معد فياض
تبقى مشكلة رؤساء جمهورية العراق هي مقارنتهم بشخصية واسلوب عمل جلال طالباني، أول رئيس جمهورية كوردي في تاريخ العراق، والذي تم انتخابه بالاجماع لولايتين بعد 2003، هذا السياسي الذي غامر وتقبل المسؤولية بعد آخر رئيس جمهورية، صدام حسين، الذي كان مثار جدل في العالم لاكثر من 35 عام، واستطاع(طالباني) ان يغير بحكمته صورة نمط السيد الرئيس ويكون قريبا من الشعب العراقي دون ان إثارة اية ازمات، بل على العكس من ذلك كان حلال الازمات ومذيب جليدها.
لكن الامر قد يختلف مع الرئيس الكوردي الرابع لجمهورية العراق، لطيف رشيد، الذي دعم ترشيحه بقوة الرئيس مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني لمعرفته بتاريخه وبشخصيته الهادئة غير المثيرة للجدل، وكونه كان الاكثر قربا لطالباني حزبيا وسياسيا وعائليا، بل لنا ان نقول هو التلميذ الذي كان الاكثر ملاصقة لمعلمه طالباني، مع مراعاة الاختلافات الشخصية.
رشيد المولود في السليمانية عام 1944، والحاصل على شهادة الدكتوراة في هندسة نظم الري من جامعة مانشستر في انجلترا، عام 1976 وبدأت مسيرته السياسية في ستينيات القرن الماضي، عندما انضم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أسسه ملا مصطفى بارزاني، وأصبح عضواً فاعلاً فيه ومن ثم قيادياً في جمعية الطلبة الأكراد في أوروبا، قبل ان ينشق عن الحزب متبعا خطى معلمه، طالباني ويشارك في الاجتماعات واللقاءات الخاصة بتشكيل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والتحق به بعد تشكيله، واختير ليكون مندوباً للحزب في بريطانيا وممثلاً له في عدد من الدول الأوروبية.
تعرفت على لطيف رشيد في نهاية التسعينيات في لندن، حيث كان فؤاد معصوم ممثلا عن الاتحاد الوطني الكوردستاني بينما كان رشيد فاعلا في علاقات الحزب وحضور المؤتمرات والندوات التي تقام في انجلترا وايرلندا الشمالية عن الوضع العراقي، اضافة الى النقاشات التي كانت تعقد في مبنى البرلمان البريطاني لمناقشة اوضاع العراق عامة والكورد خاصة، وكان آخر مؤتمر للمعارضة العراقية، قبل تغيير النظام العراقي، الذي نشط خلاله رشيد، هو مؤتمر لندن الذي عُقد في كانون الاول عام 2002 بفندق المتروبوليتان بشارع الادجور روود وسط العاصمة البريطانية.
طوال سنوات عمله السياسي، قبل وبعد تغيير النظام، عُرف عن رشيد هدوئه، ودقة تنظيمه، وحنكته في حل المشاكل والازمات، ولم يكن مندفعا او مستفزا للاخرين سواء في تصرفاته او تصريحاته لهذا لم يتعمد ان يكون في واجهة الاحداث من حيث المكان وإن كان مؤثرا فيما يحدث، وكان يعمل الى جانب زعيمه الحزبي، طالباني، وليس في منطقة ظله، وفي غالبية اللقاءات التي كانت تجمعني معمام جلال والتي حضرها رشيد، كان الرئيس الاسبق ومؤسس الاتحاد الوطني الكوردستاني يعتمد عليه في الكثير من المهمات التي تحتاج الى شخص هادئ وياخذ باستشاراته، وفي لقاء جمعنا في مصيف دوكان، سالت مام جلال ان كان يتعامل مع رشيد باعتباره عديله واحد افراد عائلته، اجاب قائلا" لطيف رشيد عضو قيادى في الاتحاد الوطني، بل هو من مؤسسي الحزب، وانا اعتمد عليه بمهمات صعبة، سواء خارجية او داخلية، وتحتاج الى شخص يحلها لا ان يعقدها مثلما يفعل البعض".
عُرف عن رشيد، ايضا، ابتعاده عن الظهور الاعلامي وإدلائه بالتصريحات التي قد تدخله الى دهاليز هو في غنى عنها، وطوال عمله خلال سنوات معارضة النظام السابق، وبالرغم من نشاطه المعروف وقتذاك، فانه كان يتحاشى الاعلام، وكنت، كما غالبية من الصحفيين، احصل على تصريحاته بصعوبة.
لم يعتمد لطيف رشيد، ماديا، خلال سنوات نشاطه السياسي على حزبه، بل عمل بحكم شهاداته الاكاديمية في هندسة الري كمستشار ومع شركات غربية، وأجرى بحوثاً وأعمال حقلية تخص الدراسة والتصميم والإشراف على مشروع الري والتنمية في المملكة العربية السعودية في أعوام 1976 إلى 1979، وعمل في الصومال في مشروع تطوير المرعى الشمالي لإجراء المسح والتقييم للمشروع،من عام 1979 حتى 1981، وشغل منصب مدير مشروع منظمة الغذاء والزراعة الدولية لوادي توبان الذي يقع في جنوب اليمن والممول من قبل البنك الدولي وصندوق الكويت، لعامي 1981 و 1982، وشغل منصب مهندس مقيم لمنظمة الغذاء والزراعة الدولية لسد وادي جيزان وشبكة الري في السعودية، ومدير مشروع منظمة الغذاء والزراعة الدولية ومشروع تطوير وادي الجيزان لعامي 1983 و 1986.
واستنادا الى خبرته في علوم الهايدروليك والسدود المائية كان اول منصب قد اسند له بعد تغيير النظام هو وزير الموارد المائية.
عندما زرت وزارة الموارد المائية لاجراء اول حديث صحفي معه عن اوضاع السدود والخزانات المائية في العراق وما تحتاجه من صيانة واعمار، ولا عجب اني وجدت ان معلوماته دقيقة حول السدود والموارد المائية فهذا اختصاصه الاكاديمي والعملي، وكانت خططه تنطوي على مشاريع للحفاظ على الثروة المائية وفتح قنوات الحوار مع دول المنبع، تركيا وايران وسوريا التي يمر بها نهر الفرات، وبرامج الحفاظ على الاهوار. غير هذا أعجبت بما قدمه للوزارة، حيث كانت الاولى في العراق، وربما الاخيرة، التي تضم مركز صحي متكامل ويضم ايضا قسم لطب الاسنان ويقدم خدماته مجانا لجميع الموظفين، اضافة الى انشاء دار حضانة وروضة لاطفال الموظفين كي لا ينشغلوا بهذا الموضوع خلال عملهم. وكان بالامكان ان يستمر بمهمته في وزارة الموارد المائية لاستكمال خططه، خاصة وانه خطط ونفذ لمشاريع كبرى خارج العراق، كما اسلفنا اعلاه، لولا المحاصصات التي اخذته من اختصاصه ليكون، ومنذ 2010 المستشار الاقدم لرئيس الجمهورية. وقد يبذل رشيد جهودا استثنائية اعتمادا على تجربته العملية وعلاقاته الدولية في انقاذ البلد من الجفاف الذي يشكل الخطر الحقيقي على الحياة في العراق.
يعتبر رئيس جمهورية العراق هو أعلى منصب إداري في الهيكل الحكومي للدولة العراقية، وذلك وفق الدستور الذي ينص في مادته السابعة والستين عل انه:"رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه". وينتظر العراقيون من رئيس جمهوريتهم، وفي هذه المرحلة الملغومة بالازمات الامنية والاقتصادية والتي تهدد امن ووحدة البلد، الكثير للحفاظ على سلامة العراق والعراقيين، وقد ينجح مهندس الري بتنظيم مجرى نهر الدستور العراقي.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً