بعد 62 عاماً على انقلاب 8 شباط.. رووداو تدخل الاستوديو الذي اعدم فيه عبد الكريم قاسم

09-02-2025
معد فياض
الكلمات الدالة العراق عبد الكريم قاسم
A+ A-
رووداو ديجيتال 

لم يتم تقديم الزعيم (العقيد) عبد الكريم قاسم الى المحكمة لتقضي بإعدامه، بل لم يتم تنفيذ حكم الاعدام به، في مثل هذا اليوم  شباط 8 عام 1963، في ثكنة عسكرية او ميدان لرمي الرصاص او سجن، بل تم كل ذلك، قبل 62 عام في احدى ستوديوهات اذاعة بغداد.
 
حدث ذلك بعد اقل من خمس 5 سنوات على انقلاب 14 تموز 1958 الذي قاده قاسم نفسه وأدى لجريمة قتل العائلة الملكية وتحول نظام الحكم في العراق من الملكي إلى الجمهوري حتى جاء يوم 8 شباط 1963 الذي تم تنفيذه حسب ذات السيناريو الذي كان قد ابتدعه قاسم، وهو الانقلاب العسكري الذي شارك فيه حزب البعث والعقيد عبد السلام عارف رفيق الزعيم والذي ادى لمقتل قاسم  .. وتكرار هذا السيناريو مرة ثالثة في انقلاب البعثيين في 17 تموز عام 1968 ضد الرئيس عبد الرحمن عارف الذي يُعد محظوظا للغاية لانه لم يتعرض للقتل.
 
ومنذ 8 شباط 1963 حتى اليوم ، تم تداول قصص عديدة، اختلفوا على بعضها، حول اسلوب وطريقة اعدام قاسم ومن هو اول شخص فتح النار عليه، لكن ما تم الاتفاق عليه وتاكيده  هو انه أُعدم في احدى ستوديوهات اذاعة بغداد، وقد تم اغلاق هذا الاستوديو الواقع في بناية الاذاعة والتلفزيون، بعد نقل جثة الزعيم في وبقي منسيا، او ان الجميع تواطأوا على نسيانه وعدم فتحه وكشف الفضيحة، فضيحة المحاكمة الصورية السريعة وتنفيذ الاعدام في مبنى الاذاعة وليس في ثكنة عسكرية او سجن، ذلك ان الاذاعة كانت اهم مركز للاعلان عن الانقلابات العسكرية وأذاعة البيان رقم واحد. وكان من يستطيع السيطرة على الاذاعة وقتذاك فبامكانه ان يحكم العراق.
 
الاذاعة والتلفزيون
 
كانت بناية مؤسسة الاذاعة والتلفزيون وقتذاك تتكون من طابقين.العاملون في المؤسسة يتذكرون ذلك جيدا، وقبل ان تقصف القوات الاميركية مبنى المؤسسة عام 2003. كان هناك مدخل على الجانب الايمن بعد ان تجتاز الاستعلامات ، هذا المدخل يؤدي الى الاستوديوهات القديمة لاذاعة بغداد، بعض هذه الاستوديوهات تم الاستغناء عنها عندما تم افتتاح المبنى الحديث للاذاعة والكائن في مؤخرة بناية المؤسسة، حيث كانت لاستوديوهات الجديدة مجهزة باحدث تقنيات التسجيل والبث، وقتذاك.
 
بعد سنوات طويلة، اكثر من عقدين من السنوات على اعدام الزعيم قاسم، وبالضبط في اوائل الثمانينات،استحدثت دائرة التوجيه السياسي في وزارة الدفاع شعبة (البرامج الاذاعية والتلفزيونية)، التي نسبت اليها خلال خدمتي العسكرية كجندي، كانت مهمتها  بث برامج اذاعية لساعتين يوميا، وبرنامج تلفزيوني (المجلة العسكرية) اسبوعيا لتقوية معنويات الجيش العراقي والمواطنين في آن واحد ، ولان وزارة الدفاع كانت وقتذاك هي الاكثر قوة وتاثيرا فلم يكن بمقدور اي وزارة او دائرة ان تقف بوجه مقترحاتها وطلباتها التي تلخصت وقتذاك، فيما يخص الاذاعة والتلفزيون، بتخصيص مكتب واستوديوهات اذاعية للشعبة الجديدة، ، فصدرت الاوامر بان يتم تجديد بعض الاستوديوهات القديمة لاذاعة بغداد وتخصيصها لشعبة البرامج العسكرية.
 
اضطرت ادارة المؤسسة الى ان تخصص جزء من بناية الاذاعة القديمة لهذه الشعبة العسكرية، وان تفتح الاستوديوهات المغلقة وتجددها.
 
ستوديو الزعيم 
 
كان ثمة استوديو صغير يقع في الطابق الارضي، كنا نمر قرب بابه المغلق والمغلف بالغبار عشرات المرات يوميا من غير ان يجلب اهتمامنا او يثير فضولنا، حتى تم الحاقه بالشعبة الجديدة.
 
حضر مجموعة من عمال الصيانة وفتحوا باب الاستوديو الذي كان مظلما. اتذكر ان رائحة عفونة عتيقة، رائحة دم بقيت ملتصقة بجدران وارضية الاستوديو، انبعثت منه، بينما كنا نراقب بفضول ما يحدث. مر قربنا عجوز يعمل في الاذاعة منذ نصف قرن، كان يمشي ببطء عندما اجتازنا وقال ملاحظة بدت بالنسبة له عادية، لكنها اثارت فضولي واهتمامي، فقد اشار الى الاستوديو وقال" هذا استوديو الزعيم"، وقبل ان يبتعد اوضح قائلا"هنا اعدموا عبد الكريم قاسم،هسة تشوفون بقايا دمه على الحايط ". ومضى في طريقه منعطفا شمالا نحو الحديقة والممرات التي تؤدي الى قسم حسابات المؤسسة، واختفى هناك من غير ان يمنحنا فرصة التاكد مما قاله او يفضح اية تفاصيل.
 
عندما اضيء الاستوديو بمصابيح كبيرة (بروجكترات) جاء بها عمال الصيانة، بدى فضائه مؤثثا بانسجة عنكبوتية بقيت تتكاثر منذ سنوات طويلة، لاحظنا هناك كرسي مقلوب، وثمة بقع سوداء على جدار ذا لون كالح تقابل الباب مباشرة، عاد الرجل العجوز يحمل ملف اسمر بيده،ودخل مباشرة الى الاستوديو ثم اشار الى البقع السوداء فوق الجدار واجزم قائلا" هذا هو دم عبد الكريم قاسم"، واستطرد"جابو الزعيم وادخلوه الى هذا الاستوديو وطلبوا منا ان نترك المكان، كنت شابا وقتذاك بالطبع، ولم نكن نصدق ما يجري امامنا، بعد قليل سمعنا صوت الاطلاقات النارية، عندما هرعنا الى الاستوديو اول ما جلب انتباهنا هو مشهد الزعيم مقتولا وبقع الدم فوق الجدار، ومذ ذلك الوقت وهذا الاستوديو مغلق" تركنا وهو يردد"هذا استوديو الزعيم".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب