رووداو ديجيتال
كانت ملقية في احد شوارع جانب الرصافة من بغداد، امراة شابة في اوائل العشرينيات من عمرها، تستر جسدها بعبائتها وتحمل حقيبة صغيرة فيها بعض ملابسها وقنينة حليب (رضاعة طفل)، والحيرة ترتسم بوجهها حيث لا تعرف الى اين تذهب.. هذا ليس مشهد من فيلم ماساوي، بل صورة لامراة عراقية تعرضت للعنف الاسري، حيث ضربها زوجها واخذ ابنها ذا الاشهر الثلاث وتركهاهكذا، حسب ما رواها حد ضباط الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، وفضل عدم نشر اسمه كونه يخضع لقوانين عسكرية مشددة.. قال: "مثل هذه المناظر تتكرر واشدها وطأة ان تصل المعنفة، والتي نطلق عليها وصف (الضحية) الى احد مراكزنا وحالتها مزرية".
وحسب ناشطتان في منظمات نسوية عراقية، من بغداد واربيل، فإن النساء العراقيات، بضمنهن في اقليم كوردستان، وبمختلف الاعمار، بيبنهن مراهقات ومسنات، يتعرضن باستمرار لانواع من العنف الاسري والتحرش الجنسي، ويساهم المجتمع بصورة عامة في هذه الممارسات المأساوية.
غياب القوانين الرادعة
شميران ميروكل، سكرتيرة رابطة المرأة العراقية، ورئيسة شبكة (حقي) للمدافعات عن حقوق الانسان أوضحت بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأ، الذي يصادف اليوم " لا تتوفر لدينا احصائيات دقيقة عن اعداد النساء اللواتي يتعرضن يوميا للعتف الاسري والتحرش الجنسي، لكننا في حياتنا اليومية نلمس ونسمع ونشاهد ما لا يقل عن 5% من الحوادث الواقعية عن هذا العنف الذي تتعرض له المرأة العراقية، ولنا ان نتصور ما هو الحجم الحقيقي لما هو مستور من هذه الحوادث".
وقالت شميران مروكل لشبكة رووداو اليوم، الاثنين 25 تشرين الثاني 2024، ان:" العادات والتقاليد والخوف من العائلة ومن الشخص الذي يعتدي او يُعنف المرأة ومن المجتمع عدم التبليغ عن هذه الحوادث حيث تمنع اتقاليد والعادات والخوف المراة من التبليغ عن زوجها او والدها او اخوانها، وحتى النساء الكبيرات يتعرضن للعنف من قبل ابنائهن، لذلك لا يتم الاعلان عنه".
موضحة" من الممكن الحصول على احصائيات قريبة من الواقع عن المعنفات من مراكز الشرطة او الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، اما الحجم الحقيقي فلن نستطيع معرفته". منوهة الى ان:" اشكال تعنيف المرأة في المجتمع العراقي متعددة، تتمثل في التعنيف اللفظي الى العنف الجسدي والاعتداء الجنسي والتحرش الجنسي في مواقع العمل.. وحتى في داخل الاسرة هناك تحرش اكثر قسوة مثل زنا المحارم ويتمثل بتحرش الاب بابنته او الاخ باخته او العم والخال وحتى الجد احيانا، وهناك وثائق رسمية بهذه الحوادث، وهذه جرائم وهذا مسكوت عنها وتعالج في بعض الاحيان بقتل الضحية من قبل العائلة للحفاظ على سمعتها".
ونبهت سكرتيرة رابطة المرأة العراقية الى انه "في بعض فقرات قانون العقوبات العراقي يساعد الجاني وينتصر له ضد المجني عليها حيث يُسقط عقوبة المغتصب اذا تزوج ضحيته التي اغتصبها وهذه اقسى عقوبة للفتاة او المرأة اذا ما عرفنا ان جريمة الاغتصاب هي اقسى الجرائم بالنسبة للفتاة وتبقى تعاني منها نفسيا طوال حياتها وستموت في اليوم الف مرة عندما يمنح القضاء الحق للجلاد بمعاشرة ضحيته والعيش سوية، وهناك من تفضل الانتحار على ان تستمر يالعيش مع المجرم الذي اغتصبها".
واستطردت بقولها: "من الناحية الواقعية واقعيا فان المجتمع والعائلة والقانون لا يحمي الفتاة المُغتصبة لهذا تضطر، الشابة المُغتصبة وبضغط اجتماعي القبول بحل الزواج من مغتصبها..وهذا يعني ان قانون العقوبات العراقي يشرعن العنف ضد المراة، ايضا بمنح الحق للزوج بتاديب زوجته، ونحن كرابطة المراة العراقية قدمنا طعن امام المحكمة ضد هذه الفقرة، وجاء قرار القاضي بان التأديب لا يعني العنف باعتبار التاديب فيه درجات من الصفعة الى كسر يدها او ساقها او يفقأ عينها والتسبب بعاهة مستديمة لها".
وكشفت شميران مروكل، رئيسة شبكة (حقي) للمدافعات عن حقوق الانسان عن انه "في العراق لا توجد قوانين لمناهظة العنف الاسري، ومسودة هذا القانون تنمام في ادراج البرلمان العراقي منذ سنوات ولا احد يقلبه ويناقشه ، بل ان البرلمان بدلا من مناقشة قانون العنف الاسري راح يعمل على ما يسمى بتعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي يحافظ على حقوق المراة والاسرة وتجريده من ايجابياته".
وختمت سكرتيرة رابطة المرأة العراقية حديثها بقولها:" نحن نساعد احيانا ضحايا العنف الاسري، لكننا غير قادرين على فتح بيوت آمنة لايواء المعنفات لان هناك من سيتهمنا بقتح بيوت مشبوهة مثلما فعلوا مع احدى المنظمات النسوية التي فتحت بالفعل بيت آمن للمعنفات ببغداد واتهموها بفتح بيت دعارة وتم اغلاقه، كما ان هناك بيوت محدودة وغير كافية فتحتها الدولة للمعنفات".
قوانين الإقليم لا تمنع التعنيف
لكن الاوضاع في اقليم كوردستان، بالنسبة للنساء المعنفات، افضل بقليل عن باقي مناطق العراق، وهذا لا يعني ان المعنفة في مدن الاقليم تعيش في فردوس، وهذا ما تكشفه الطبيبة النفسانية بيان قادر كلالي، نائبة رئيسة منظمة إيماالنسوية (إيما باللغة الكردية تعني“نحن) التي مقرها في اربيل، والتي اوضحت" نحن منظمة نسوية نعمل في اقليم كوردستان واحيانا في سنجار (شنكال) والموصل وبغداد وكركوك، ونحن جزء من تحالف 188 المناهض لتعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959".
وتابعت: "نحن نعمل على ثلاث مستويات، تقديم الخدمات للنساء المعنفات، حماية وتقديم الخدمات والتأهيل والعلاج الجسدي والنفسي، فانا كان اختصاصي الطبي لامراض النسائية لمدة 15 سنة وتخصصت خارج العراق بالطب النفسي، وحاليا مستشارة نفسية، واعمل على تأهيل المرأة وتمكينها، لان اكثر المعنفات يكن في حالة نفسية صعبة للغاية، بحيث لا تستطيع الانسجام مع المجتمع او ان تتمكن من العمل ، وتحتاج مرات لاستشارات قانونية او الوصول الى المحكمة وتنظيم اوضلغعل القانونية".
بيان كلالي قالت لشبكة رووداو بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، اليوم الاثنين، 25 تشرين الثاني 2024، ان "اشكال العنف الذي تتعرض له المراة في اقليم كوردستان يتمثل في العنف الاسري، والتحرش الجنسي خاصة في اماكن العمل، ذلك ان غالبية النساء، الشابات خاصة يعملن اليوم في القطاع الخاص بسبب عدم وجود فرص عمل لدى الحكومة، ونحن نعرف ان المرأة العاملة في مؤسسات الحكومة محمية على العكس من مثيلتها التي تعمل لدى القطاع الخاص والتي غالبا ما تتعرض للتحرش من قبل اصحاب العمل".
ونبّهت إلى أن "أحد اشكال العنف ضد النساء في منطقة سنجار (شنكال)، خاصة الايزيديات، شعورهن بالعزلة في المخيمات منذ 10 سنوات ولم تستطعن العودة الى حياتهن الطبيعية وبيوتهن في سنجار، والعالم لم يعد مغلق والشابة عندما تتصفح الانترنيت ووسائط التواصل الاجتماعي وتجد نفسها محرومة من كل فرص وامتيازات السعادة، لهذا تفكر بالانتخار، وهذا ما حدث في اكثر من حالة".
وعن القوانين المشرعة لحماية المرأة من التعنيف في اقليم كوردستان، اوضحت نائبة رئيسة منظمة إيما أن "القوانين موجودة ، ونحن كمنظمة عملنا بجهد من اجل تشريع قوانين ضد العنف الاسري وكذلك لتعديل قانون الاحوال الشخصية بما يحمي حقوق المرأة، وضمن قوانين العنف الاسري هناك مواد للحماية من الابتزاز الاليكتروني بواسطة وسائط التواصل الاجتماعي، وفي منظمتنا عندنا قانون (السلوك) وهذا موجود في اوربا، وهو تطبيق سياسة ضد التحرش بالنسبة للعاملين معنا حيث يوقعون على عقد لتطبيق هذه السياسة، فاذا قام اي من العاملين معنا بالتحرش يفصل من العمل ويقدم للعدالة، ومثل هذ السياسة غير موجودة في القطاع الخاص ويجب ان يتضمن قانون العمل مثل هذه الفقرة".
واكدت بيان قادر كلالي وجود" ملاجئ آمنة لحماية المعنفات في اربيل والسليمانية ودهوك، وهي بيوت تابعة لحكومة اقليم كوردستان وتقيم فيها عدد كبير من المعنفات، في اربيل توجد 40 امراة، يتعمن بخدمات فندقية وصحية توفرها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بينما توفر وزارة الداخلية حماية هذه البيوت من الخارج".
وعن نوع العنف الذي تتعرض له المرا’ في اقليم كوردستان، قالت كلالي:" هناك فرق بين العنف الذي تتعرض له المراة في الريف والذي يصل حد القتل ولكن باعذار واهية ومكشوفة، مثل تعرضها للغرق عن عمد او الادعاء انها انتحرت حرقا.. والعنف الجسدي موجود في القرى اكثر منه في المدينة التي تعاني فيها المرأة من اللعنف اللفظي والتحرش الجنسي".
الشرطة المجتمعية
ضابط الشرطة المجتمعية الذي استهل هذا الموضوع بقصة الشابة الملقاة في احد شوارع جانب الرصافة ببغداد، اوضح لشلكة رووداو بان:" الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية هي جهة استشارية، يتوفر خط ساخن، وحلقة وصل بين الجهات المعنية، مثلا امرأة معنفة، تركوها ابنائها في الشارع، ممكن ان تاخذها الشرطة المجتمعية ويقيمون لها قضية في دائرة العنف الاسري في وزارة الداخلية وفيها قضايا جزائية ومحكمة تنظر فيها".
وأوضح أنه "لا يوجد في العراق قانون خاص بالعنف الاسري ونخضع لقانون العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1960 المعدل، وتخضع قضايا التعنيف لهذا القانون فهناك جاني ومجني عليه ويتم احالة الجاني للقضاء الذي سيكلف محامي الذي يقدم مدفوعاته، واذا وجده القاضي مذنبا فسوف ياخذ جزائه حسب القوانين".
وأردف: "نحن نتحدث عن المراة المعنفة في حال تركت المنزل وذهبت الى مركز الشرطة لتقديم الشكوى ضد زوجها او والدها او شقيقها، ومنا أسال: كم زوج يقبل على نفسه ان تذهب زوجته وتشتكي عليه في مركز الشرطة، ان تشتكي على ابوها او اخوها او على امها ..مجتمعنا ضد هذه الممارسات، وتبقى المرأة تتحمل التعنيف حرصا على سمعة العائلة".
ونوه ضابط الشرطة المجتمعية قائلا: "ان اي حالة اعتداء على المراة او وقع عليها الحيف من قبل ابنائها او زوجها يمكن ان تتدخل دائرة العنف الاسري لاصلاح ذات البين ومحاولة اعادتها لبيتها، هذا على سبيل المثال، ويمكن ان يعرضوا اوراقها للجهات المعنية لقاضي التحقيق الذي يبت بامرها". كاشفا عن وجود بيوت آمنة (ملاجئ) رسمية في حي الصليخ بجانب الرصافة من بغداد يستقبل المعنفات (الضحايا) لفترة محدودة لا تتجاوز الثلاث اشهر، والبنات (الاحداث) يوضعن في (دار الاناث)".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً