العراقية محبة سعد الفائزة بالجائزة الأولى في البلاغة الفرنسية لرووداو: تحديت كل الصعوبات بإرادة قوية

19-03-2025
معد فياض
الكلمات الدالة العراق فرنسا نينوى
A+ A-

رووداو ديجيتال

كان عمرها 12 عاماً عندما أنهت الطفلة محبة سعد وعد قهوجي دراستها الابتدائية عام 2014، وتتطلع للعبور إلى الدراسة المتوسطة مع صديقاتها في مدينة الموصل.. هي ابنة سعد وعد الله قهوجي، معلم التاريخ الذي ينحدر من إحدى العوائل المسيحية العريقة، ومن سكان نينوى الأصلاء، الذي ما كان يفكر بترك مدينته وأزقتها ومدرسته وتلاميذه، لكن غزو تنظيم داعش الإرهابي، الذي أدخل نينوى، مهد الحضارة، في عصر مظلم، أرغمه على أن يجمع عائلته ويلملم ما استطاع عليه ويترك مدينته هرباً إلى محافظة دهوك، أقرب محافظات إقليم كوردستان لنينوى.
 
كانت مغامرة لا بد منها لإنقاذ عائلته، وفي أسوأ الظروف نجوا بحياتهم ومضوا نحو مستقبل مجهول ستتضح معالمه الإيجابية فور وصولهم إلى باريس، عاصمة النور، عن طريق بيروت، وبمساعدة إحدى المنظمات الإنسانية.
 
بعد عام بالضبط، 2015، فتحت محبة عينيها لترى من شباك الطائرة برج إيفل وكأنه يلوّح لهم مرحباً، حيث وصلوا إلى بر الأمان والانفتاح والحرية وتحقيق الأحلام، في الوقت الذي كانت رايات داعش السوداء تلوّح في فضاء الموصل.
 
بعد عشر سنوات بالضبط، 2025، وقبل أيام، حققت محبة أول أحلامها، حيث فازت بالجائزة الأولى في مسابقة البلاغة والخطابة بين طلاب الجامعات الفرنسية. وأقيم حفل حاشد لتسليمها الميدالية في قاعة ريشيليو، كبرى قاعات جامعة السوربون، تحيط بها لوحات عصر النهضة وكأنها ترحب بها وتبارك نجاحها، وكانت هلاهل أمها وأمهات صديقاتها تشكّل موسيقى لخلفية المشهد.
 
محبة سعد وعد قهوجي، قالت لشبكة رووداو الإعلامية عبر الهاتف من باريس، اليوم 19 آذار 2025: "كان التأقلم هو التحدي الأكبر في هذه المغامرة الجديدة، حيث لم أكن أتقن اللغة الفرنسية على الإطلاق، ولم أكن على دراية بثقافة البلد الجديد، خاصة أن عمري كان صغيراً عند وصولي إلى باريس".
 
وأردفت "لكن التأقلم كان سريعاً وممتعاً نوعاً ما، إذ دفعني فضولي وحبي للعلم إلى المضي قدماً".
 
تواصل محبة سرد فصول إصرارها قائلة: "عند وصولي، دخلت الصف الثاني الثانوي الفرنسي، حيث تستمر المرحلة الثانوية في النظام الفرنسي أربع سنوات. تعلمت اللغة الفرنسية بشكل أسرع مما كنت أتخيل، وحصلت على امتياز في الاختبار الوزاري في الصف الثالث الثانوي، وأيضًا في اختبار البكالوريا بعد ثلاث سنوات، حيث حصلت على درجة 20/20 في العلوم السياسية والجيوسياسية في اختباري التحريري والشفوي".
 
وأشارت إلى أن: "الصعوبات والعقبات كانت كثيرة ومتعددة الأشكال، لغوية وثقافية وأيضًا إنسانية وداخلية.. تعلمت أن السهولة مسألة سطحية، وأن النجاح لا يأتي إلا بالمثابرة والإرادة. تعلمت أيضًا أن أثق بنفسي وبقدراتي، إذ كانت العنصرية وصغر السن، أمام الكم الهائل من المعلومات والتحديات، من الممكن أن تهز ثقتي بنفسي وتوهمني أن النجاح مستحيل. لكنها، وعلى العكس من ذلك، دفعتني للسباحة بقوة ضد تيار الفشل، وأدركت أن لا شيء مستحيلاً لمن يبذل كل طاقته نحو الأفضل".
 

 
"بعد أعوام قليلة، بدأت بكتابة الشعر والقصائد الفرنسية"، توضح محبة، مستطردة في حديثها: "دخلت صفوفاً تحضيرية عالية المستوى في الجامعة الأولى على مستوى فرنسا في مجال الأدب والعلوم الاجتماعية".
 
في حديثها عن أهمية فوزها بالجائزة الأولى في مسابقة البلاغة والخطابة بين طلاب الجامعات الفرنسية، تقول: "أكاد أعجز عن التعبير، إذ كان أفقاً جديداً وباباً آخر فُتح لي.. قررت أن أتحدى نفسي وأشارك في المسابقة الوطنية للخطابة والبلاغة، وكان عنوان المسابقة الذي وضعته الأمم المتحدة حول البحر: (أيها الإنسان الحر، ينبغي دائماً أن تعتز بالبحر)".
 
وتضيف: "أما عنوان المقالة التي كتبتها باللغة الفرنسية، فكان: (البحر المتوسط ليس له أفق: فهو امتداد للسماء)".
 
تكشف محبة سعد وعد: "شاركت في هذه المسابقة وكان طموحي منذ البداية هو الفوز بالمركز الأول، رغم أنني عراقية وأصول ثقافتي ولغتي الأولى عربية، وأشارك في مسابقة تعني في الصميم باللغة والثقافة الفرنسية، حيث دخلت في منافسة مع 219 من أفضل الطلاب الذين يدرسون في أرقى جامعات فرنسا، واللغة الفرنسية هي لغتهم وأساس ثقافتهم".
 
تضيف: "كان بداخلي هاجس الفوز رغم كل ما ذكرته، وكنت أحلم بإلقاء هذه المقالة في الأمم المتحدة.. مستوى التحدي كان أكبر مما توقعت، لكنه دفعني إلى أن أكتب وألقي أفضل ما عندي. وقت إلقاء خطابي في النهائيات، غمرني شعور بالفرح والطمأنينة، وكنت أتمنى أن تصل رسالتي بأجمل شكل ممكن".
 
بقيت محبة وعائلتها في انتظار إعلان النتائج النهائية.. هل ستفوز طالبة عراقية عربية ذات الـ 21 عاماً، القادمة قبل 11 سنة من مدينة الموصل، التي تقع على ضفاف نهر دجلة، والتي كتبت مقالتها عن البحر الذي شاهدته للمرة الأولى في حياتها من خلال نافذة الطائرة وهي تهبط في مطار بيروت؟ وإن كانت هناك بعض الشكوك، مهما كانت نسبتها لدى الحضور، فإنها وحدها، محبة، من كانت على يقين بفوزها.
 
تقول: "لحظة إعلان فوزي، كنت لا أكاد أصدق أنني فعلاً سأُلقي كلمتي في مؤتمر الأمم المتحدة. كنت قد وضعت قدمي على أول درجة من سلم النجاح في هذا المجال الصعب".
 
محبة سعد تعتز بلغتها العربية، موضحة: "لن أنسى يوماً لغتي الأم، ولا زلت أقرأها وأكتبها. حبي للشعر والأدب بدأ معها، ولن ينتهي بدونها. أنا اليوم من أسعد المعجبين والقراء لجبران خليل جبران ومحمود درويش مثلاً".
 
عن اختصاص دراستها الحالي، تقول: "أدرس اليوم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة دوفين، الأولى على فرنسا ومن الجامعات المرموقة عالمياً، وفي المدرسة العليا ENS، وهي أيضاً من أعرق وأفضل الجامعات الفرنسية والعالمية. وكنت قد درست الأدب الفرنسي وتخصصت في الأدب الإنجليزي خلال العامين الماضيين في الصفوف التحضيرية".
 
توجه محبة "رسالة أمل وتفاؤل" كما أسّمتها، إلى أقرانها من العراقيين الذين واجهوا أو يواجهون نفس ظروفها، قائلة لهم: "كونوا التغيير الذي تحلمون به، كونوا الحلم الذي ترغبون بتحقيقه، كونوا الأمل الذي ترغبون أن يُزرع في الأرواح والأراضي".
 
تعرب محبة سعد وعد قهوجي عن أسفها لعدم تواصلها مع أهلها وصديقاتها في الموصل، موضحة: "في الموصل لم يبقَ لي العديد من الأصدقاء والأقارب. في الحقيقة، لم يبقَ لي إلا بعض الأصدقاء في العراق، أما الأقارب فمن المؤكد أنني لا زلت أتواصل معهم، لكن ليس كما في السابق"، مستطردة: "عدت مرة واحدة إلى العراق عام 2021 بعد حصولنا على الجنسية الفرنسية عام 2019".
 
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

المحيبس".. لعبة تُشعل أمسيات بغداد

"المحيبس".. لعبة تُشعل أمسيات بغداد وتنافس كرة القدم بشعبيتها خلال رمضان

في أمسيات شهر رمضان، تتحول ساحات بغداد، لا سيما ملعب الشعب، إلى مسرحٍ لحماسةٍ تراثية خالصة، مع انطلاق مباريات "المحيبس"، اللعبة الشعبية العراقية التي ما تزال تحتفظ ببريقها رغم مرور قرون على نشأتها، وتستقطب جمهوراً واسعاً من مختلف الأعمار، لتصبح طقساً رمضانياً يضاهي في شعبيته مباريات كرة القدم.