معد فياض
لم تكتمل انتفاضة تشرين الا بوجود المرأة العراقية، بمختلف الاعمار، حيث كان وما يزال، دورها موازياً لدور الرجل.
انتفاضة تشرين التي انطلقت كمظاهرة احتجاجية في الأول من تشرين الاول 2019، لتتحول الى ثورة شعبية امتدت من العاصمة بغداد الى المحافظات الوسطى والجنوبية احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد المالي الإداري والبطالة. ووصلت مطالب المتظاهرين إلى إسقاط النظام الحاكم واستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة.
وندّد المتظاهرون أيضاً بالتدخل الإيراني في العراق وحرق العديد منهم العلم الإيراني، والقنصلية الايرانية في النجف في 27 تشرين الثاني 2019 والتي سقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى وكانت أكثر أيام الاحتجاجات دموية، إضافة الى ما حصل في محافظة ذي قار التي جرت فيها"مجزرة الناصرية" والتي أدّت إلى إعلان رئيس الوزراء العراقي نيته تقديم استقالته.
ولخطورة الانتفاضة على السلطات العراقية، واجهت القوات الأمنية هذه المظاهرات بعنف شديد واستعملت قوات الأمن والميلشيات المسلحة صنف القناصة واستُهدِف المتظاهرين بالرصاص الحي، وبلغ عدد القتلى من المتظاهرين حوالي 800 شخصاً منذ بدء المظاهرات، وأُصيب أكثر من 20 ألف بجروح خلال المظاهرات ومن بينهم 3 آلاف إعاقة جسدية، فضلاً على اعتقال العديد من المحتجين وأيضاً قطع شبكة الإنترنت. كما أعلنت المفوضية العليا لحقوق الانسان عن اختطاف 170 شخصاً من المتظاهرين ومن ساحات الاحتجاج، من دون أن يعرف مكان وجودهم حتى الآن.
وفي 30 تشرين الثاني 2019 قدّم عادل عبد المهدي استقالته من رئاسة مجلس الوزراء استجابة لمطالب وضغوط المحتجين، وتمهيدا لإجراء انتخابات جديدة تعمل على تهدئة الأوضاع في البلاد.
اليوم وبماسبة الذكرى الثالثة لانطلاقة انتفاضة تشرين، حيث عاد المحتجون الى ساحة التحرير، تحدثت شبكة رووداو مع عدد من التشرينيات اللواتي شاركن في الانتفاضة منذ بداية انطلاقتها، لتسليط بعض الضوء على دور المرأة العراقية في هذا الحدث، حيث شكلت مشاركتها الواسعة والمؤثرة سابقة في تاريخ الانتفاضات الشعبية في العراق.
في التحرير منذ اول يوم
الناشطة المدنية انتصار جبار قالت: "منذ انطلاقة اول شرارة لانتفاضة تشرين، كنت مع زوجي واولادي في ساحة التحرير لاننا اعتبرنا هذه الانطلاقة هي بداية الأمل بتحرير العراق من الفساد والمحاصصة والتبعية لإيران وعودة العراق للعراقيين"، منبهة الى"اننا لم نتفاجأ باعداد النساء، الشابات منهن خاصة، اللواتي تواجدن في ساحت التحرير منذ البداية".
وعن المهام التي كانت تضطلع بها الناشطة انتصار خلال الانتفاضة في ساحة التحرير، قالت: "بداية تولينا، نحن مجموعة من النساء مهام الطبخ وتهيأة الطعام للثوار، وتضميد جراح المصابين وتنظيف الساحة، وبعد التحاق شابات من كلية الطب وكلية التمريض وطبيبات وممرضات، اضافة طبعا للأطباء والمسعفين، تحولت مشاركتنا الى الوقوف بالصفوف الأولى للمتحتجين وأمام عناصر الاجهزة الامنية اعتقادا منا بأن الميلشيات المسلحة وعناصر الامن سوف يخجلون من النساء ولا يوجهون فوهات بنادقهم نحونا وباتجاه الشباب المحتجين، لكن هذا لم يحدث اذ اصيب عدد كبير من النساء وبعضهن استشهدن كما الشباب، اضافة الى النساء اللواتي استشهدن في البصرة والناصرية وغيرها من المحافظات الوسطى والجنوبية، كما تعرضنا للضرب والشتائم والتهديد والطعن بشرف الشابات اللواتي كن يسعفن الجرحى". مشيرة الى" اننا اقمنا، بعد استشهاد الشاعر الشاب صفاء السراي، مع اخوته واصدقائه خيمة اطلقنا عليها اسم (أولاد ثنوة) وثنوة هي ام الشهيد صفاء السراي، عقدنا فيها ندوات التوعية والتثقيف على اهمية دوام واستمرار الانتفاضة، وكنا نادرا ما نعود الى بيوتنا".
وخلصت الناشطة المدنية انتصار جبّار الى ان "انتفاضة تشرين التي غيرت الكثير واسقطت حكومة عادل عبد المهدي، لكنها للاسف لم تحقق ما كان يريده الشعب بسبب المندسين وتدخل أحزاب السلطة، لكنها لن تنتهي فها نحن اليوم في ساحة التحرير لتحقيق اهداف تشرين".
العراقية قدمت الكثير للانتفاضة
الناشطة المدنية الشابة صفا جمال، من بغداد، التحقت بالتظاهرات في ساحة التحرير بعد اربعة ايام من انطلاقتها، ونصبت خيمة (سومريات) االتي تصفها بانها "كانت بمثابة منصتنا ومحل لقائنا حيث نجري الأحاديث والندوات المختصرة، ونتبادل فيها الأراء، كما كنت اهيئ (أطبخ) الطعام لزملائي المشاركين في الانتفاضة ونخزن فيها المواد الغذائية والطبية، ولأنني اهوى الرسم ودرست الفنون التشكيلية، فقد كنت غالباً ما ارسم او اكتب عن يوميات الانتفاضة".
صفا بالرغم من صغر عمرها الا انها بقيت، حسب ايضاحها، حتى نهاية الانتفاضة وتخريب الخيام، وتقول: "لقرب بيتنا في الكرادة، وسط بغداد، من ساحة التحرير فقد كنت اذهب يوميا منذ الصباح الباكر وحتى وقت متاخر من الليل، او ابقى هناك في الاوقات الحرجة التي يحتاجون فيها الى الاسعافات خلال شن الهجمات علينا"، مشيرة الى ان "عائلتي لم تكن تعرف، وحينما عرفت امي بمشاركتي انضمت الينا مع اخي حتى آخر يوم في الانتفاضة، فأنا اردت ان اشارك بفاعلية في هذه الانتفاضة من اجل التغيير الشامل وكي يستعيد العراقي كرامته داخل العراق وخارجه".
ولفتت الى ان "الاحقاد بين افراد الشعب العراقي نتيجة الطائفية والتخلف الذي ساد المجتمع بعد 2003، طفت على السطح اثر الازمات وتصرف احزاب الفساد، وانا مؤمنة بأن العراق موطن الحضارات والعلماء والمبدعين لا يستحق ذلك".
الناشطة المدنية صفا جمال غير نادمة على مشاركتها بهذه الانتفاضة "بل على العكس تماماً لقد حققنا اموراً كثيرة وان كانت جزئية، فما زلنا نعمل من اجل التغيير الشامل للنظام واسقاط احزاب الفساد واعادة العراق الى العراقيين، وعلى المستوى الشخصي كسبت صداقات كثيرة مع زملائي الذين تعرفت عليهم في ساحة التحرير، هؤلاء اصدقاء الدم والتضحية الذين لن انساهم، وعندما تعود الانتفاضة سأكون في مقدمة المشاركين"، مشيدة بـ"دعم العراقيات والعراقيين لنا مادياً ومعنوياً".
فخورة بمشاركتي
الشابة عبير محمود، طالبة جامعية، قالت: "كنت مع مجموعة من زميلاتي نتابع اخبار الانتفاضة في بداياتها، ثم سمعت اغنية (نازلة اخذ حقي) للفنانة االعراقية رحمة رياض أحمد، وهي من أول الفنانات اللواتي شاركن بالانتفاضة من خلال هذه الاغنية المؤثرة والمعبرة، اقترحت على زميلاتي ان نلتحق بالتظاهرات للمساعدة بإسعاف الجرحى، وكانت هذه االمهمة مؤثرة حيث كانت تقع يومياً عشرات الإصابات نتيجة اطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والي تصيب المحتجين مباشرة من قبل الميلشيات او من اطلقوا عليهم وصف (الطرف الثالث)، وكنا نعمل مع اطباء متخصصين لإجراء عمليات جراحية في خيام بساحة التحرير لمصابين وحالاتهم لا تسمح بنقلهم الى المستشفيات، لأن ذلك يستغرق الكثير من الوقت".
تضيف عبير قائلة: "كانت عائلتي لا تعرف بأني اترك الدوام في الجامعة مع زميلاتي للالتحاق بالانتفاضة، ولكن عندما علم والدي واخي قررا مرافقتي مساء لأخذ دورهم في هذه الانتفاضة"، مشيرة الى ان"انتفاضة تشرين ما كانت ستستمر لولا مشاركة المراة، وانا فخورة بانتمائي لهذه الانتفاضة وبعراقيتي التي استرجعتها وسوف استرجعها من الحكام الفاسدين في وقت قريب".
وتؤكد عبير، "لقد التقيت بطالبات جامعيات وخريجات من اختصاصات مختلفة وفنانات، رسامات، وممثلات معروفات، وأمّهات كن يجتمعن في مكان الطبخ او نتعاون على تنظيف الساحة والرسم على جدران نفق ساحة التحرير، تلك الساحة التي صارت بيتنا وجمهوريتنا التي لن ننساها".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً