زواج القاصرات بالعراق.. شاهدات يروين لرووداو قصصهن والقانون يحدد موقفه

13-08-2021
الكلمات الدالة زواج القاصرت العراق
A+ A-

وسام كريم – رووداو – بغداد 

ظاهرة بدأت تأخذ مديات واسعة في المجتمع العراقي، الا وهي زواج القاصرات، هذه الظاهرة التي كانت في السنوات الماضية تقتصر على الريف والمجتمعات القبلية، لكنها اضحت اليوم تزحف نحو المدينة لتكون من الاعراف السائدة التي راح يتقبلها المجتمع على مضض، وفي الوقت ذاته افرزت كما هائلا من المشكلات الاجتماعية في زيادة حالات الطلاق، مما يهدد البنية المجتمعية في بلد يعج بهموم وتحديات جسيمة.
 
يبدو ان زواج القاصرات من الظواهر القديمة في المجتمع العراقي، الا انها اخذت تتسع شيئا فشيئا، وبحسب المعنين فان ثمة اسباب لتوسعها، فالظرف الاقتصادي ومصاعب الحياة هي في طليعة الاسباب التي تدفع الاسر في قبول زواج بناتهم وهن مازلن في اعمار صغيرة، إضافة الى اجبار الفتيات على ترك الدراسة والتعليم مما يضطرها للزواج المبكر.
 
احلام مبعثرة
 
"كنت العب مع اختي الصغيرة في باحة المنزل كان الوقت في حينها الساعة 5:30 عصرا، كنا سعداء جدا بقضاء وقتنا في اللعب والمرح واللهو"، ثم تتوقف قليلا وتذرف الدموع عندما تذكرت تلك الاوقات واللحظات. تقول بصوت حزين "اقبلت والدتي وطلبت ان اذهب الى غرفة استقبال الضيوف، عندما ذهبت الى هناك وجدت والدي جالسا ومن ثم جاءت والدتي وبدأوا يتحدثون معي عن الزواج من احد الاقارب الذي كان يكبرني بعامين"، بهذه الكلمات بدأت عبيراحمد ذات الـ 15 عاماً بسرد قصتها وتجربتها في الزواج المبكر.
 
اكدت عبير لشبكة رووداو الاعلامية: "كنت صغيرة حينها ولا اعرف ما معنى الزواج وهل انني لابد ان اجيبهم بنعم او لا، لكنه اكثر ما خطر في بالي في تلك اللحظات انني سأترك اختي الصغرى، وقد لا اتمكن من اللعب معها او رؤيتها على الدوام، وهذا اكثر ما كان يحزنني".
  
وتضيف عبير: "كنت مجبرة على الزواج من ابن عم والدي، الذي كان في اغلب الاوقات تنتابه حالات من الهلع والعصبية، لم اتحمل تلك الاوقات التي قضيتها معه والتي دامت بحدود سنة واحدة، فالمشاكل لم تفارقنا منذ بداية زواجنا حتى الانفصال"، مبينة: "لحسن حظي لم ارزق بأي مولود منه، وهذا ما سهل اجراءات الطلاق".
 
وليس ببعيد عما خاضته عبير من تجربة للزواج المبكر، فان سارة جبار ذات الـ 40 عاماً هي الاخرى مرت بذات التجربة، عندما كانت في سن الـ 17 عاماً اجبرها ذووها في الزواج من ابن خالتها الثري.
 
وقالت سارة لشبكة رووداو الاعلامية ان "الفتاة عندما تكون في عمر 13 الى 19 تكون قد بلغت من الناحية الجسمانية، لكن هذا لا يعني انها وصلت لحد البلوغ العقلي، فالفتاة دائما ما تراودها الاحلام الوردية، وهي تسعى لاكمال الدراسة وان تصبح ذات مكانة اجتماعية مميزة".
 
وتبين سارة ان "المشكلة في الزواج المبكر هو ترغيب اولياء الامور للفتاة، بأن هذه الزيجة هي تصب في صالحها، خاصة اذا كان المتزوج من الميسورين والمتمكنين ماليا"، عادة "الطمع في المال ايضا له دوافع لاجبار الفتاة على الزواج المبكر".
 
سارة لفتت، الى ان "كثيراً من القاصرات توفين اثناء ليلة الزفاف، وذلك بسبب ان البلوغ الجسدي ما زال في طور البنيان، فضلاً عن حدوث حالات الاجهاض والنزيف الحاد اثناء والولادة والتي تؤدي الى وفاة القاصر، ما يتسبب بمشكلة اخرى على المستوى القانوني".
 
القانون لا يسمح بزواج القاصرات
 
"زواج القاصرات في الوقت الحاضر هو استغلال للشرع، من خلال عقود الزواجات العرفية والسيد والزواجات الاخرى، فهذه كلها خلاف القانون، ومرتكب هذه الجريمة يحال الى التحقيق، لكن الكثير من الاباء واولياء الامور لن يقدموا على اي تبليغ لمثل هكذا حالات"، بحسب الخبير القانوني عبد الرحمن جلهم.
 
واكد جلهم لشبكة رووداو الاعلامية ان "قانون الاحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 حدد الية وشروط الزواج ولمن اكمل 15 عاماً، ومن الشروط ان يتوفر تقرير من لجنة طبية وهذا التقرير تقوم المحكمة بارساله الى اللجنة الطبية المختصة، وهي التي تقرير فيما اذا كانت الزوجة مؤهلة للزواج ام لا، بالاضافة الى موافقة ولي الامر".
 
جلهم اوضح ان "الادعاء العام يجب ان ينبري لمثل هكذا حالات، ويجب ان تكون العقوبة اكثر ردعاً بدلاً من ان تكون مخالفة وغرامة وعقاب لمدة 3 اشهر مع وقف التنفيذ"، مشددا على انه "لا بد من عقوبة شديدة حتى تكون رادعة لمن يقوم بتسهيل هذه الزيجات".
 
واشار الى انه "لابد من توعية وتثقيف الناس لمخاطر الاقدام على زواج القاصرات، وان القانون لا يسمح لمثل هكذا زيجات"، مؤكداً "حدوث وفيات كثيرة للمتزوجات القصر اثناء الولادة بسبب ضعف البنية الجسدية".
 
وختم جلهم انه "من خلال عملنا في المحاكم والاطلاع على الكثير من القضايا، ما لاحظناه انه زواج القاصرات اغلبه هو صفقات تجارية، اكثر مما هو تأسيس لحياة زوجية، فهو يندرج في اطار التجارة والبيع والشراء".
 
الاعراف وقلة الوعي وراء زواج القاصرات 
 
"زواج القاصرات هو ثقافات مجتمع قديمة جدا، وكانوا سابقا يزوجون الفتاة وهي بعمر 8 سنوات، مبررين ذلك بانها بلغت، والبلوغ ليس فقط بلوغ جسماني فالمهم في الزواج هو البلوغ العقلي، ومدى امكانية تحمل هذا الشخص ووعه وفهمه للحياة الزوجية والاسرية"، هذا ما ذهبت اليه الاكاديمية والناشطة في حقوق المرأة بشرى العبيدي.
 
وقالت العبيدي لشبكة رووداو الاعلامية ان "من موجبات الحد من زواج القاصرات هو منع المكاتب الدينية التي تسهل هذه الزواجات، واي مكتب يقوم بتسهيلها يعاقب بغلقه، وانزال اشد العقوبات برجل الدين الذي سهل هذه الزيجة"، مشددة على أن "العقوبة يجب ان تكون الحبس او السجن لفداحة الجريمة، فلا يمكن الاستهانة بهذه الجريمة، واذا لم تكن الحلول بهذا الاتجاه فالظاهرة ستبقى مستمرة ولايمكن السيطرة عليها".
 
ولفتت العبيدي إلى أن "هناك اثاراً سلبية كثيرة لزواج القاصرات، من أبرزها حرمان الفتاة من عيش مرحلة الطفولة والمراهقة، فضلاً عن فرض مسؤوليات كبيرة عليها وهي لا تعي ولا تدرك شيئا عن الحقوق والواجبات الأسرية، وتجبرها على ترك التعلم والدراسة وفرض مسؤوليات عليها كالانجاب وتربية الاطفال".
 
العبيدي اوضحت ان "الفتاة تتعرض لمشاكل اجتماعية مع زوجها وكذلك لمشاكل صحية بسب الحمل والانجاب والذي يكون غير متناسب مع عمرها فهي مازالت صغيرة والبنية الجمسية لا تساعدها على تحمل كل هذه الاعباء، وهذا كثيراً ما يؤثر على حياتها الاجتماعية وحتى الشخصية مع الزوج، ويكون سببا في الطلاق بنهاية المطاف، وهذه العواقب يتحملها اولياء الامور الذين كانوا سببا في دفع الفتاة للزواج وهي مازالت طفلة".
 
وبينت العبيدي ان "هناك الكثير من الاسر العراقية وبسبب العادات والتقاليد القبلية، تجبر الفتاة على ترك الدراسة والتعليم واجبارها على الجلوس في المنزل، مما يجعلها مضطربة التفكير فتكون فكرة الزواج هي المسيطر عليها للهرب من الواقع الذي تعيشه والقيود المفروضة عليها".
 
العبيدي، طالبت بتفعيل "القانون الذي يكون رادعاً قويا في الحد من زواج القاصرات، ومن ثم البدء بالتوعية والتثقيف، وان الفتاة هي ليست مشكلة لا بد من التخلص منها باي وسيلة او اي طريقة".
 
وسجلت المحاكم العراقية أكثر من 4500 حالة طلاق في شهر ايار الماضي، بحسب إحصائية نشرها مجلس القضاء الاعلى العراقي.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب