رووداو ديجيتال
يختلف طرفا المعادلة السياسية للانتخابات في العراق، على مدى "الشرعية المجتمعية" التي ستتولد بعد المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، في ظل الحديث عن مقاطعة جهات معروفة بثقلها الجماهيري، وأبرزها التيار الصدري، صاحب أكبر شعبية بين الاوساط الشيعية، وأحد أكثر الجهات الفاعلة في الشارع العراقي، فضلاً عن مستقلين وأحزاب أخرى.
على وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة وصلت ذروتها في خريف العام 2019، صوّت مجلس النواب العراقي حينها على حلّ تلك المجالس والتصويت على إنهاء عملها، وهو من بين مطالب المتظاهرين.
مفوضية الانتخابات أعلنت في 11 تشرين الاول 2021، عقب الانتخابات النيابية بيوم واحد، أن نسبة مقاطعة التصويت في الانتخابات التشريعية العراقية بلغت نحو 59%، بينما نسبة المشاركة "الأولية" قدرت بـ41%، لكنها عادت بعد ايام لتقول ان نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية بلغت 44% من أصل أكثر من 22 مليون ناخب يحق لهم الإدلاء بأصواتهم.
وفق هذه الأرقام فإن نسبة المقاطعة تجاوزت تلك التي سجلت عام 2018، فيما اعتبرت رئيسة بعثة المراقبة الأوروبية، فايولا فون كرامون، أن نسبة التصويت الضئيلة "إشارة سياسية واضحة، وليس لنا إلا أن نأمل بأن تلتفت النخبة السياسية إلى ذلك".
انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، المقررة في 18 كانون الأول 2023، يبدو أنها لن تتعدى فيها نسبة المشاركة عن انتخابات 2021، وفق المعطيات الشعبية الحالية، حيث يقطاع الصدريون وعدد من المستقلين وجهات سياسية مثل ائتلاف الوطنية بقيادة اياد علاوي، وغيرها من الكتل والاحزاب، المشاركة في الانتخابات، وبالتالي باتت قضية "شرعية" فوز الجهات السياسية بمقاعد مجالس المحافظات "محل شك" لدى العديد من المشككين.
السلطات العراقية كانت قد أعلنت إرجاء موعد انتخابات مجالس المحافظات من 6 تشرين الثاني إلى 18 كانون الأول المقبل، بعد 10 سنوات على إجرائها آخر مرة، وفق بيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء.
"المشاركة لن تتعدى الـ 10% من الناخبين"
بهذا الصدد، يقول رئيس مركز بغداد للدراسات الستراتيجية، مناف الموسوي، لشبكة رووداو الاعلامية، انه "لا توجد فقرة دستورية او قانونية تحدد نسبة المشاركة في الانتخابات، وبالنتيجة فإن أي مشاركة سوف تكون مقبولة قانوناً أو دستوراً، وهذا ما تعمل عليه الاحزاب الموجودة أو ما يطلق عليها احزاب السلطة".
مناف الموسوي، يستدرك أنه "بالنتيجة كشرعية مجتمعية او سياسية لا اعتقد اليوم ان نسبة 10 او 15 % من الممكن ان تعطي شرعية في ظل غياب 90 او 85% من الناخبين، وهو خلل، حتى وإن لم تكن هنالك قاعدة قانونية تحدد هذا الموضوع، لكنه بالنتيجة خلل".
ويوضح رئيس مركز بغداد للدراسات الستراتيجية ان "الخلل يظهر واضحاً بشكل او بآخر، والكتل السياسية تعي جداً، حتى تلك التي تصر او تتظاهر بأنها تريد اجراء الانتخابات وسوف تجري في وقتها المحدد، وهي تعلم ان عدم مشاركة التيار الصدري فضلاً عن عدم مشاركة المستقلين وبعض الكتل الاساسية مثل ائتلاف الوطنية برئاسة اياد علاوي والبقية، يعني ان نسبة المشاركة لن تتجاوز الـ 10%".
هذه الانتخابات تشمل 15 محافظة من أصل 18، حيث هناك ثلاث محافظات ضمن إقليم كوردستان غير مشمولة بالانتخابات.
ويلفت مناف الموسوي الى أنه "وبحسبة رياضية بسيطة فإن المشاركة السابقة مع التيار الصدري ومع المستقلين ومع وجود اياد علاوي، حققت 20% من عدد الناخبين، لكن اليوم غياب هذه الاطراف يعني على الاقل ان نصف المشاركين السابقين لن يشاركوا في الانتخابات المقبلة".
ويرى مناف الموسوي أنه "في ظل مشاركة 10% لن تكون هنالك شرعية حقيقية، وفي ظل غياب هذا الجمهور المقاطع للانتخابات، بسبب وجود ازمة ثقة بين الكتل السياسية وبين الناخبين، وعدم وجود مصداقية حقيقية بين هذه الكتل وبين القواعد الشعبية والناخبين".
"اعتقد ان الجميع، حتى ولو تظاهر البعض انهم يريدون اجراء الانتخابات، لكنهم لا يريدون اجراءها في هذا الوقت، ويريدون منح مجال او يحاولون اقناع التيار الصدري وبقية القوى الاخرى بالمشاركة"، وفقاً لمناف الموسوي، الذي يشير الى أن "مشاركة التيار الصدري تعني ان الكثير من الاغلبية الصامتة ربما ستشارك".
رئيس مركز بغداد للدراسات الستراتيجية، يعتقد أن "هنالك ثقة واضحة لدى الاغلبية الصامتة بأن التيار الصدري صادق، وأن مشاركته تمنحهم الثقة بالمشاركة في الانتخابات، وبالتالي تكون منافسة مع الكتل التي تعمل على مصالحها الحزبية ولا تعمل على المصالح الوطنية".
بحسب النتائج النهائية، فاز التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر، قبل انسحابه في وقت لاحق، بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، بحصوله على 73 مقعداً في البرلمان المكون من 329 مقعداً، بعد أن كان للتيار الصدري 54 مقعداً في البرلمان الذي سبقه.
"التيار الصدري جزء من الشعب وليس الكل"
في الجانب الاخر، يقول عضو تيار الحكمة احمد العيساوي لشبكة رووداو الاعلامية، ان "الانتخابات لا تؤخذ من شرعية مشاركة جميع الكتل السياسية"، موضحاً أن "رمز الديمقراطية هي عدم مشاركة جميع الكتل السياسية في الانتخابات".
ويرى أحمد العيساوي أن "الشرعية تؤخذ من الشعب الذي يرى ان هنالك حراكاً انتخابياً، وهي تؤخذ من المشاركة الكبيرة في الانتخابات"، عاداً التيار الصدري بأنه "جزء من الشعب العراقي، وليس الكل".
عضو تيار الحكمة، يلفت الى أن "رئيس الوزراء لن يشارك في الانتخابات، بغرض فتح المجال أمام الكتل السياسية الاخرى للاشتراك، وايضاً كي لا يكون رئيس وزراء متفرد بالسلطة وتكون معظم مجالس المحافظات له"، معتقداً أن هذا الشيء "رمز من رموز الديمقراطية" في البلاد.
"الانتخابات ماضية، وهذا قرار حكومي، وقرار ائتلاف ادارة الدولة مجتمعين، والشرعية تؤخذ بعدد المشاركات، وليس بعدد الكتل المشاركة"، وفقاً لأحمد العيساوي، الذي ذكر انه "اذا كانت المشاركة في الانتخابات السابقة بنسبة 20% فمعناه ان جميع الكتل السياسية ليس لها جمهور".
كما يرى أحمد العيساوي أنه "يجب ان تكون هنالك مشاركة كبيرة، حيث قالوا ان النسبة هي 40%، ومن المهم ان تشترك جميع اطياف الشعب العراقي في الانتخابات المقبلة، حيث وصل عدد المحدثين لبطاقاتهم الانتخابية الى 60 – 70% من الشعب العراقي، وهذا الشيء جيد"، متوقعاً ان تكون نسبة المشاركة في لانتخابات المقبلة "اكثر من 30 أو 40%".
استناداً للدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة، حيث لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق استبعدت مؤخراً 170 مرشحاً من انتخابات مجالس المحافظات لمخالفتهم شروط الترشح، حيث أن 163 من المستبعدين شملتهم إجراءات المساءلة والعدالة، فيما لم تثبت صحة وثائق 7 آخرين.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً