبيه في نقاط كثيرة بسيناريو سقوط الموصل بيد داعش سنة 2014، ولكن الفارق أن المعارضة السورية هذه المرة جزء من الحرب وليس فقط أن تنظيم إرهابي يقود العملية، ما يعني أن الحالة لها تقبل شعبي من قبل معارضي الأسد.
3- النظام السوري ووكالات عالمية أكدت وصول عناصر من الحشد الشعبي العراقي إلى سوريا لمساندة جيش النظام رغم نفي الداخلية العراقية غير المقنع، وهذا يعني زيادة أذرع إيران التي ستتلقى الضربات من الولايات المتحدة وإسرائيل المشغولتان بإزالة كل النفوذ الإيراني من سوريا بعد أحداث السابع من أكتوبر في إسرائيل.
4- احتمال حدوث معارك بين قوات سوريا الديمقراطية مع المعارضة السورية التي سيطرت على مناطق عديدة لسوريا الديمقراطية والتي ربما تطالب بالتوسع أكثر فتتعرض لمواجهة مسلحة.
5- احتمال حدوث معارك بين قوات سوريا الديمقراطية بطلب أميركي وميليشيات إيرانية تحاول التسلل من الحدود العراقية.
6- عدا كل ما سبق، فإن هجرة ونزوح مئات الآلاف مازال مستمراً وقابلاً للتزايد، خاصة ربما تتعرض بعض المناطق لخروقات مسلحة على أسس طائفية وانتقام عرقي.
الحلول تكمن في موقف حاسم للولايات المتحدة لإجبار أطراف الصراع على حلحلحة الأمور، وهذا غير ممكن حالياً حتى 20 كانون الثاني المقبل وتسلم دونالد ترمب للرئاسة الأميركية، ما يعني أننا أمام شهر ونص إضافي لهكذا أحداث مأساوية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً