رووداو ديجيتال
مع عودة دونالد ترمب الى البيت الابيض كرئيس للولايات المتحدة الاميركية، ينشغل العراقيون بالبحث عن أجوبة لأسئلة تهم مصير العراق، في مقدمتها هل ستنجح الحكومة العراقية وبضغوط اميركية في طي ملف الفصائل المسلحة وتفكيك السلاح وحصره بيد الدولة؟ وهل هناك ضربات عسكرية اميركية او اسرائيلية مثلما هددت؟.
منذ عام 2005، حيث جرت اول انتخابات تشريعية في العراق بعد تغيير النظام السابق، ورؤساء الحكومات يتعهدون في برامجهم الحكومية بالعمل على حصر السلاح بيد الدولة، وحل الفصائل المسلحة، لكن هذا لم يحدث.
اليوم يعود، وبقوة، الحديث عن موضوع تفكيك السلاح، بل ان بعض الفصائل هي التي تصرح عن استعدادها لتسليم السلاح للدولة والانخراط تحت مظلة الدولة سواء كانت السياسية ام الامنية وحتى المدنية.
لكن الاكاديمي إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي واستاذ السياسات العامة بجامعة بغداد، يرى أن "هناك صعوبة أن تنفذ الفصائل المسلحة هذه الرغبة، سواء كانت الخارجية التي تمثلها الولايات المتحدة او حتى على المستوى الرسمي، الحكومة العراقية، او على مستوى الاطراف السياسية التي تسعى لأن تحافظ على مكاسبها من خلال الحفاظ على النظام السياسي".
الشمري قال في حديث لشبكة روودتو الاعلامية اليوم الاثنين (20 كانون الثاني 2025): "أجد من الصعوبة تفكيك هذا السلاح بسبب ان هذا السلاح مرتبط بجانب عقائدي اكثر مما هو مرتبط بجانب تنظيمي للدولة العراقية، لذلك من الصعوبة تفكيك هذا الجانب العقائدي وحتى اذا تحولت هذه الفصائل الى المؤسسة الامنية الرسمية، فانا اعتقد انه قد تكون هناك مشاكل نتيجة هذا الدمج ما بين الفصائل العقائدية والمؤسسة الامنية".
وأشار الى أنه "منذ ان انضمت هذه الفصائل لمؤسسة الحشد الشعبي، ومنذ اقرار قانون الحشد الشعبي عام 2016، كانت هناك مراسلات ونقاشات في عهود حكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي وحتى مصطفى الكاظمي، لاخضاع هذه الفصائل للقوانين العسكرية المعمول بها، لكنها، اعني الحكومات، لا اقول فشلت وانما لم تتمكن من التجاح في عملية دمج واخضاع هذه الفصائل للقوانين العسكرية".
وبيّن أن "وجودهم ضمن المؤسسات الامنية الحكومية سوف يتسبب بمشاكل كثيرة، فضلاً عن أن الواقع شيء والرغبة شيء آخر"، موضحاً أن "الفصائل المسلحة، وبعد حديث وزير الخارجية فؤاد حسين الذي قال فيه (اننا نحاول اقناع الفصائل للتخلي عن سلاحها)، ردت وبوضوح بانها على اتم الجهوزية ولن تسلم سلاحها، لهذا انا اتصور انه ليس من الواقع الذهاب الى قضية تفكيك السلاح بهذه السهولة".
إحسان الشمري يؤشر بوضوح مسألة في غاية الاهمية وهي ان "هذا السلاح مرتبط بجزء من القوة الاقليمية الايرانية. ايران حتى الان لم تصل الى تسوية ترتبط بمستقبل النظام السياسي وحول الملف النووي والصواريخ الباليستية، وعن نفوذها في المنطقة بعد انهيار القوة الاقليمية ومحاولتها للحفاظ على بعض مساحات النفوذ وعلى اذرعها".
ورأى أن "كل هذا غير محسوم، لذلك انا اعتقد انه من السذاجة الحديث عن امكانية داخلية لتفكيك هذا السلاح"، مستدركاً أن "أحد المقربين لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أشار الى أنه من الممكن تفكيك هذا السلاح بالقوة".
ونبّه الى ان "الامر، وحسب الرؤية الغربية، الاميركية، والعربية الى حد ما، لا يقتصر على تفكيك السلاح فقط، وانما الى تقويض النفوذ السياسي والاقتصادي للفصائل المسلحة وهيمنتها على مؤسسات الدولة وما تشكله من خطر على الديمقراطية، وصولاً الى اصولهم المالية والاقتصادية، باعتبار ان هناك اتهامات توجه ضد هذه الفصائل من انها تدعم اطرافاً او دولاً تعد عدوة للمجتمع الغربي، خاصة الولايات المتحدة الاميركية، وغيرها، لذلك انا اتصور تحقيق ذلك امر غير واقعي في ظل كل هذه المعطيات".
ويؤكد الشمري أن "حل الحشد الشعبي او تفكيك سلاح الفصائل مرتبط بقرار ايراني وليس عراقياً"، مستنداً بذلك على تصريحات "المرشد الايراني علي خامنئي الذي قال (انه لا حل للحشد الشعبي وبالتالي لا بد من دعمه) وقضية الدعم لا ترتبط فقط بالسلاح وانما هناك حديث على ان الحكومة العراقية تفكر بزيادة مخصصات الحشد الشعبي، ونعرف ان اميركا لا تميز بين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة وتجد ان الموضوع مسيطر عليه خارجياً اكثر مما هو امر داخلي عراقي".
رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، يربط قرار تفكيك هذا السلاح وليس حصره بيد الدولة فحسب، بثلاث فواعل هي "الداخلي ويشمل مسارين، الارادة السياسية المتمثلة بالمجموعة الشيعية سواء كانت سياسية او مسلحة، والمسار الثاني هي المرجعية ويبدو هي اعلنت انها مع حصر السلاح بيد الدولة، لكن ارادة المجموعة السياسية الشيعية لم تتحقق، وايضاً لم تتحقق الرؤية الايرانية او الضوء الاخضر الايراني في موضوع تفكيك السلاح".
ورأى أن "القرار الايراني هو الاهم. فعندما كانت هناك فكرة للتدخل بين الفصائل والقوات الاميركية حدث ذلك لانه كان هناك ضوء اخضر ايراني ولا علاقة له برئيس وزراء العراق السوداني، يضاف الى ذلك ان ايران ماتزال تستشعر بأن هذه الفصائل وحتى الحشد الشعبي هي جزء من الاذرع (الايرانية)، مثلما ظهر في مؤتمراتهم وكما صرح الكثير من المسؤولين في هيئة الحشد الشعبي، وبالتالي فان ايران هي من تمتلك قرار بقاء او حل هذه الفصائل، كما ان زيارات قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني المتكررة للعراق ولقائاته مع قادة الفصائل تؤكد ذلك، حتى ان القائد العام للقوات المسلحة العراقية لا يلتقي بهم مثلما قاآني وهذا يؤشر على ان هناك تاثيراً ونفوذاً ودعماً ايرانياً اكثر منه عراقياً".
ووصف الاكاديمي إحسان الشمري ادعاءات الفصائل العراقية المسلحة بانها بلا اجنحة عسكرية وانها ضمن الحشد الشعبي باعتبارها مؤسسة رسمية بانها "جزء من المناورة المكشوفة، ولم يعد هذا الحديث مقبولاً داخلياً أو خارجياً قضية التواجد تحت المظلة الرسمية وخارج مظلة الدولة في آن واحد، هذه الثنائية، الدولة واللادولة او السلاح الرسمي واللارسمي جزء من مناورة مكشوفة ومن تبريرات تطلقها الفصائل لاعتقادها ان امتلاكها للسلاح هو جزء من هويتها السياسية".
وأضاف: "هي تناور قدر المستطاع لتوصيف هذا السلاح بالرسمي في محاولة لابعاد التهمة قانونياً عنهم لانه لا يجوز ان يمتلك فصيل مسلح السلاح وينخرط بالانتخابات وبالعملية السياسية، لهذا يدعون بأنه ليس لديهم اجنحة مسلحة وعسكرية لكن في لحظة المواجهة يتحدثون عن عدم خضوعهم للقائد العام للقوات المسلحة هذه الثنائية، السلاح الشرعي والسلاح اللاشرعي هي جزء من عملية المناورة التي تلعبها هذه الفصائل".
وكشف الشمري عن ان "الضغوط الغربية والاميركية، خاصة، لتفكيك هذه فصائل المسلحة كبيرة وحقيقية. هذه الفصائل انخرطت لدعم قوات خارجية واصبحت جزءاً من حرب المنطقة ضمن اذرع ايران المتمثلة بحماس وحزب الله والحوثيين ونظام بشار الاسد، ولذلك كانت اسرائيل على مسافة قصيرة من شن هجوم على هذه الفصائل لولا الضغط الاميركي لوقف هذا الهجوم".
وبيّن أنه "تم تأجيل الضربات الاسرائيلية بضمانات اميركية وليس الغائها، والضربة الاسرائيلية لهذه الفصائل مؤجلة وليست ملغية والضمان الاميركي صحيح، لكن على مسؤولية السوداني فهو جاء من بيئة الفصائل المسلحة وعلى الارجح انه اعطى ضمانات لواشنطن لتفكيك هذا السلاح، والقضية ايضاً لا ترتبط بالحرب التي دارت بين اسرائيل وايران واذرعها التي دارت في المنطقة، بل قبل ذلك وأعني الهجومات المتكررة على القواعد الاميركية في العراق، مما ادى الى دفع غربي بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وتحجيم هذه الجماعات، وايضاً من دول عربية طالبت العراق بأن لا تهدد هذه الجماعات امنها القومي خاصة وان هذه الفصائل تحدثت عن امكانية استهداف منشآت نفطية وعواصم عربية حيوية".
ورأى أن "كل هذه العوامل وضعت الفصائل تحت ضغط خارجي كونها لم تتعاطى وفق منطق الدولة او تنضوي تحت مظلة الدولة، لذلك الضغط الاميركي يتصاعد مرة اخرى وان الامر لا يرتبط بتفكيك السلاح، وانما بتقويض النفوذ السياسي والهيمنة السياسية والاصول المالية والاقتصادية للمحور الايراني وهذه مطالب واضحة جداً".
واعتبر الشمري "احاديث الفصائل عن استعداداتهم لتسليم السلاح انحناء امام العاصفة وهو موقف تكتيكي مرحلي ستراتيجي لغرض كسب الوقت لتجنب الضربة الاميركية او الاسرائيلية، وايضاً محاولة للوصول الى تسوية مع ترمب من خلال السوداني الذي يمثلهم حسب تصريحاتهم بأن رئيس الوزراء يمثلنا وان هذه الحكومة هي حكومة مقاومة، وحتى وقت قريب كانوا يقولون هذه حكومتنا ويحاولون كسب الوقت لحين الوصول الى تسوية او ترضية"، مشيراً الى انه "يُنظر الى الرئيس ترمب كونه رجل صفقات لكن الموضوع لم يعد يخضع لصفقة سياسية خاصة وان ترمب تعهد في نهاية ولايته الاولى بشرق اوسط جديد والان لم يعد امامه الا تنفيذها والان الارضية ممهدة".
واعتبر الاكاديمي إحسان الشمري ان "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد فشل في مهمة حصر السلاح بيد الدولة وتفكيك الفصائل المسلحة، التي تعهد فيها خلال برنامجه الحكومي ولم يستطع تحييد الفصائل ولم يسيطر عليهم ويحد من هجماتهم المتكررة على المصالح الاميركية من الاراضي العراقية، كما انه مايزال ملتزم مع الاطار التنسيقي الذي اخفق في ادارة الدولة حيث ضرب جميع الاتفاقات عرض الحائط".
وأضاف أن "السوداني لم يضع حداً فاصلاً بينه وبين الاطار التنسيقي الا اعلامياً، لكن الواقع شيء آخر وموقفه امام الشارع العراقي صعب ولم يستطع اقناع العراقيين على انه مستقل ابداً وغير ممكن، وفي النهاية هو من يتحمل مسؤولية ادائه باعتباره المسؤول الاول والاعلى لادارة العراق امام الشعب وامام العالم".
وتابع: "نحن نتحدث عن ادارة دولة وليس عن قيادة مجموعة سياسية، ورئيس الحكومة يتحمل المسؤولية قانونياً عن اي ضرر يحدث للعراق نتيجة هذه المرونة التي ابداها مع بعض المسارات خارج الدولة التي قامت بها هذه المجاميع المسلحة"، معتقداً أن "الشارع العراقي لم يعد ينظر للسوداني اليوم مثل نظرته له في عامه الاول. الامور اختلفت خصوصاً انه لديه مشروعاً انتخابياً ولا اعتقد انه سيحظى بثقة كبيرة جداً من قبل الشعب لأن هناك اداء سيكون محط استفهام من الناخب والنخبة والقوى السياسية الاخرى بالاضافة الى ترمب".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً