سلطان الخطيب لرووداو: إقليم كوردستان يزدحم بالمواقع الأثرية وسننفذ برنامجاً ثقافياً حضارياً في قلعة اربيل

30-07-2023
معد فياض
الكلمات الدالة الثقافة موسيقى أربيل
A+ A-
معد فياض

ينير، المايسترو، سلطان الخطيب، عازف البيانو العالمي والباحث في الانثربولوجيا، خاصة فيما يتعلق بالتاريخ الإبداعي والثقافي لوادي الرافدين، امامنا دروبا معرفية في زوايا التاريخ الإبداعي لبلاد ما بين النهرين، منبهاً إيانا الى نقاط، بل عناوين هي بمثابة مفاتيح لمغاليق وأبواب نمر من خلالها الى شعاع حضارة اضاءت وابتكرت ابداعات موسيقية ومعمارية وتشكيلية منذ سومر التي يمتد تاريخها لأكثر من 7 الاف عام، مروراً ببابل وآشور وحتى قلعة أربيل.
 
برنامج حضاري في قلعة اربيل
 
يصر الخطيب واعتماداً على بحوث ووثائق على اطلاق تسمية "حضارات وادي الرافدين" وليست "حضارة وادي الرافدين"، كونها لا تشبه حضارة الفراعنة او وادي النيل، او الحضارة اليونانية او حتى الفارسية. ففي العراق تأسست وقامت حضارات تلاقحت فيما بينها وتواصلت واستمرت وحافظت على ديمومتها في خطوط تصاعدية.
 
المايسترو والباحث سلطان الخطيب، الذي حلّ ضيفاً على مقر شبكة رووداو الإعلامية في أربيل، كشف لنا، انه "بصدد اقامة عرض ثقافي موسيقي بحثي وتشكيلي هو الأول من نوعه على أرض قلعة اربيل التي تنتمي لحضارة انسانية عمرها اكثر من خمسة الاف عام"، موضحاً ان: "هذا الأسلوب الثقافي من العروض يعد ابتكاراً فنياً جديداً ولا بد ان يُدشن على أرض اثرية وبين جدران تاريخية ووسط اقدم مستوطن بشري في التاريخ الا وهي قلعة اربيل التي استوطنتها سلالات بشرية مختلفة، ابرزهم الكورد، عبر اجيال عديدة واقاموا فيها حضارات مهمة."
 
وكشف الخطيب عن ان: "العرض سوف تتداخل فيه الموسيقى مع محاضرة متخصصة عن علاقة الموسيقى بالأثار والعمارة، كل ذلك في حضرة عروض تشكيلية مجسدة فوق جدران القلعة، يحضر فيها نبوخذ نصر وآشور بانيبال وسرجون الأكدي والآلهة عشتار، بالضوء والصوت وتقنيات رقمية متطورة"، منبها الى انه "بصدد البحث عن مواقع آثارية اخرى في اقليم كوردستان الذي يزدحم بمثل هذه المواقع، ومنها منطقة خنس التابعة لمحافظة دهوك، والتي تعود للحضارة الآشورية."
 

 
جذور الحضارات الانسانية
 
واضاف الخطيب لرووداو قائلاً: "انا اهتمامي الأول بالموسيقى الكلاسيكية، فأنا عازف بيانو، ومتفرغ حالياً لعزف مؤلفات الموسيقار العالمي يوهان اسبستيان باخ، والغوص في موسيقاه وافكاره وحل الرموز التي خلفها لنا كالغاز رياضية ومن خلال بحوث عميقة اجريها منذ 2015، لكن هذا لم يمنعني من ان ابحث في جذور الموسيقى والعمارة والنحت والرسم، وقد وجدت كل هذه نبتت واثمرت منذ البداية في ارض بلاد ما بين النهرين وانطلقت للعالم..حضارتنا هي حضارة انسانية بحتة."، مشيرا الى "انا زرت وما زلت ازور بلدان كثيرة في العالم وفي مقدمة الأماكن التي اتوجه اليها هي المتاحف والمواقع الآثارية، وما من متحف زرته الا ووجدت قاعات شاسعة تعرض آثار ما بين النهرين، سواء في متحف برلين الذي توجد فيه بوابة عشتار وشارع الموكب البابلي الذي تم نقله، مطلع القرن العشرين، كقطع صغيرة بلغ عددها  مئات الالاف من القطع، واعادو بنائها وفق مخططات علمية هندسية في متحف برلين، او المتحف البريطاني في لندن الذي يضم تحف نادرة من آثارنا وابرزها القيثارات السومرية (قيثارات أور)، او متحف اللوفر الذي تنتصب وسطه مسلة حمورابي شامخة، او متحف المتروبوليتان في نيويورك الذي تستقبلك فيه الثيران الاشورية المجنحة"، معقباً بقوله: "اينما ذهبت وذكرت لهم باني من بلاد ما بين النهرين يستقبلوني بحفاوة واشعر بالمزيد من الفخر، ذلك ان حضارة هذه المنطقة هي التي اضاءت الدنيا بانجازاتها المعمارية والموسيقية والثقافية، إذ يكفي ان يكون أول حرف في التاريخ خط في اور عاصمة سومر التي صنعت فيها اول وابرز واكثر الالات الموسيقية تعقيدا وجمالا، القيثارة السومرية، وفي بابل تم اختراع أول بطارية (باتري) في التاريخ وهذه البطارية موجودة في المتحف البريطاني."
 
يهتم سلطان الخطيب بتوثيق الآثار والاعمال الفنية، التشكيلية خاصة، ويجد ان "برامج الـ(أن أف تي)، هو احدث ما توصلت له التقنية الرقمية لحفظ حقوق والتوثيق الدولي للاعمال الفنية والاثارية على المنصات العالمية وذلك من خلال تحويلها الى نوع جديد من (الأصول الرقمية) حيث تحمي العمل الفني من التزوير والسرقة وحقوق وملكيتها"، داعياً "الفنانون العراقيون او جامعوا الاعمال الفنية الى توثيق اعمالهم وفق هذا البرنامج حفاظا على حقوقهم واعمالهم من السرقة والتزوير والمتاجرة بها دون علم الفنان او المالك الاصلي لها."
 
وبالرغم من ان اغلب الحضارات الانسانية استخدمت الموسيقى كوسيلة خلال الممارسات الدينية، الا ان سلطان الخطيب أكد، خلال محاضرة في المركز الاكاديمي باربيل، بان الموسيقى في بلاد الرافدين وجدت كوسيلة حضارية ابداعية للتعبير، ولاستخدامات دينية، ثم انطلقت كممارسة في الحياة اليومية، ولم تكن على الاطلاق حبيسة المعابد والنذور واناشيد الكهنة، فباتت اسلوب حياتي لسكان اور وبابل وثم نينوى"، مصرا على ان "جميع سكان بلاد الرافدين ساهموا وارتبطوا وانتجوا الفنون سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة."
 
ربط الخطيب، في محاضرته الثقافية، بين العمارة والنحت والموسيقى، باعتبارهم من اكثر الابداعات رقيا وتعقيدا وانسانية وبقاءا كآثار شاخصة، باحثا بدقة في بوابة عشتار وشارع الموكب، كعمارة، والثور المجنح، كنحت، والقيثارة السومرية، كموسيقى"، منبها الى ان"الهيبة التي تفرضها بوابة عشتار كتكوين معماري وايضا كانجاز فني حيث اللون الازرق الذي يلون منحوتات ياي عشار وشارع الموكب، إذ كان ولفترات تاريخية قريبة من الصعب الحصول على هذا اللون الذي ينتج عن طريق أكسدة بعض المعادن، وحتى تيجان بنايات شارع الموكب تحمل هذا اللون النبيل." 
 
ينتقل الخطيب من العمارة الى منجز حضاري ابداعي مهم للغاية، الا هو النحت، مسلطا الضوء على الثور المجنح باعتباره عمل اشترك في فكرته الملك ورجال الدين والبلاط ومن ثم النحات الذي انجز العمل، لافتا الى ان "هذه المنحوتة الهائلة تحتاج الى مجموعة من النحاتين وهي منجزة على الصخر اي لم يتم استنساخ قالب للثور المجنح وعمل نماذج مشابهة له، كما ان الفنان الرافديني تصرف بمنظور وفلسفة انجاز الثور بهذه الرموز الدينية والفلسفية التي تجمع بين الفكر والسلطة والقوة والهيمنة(الطيران)."

 

 
القيثارة السومرية
 
ومن خلال الوثائق والصور التي عرضها الخطيب، خلال محاضرته، أكد بان أول آلة موسيقية وترية تم ابداعها وصناعتها في أور، عاصمة سومر، وهي القيثارة السومرية، حيث عرض لنا مجموعة من الآلات الوترية اضافة الى ماكانت تشكله آلة القيثارة السومرية او قيثارة أور والمعروضة في المتحف البريطاني وسط لندن، التي تم اكتشافها عام 1929 ميلادي كآلة وترية متقنة تتكون من صندوق محدد ومحسوب رياضيا بدقة واوتار مصنوعة من امعاء الحيوانات (خروف او ثور)، وماسكات للأوتار، وقد عرفت لدى العالم  بأنها ذات صوت مميز واوتار رنانة، تُعزف على نطاق واسع في سومر ومن ثم في عموم بلاد الرافدين. وذكر ان القيثارة السومرية تطورت من خلال تجارب عملية وعلمية ليتم صناعة مجموعة من القيثارات السومرية المعروفة بمقدمة مصنوعة من رأس الاسد الذهبي، هي قيثارة الملكة، وهناك ستة اشكال اخرى من القيثارات السومرية، بعضها صغير وبعضها برؤوس اسد فضية، وهناك ثلاثة اشكال تشبه السفينة الشراعية، وقيثارات صغيرة يحملها العازف.
 

 
ينبهنا المايسترو سلطان الخطيب الى انه كانت هناك 23 آلة موسيقية وترية في سومر، حسب الرقم الطينية والجداريات المنحوتة، بالاضافة الى القيثارة هناك آلة العود، والتي كانت لها شبيهات مثل الطنبور والربابة والسنطور وحتى الجوزة، واشكالا اخرى، في حين توجد اليوم في العراق اقل من عشرة آلات وترية، مشيرا الى ان العراقيين القدماء اهتموا بمسالة التدوين لايصال هذه المعلومات الى يومنا الراهن، حيث دونوا ورسموا ونحتوا اشكال الآلات الموسيقية وحددوا ابعادها واسلوب العزف عليها وحتى انهم ثبتوا اشكال واحجام كل كرسي او مقعد خاص  يجلس عليه العازف لهذه الالة او تلك.
 
تطرق الخطيب في محاضرته الى كيفية صنع سكان بلاد ما بين النهرين الالات الهوائية مثل الكلارينيت، الناي، مزدوج القصب، او كما يسمى في العراق (المطبك)، والمعروف باسم الناغو، وأنبوب القصب الأحادي (الناي)، المسمى سامو كما وردت في المصادر. كما استخدم سكان بلاد ما بين النهرين أدوات إيقاع مختلفة، بما في ذلك الطبول (مثل الطبلة الهيكلية والدف)، والصنج، والأجراس، معتبرا الالات الايقاعية، الطبول وغيرها، قديمة وبدائية استخدمها الانسان في الغابات او اية مناطق متباعدة خلال الحروب او كوسيلة اتصال.
 
المايسترو سلطان الخطيب الذي عزف البيانو مع فرق سمفونية عراقية وعربية واجنبية، يفاجئنا بمعلومة مهمة تتعلق بترتيب جلوس العازفين في الفرق الموسيقية لبلاد ما بين النهرين، فقد اظهرت لنا المنحوتات والوثائق لجميع الحضارات شخص او اثنين لاداء معزوفة ما، بينما نشاهد في منحوتات بلاد ما بين النهرين وجود فرقة متكاملة تضم عازفين لعدة آلات موسيقية، وتوزيع جلوس اعضاء الفرقة مشابه لتوزيع العازفين في الفرقة السمفونية المعاصرة وحسب آلاتهم الموسيقية، الوتريات والهوائيات وغيرها، وترتيب جلوسهم متقابل، وهذا يؤشر مدى تطور الموسيقى في بلاد ما بين النهرين.
 
الجدير بالذكر ان سلطان الخطيب، كان قد درس الموسيقى، آلة البيانو، في مدرسة الموسيقى والبالية ببغداد قبل ان يذهب الى هنغاريا ليتلقى دراسته العليا في أكاديمية (فرانس ليست) الموسيقية في ودابست، واعتبرته اذاعة الـ (بي بي سي) البريطانية عام 1994، واحدا من أهم خمسة عازفين أسيويين لآلة البيانو، وهو مؤسس وقائد فرقة الكورال الوطنية العراقية، قدم عشرات المحاضرات والأماسي الموسيقية في الجامعات والمراكز الثقافية حول العالم وهو عضو مؤسس لاولمبياد الفن العالمي ومقرها باريس. وقد اختير العازف الوحيد من بين 65 دولة لتقديم حفل في مبنى اليونسكو في باريس لمناسبة تأسيسس أولمبياد الفن العالمي عام 1995. عمل رئيساً لقسم الموسيقى في المجمع الثقافي في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، ومستشارا ثقافيا في قطر.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب