رووداو ديجيتال
في مدينة إدلب في شمال غرب سوريا، يجد آلاف الشبان في متابعة بطولة محلية لكرة القدم متنفساً في منطقة أنهكت سنوات الحرب الطويلة سكانها الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة.
ليل الجمعة، حضر المباراة الختامية لبطولة "كأس الشهداء"، التي شارك فيها 36 فريقا محلياً من مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة السورية، أكثر من عشرة آلاف متفرّج، ضاق بهم استاد إدلب الرياضي.
ويقول المشجع محمّد الزير (28 سنة) الذي لم يتمالك نفسه بعد فوز فريقه المفضل لوكالة فرانس برس "سعيد جداً بالحضور الجماهيري الغفير، وبأن الرياضة أصبحت المتنفس الوحيد لنا".
ويضيف "في ظل الظروف الصعبة التي عشناها خلال السنوات العشر الماضية من حرب وتدمير وتفجيرات، فإن أي حدث رياضي يشكّل فرحة كبيرة لنا".
ويقطن نحو ثلاثة ملايين شخص، غالبيتهم من النازحين، في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) في محافظة إدلب، بينما يقيم 1,1 مليون في مناطق تحت سيطرة فصائل موالية لأنقرة في شمال محافظة حلب المحاذية.
ويعيش سكان تلك المناطق المكتظة بمخيمات النازحين ظروفاً صعبة، بعد سنوات من النزاع والانهيار الاقتصادي وتفشي الأمراض وفقر متزايد فاقمه الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط. ويعتمدون بالدرجة الأولى على مساعدات تقدمها منظمات محلية ودولية من أجل تأمين احتياجاتهم الرئيسية، فيما تكاد تنعدم وسائل التسلية أو الترفيه.
بعد تضرّره جراء المعارك والقصف، أنهت حكومة الإنقاذ التي تدير مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، نهاية العام الماضي عملية ترميم الملعب، الذي يتسع لـ12 ألف متفرج ويستضيف بطولات محلية وفعاليات رياضية، بشكل مستقل عن البطولات التي يُشرف عليها الاتحاد الرياضي العام في دمشق.
على وقع هتافات التشجيع والتصفيق من المدرجات والتلويح برايات الفريقين، فاز فريق أمية الذي يمثل مدينة إدلب في المباراة الختامية على فريق حمص العدية، الممثل للنازحين من مدينة حمص.
وشكلت مدينة حمص "عاصمة الثورة" في سوريا، إثر انطلاق الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام عام 2011 والتي قمعتها دمشق باستخدام القوة، قبل أن تتحول نزاعاً مدمراً تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص.
وانطلقت النسخة الأولى من بطولة "كأس الشهداء" عام 2021، تكريماً لضحايا الحرب.
"ظروف الحرب"
قبل نحو ثلاث ساعات من ركل كرة البداية، حضر عبدو حمدون (32 سنة) إلى مدرجات الملعب، ليضمن مقعده وإطلالة مناسبة على الملعب ذي الأرضية المخططة بعشب أخضر صناعي، فيما تسلّق آخرون أسوار المدرجات وأسطح الابنية القريبة.
ويقول الشاب الثلاثيني "ظروف سنوات الحرب التي عشناها تدفعنا إلى أن نتابع الدوري المحلي ونشجّع فرقنا".
فور إطلاق صافرة الختام التي أعلنت فوز فريقه المفضّل، ركض حمدون ورفاقه إلى الملعب، ليشاركوا اللاعبين فرحة الفوز بالكأس وجائزة مالية بقيمة خمسة آلاف دولار.
وتحظى كرة القدم، الرياضة الشعبية الأولى في العالم، باهتمام واسع خصوصا لدى فئة الشباب. وما أن انتهت المباراة حتى علت زغردة مشجعات تابعن بشغف مجرياتها وجابت مواكب سيّارة شوارع في المدينة.
ويقول المسؤول في المديرية العامة للرياضة والشباب في حكومة الإنقاذ محمّد سباعي لفرانس برس إن كرة القدم "متنفس للناس بسبب الظروف والضغط الذي يتعرضون له".
في صفوف نادي أمية في إدلب، ترعرع اللاعب يزن حبوش، إذ انتسب إلى صفوفه باكراً عام 2004 واستمر حتى العام 2015، تاريخ سيطرة ائتلاف فصائل معارضة على الجزء الأكبر من محافظة إدلب بعد معارك مع قوات النظام السوري.
وفيما توجّهت إدارة النادي، وكان في عداد فرق الدرجة الأولى، مع العدد الأكبر من لاعبيه إلى مناطق سيطرة النظام، فضّل لاعبون آخرون البقاء في إدلب وإعادة تشكيل الفريق تحت المسمى ذاته، وبينهم حبوش.
ويقول "الشعب الموجود هنا لا يعطي فرحته لأحد. يأتي الى الملعب ليعبر عن مشاعر الكبت" التي يعيشها.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً