رووداو تكشف عن قاهرة النهار والليل..أزدحامات وأسواق ومقاهي قديمة تجذب الزوار

 

 

 

ما يربط بين القاهرة في النهار والليل هو الازدحامات.. ازدحامات الناس والسيارات والدراجات النارية (الموترسايكلات).. وللسياقة في شوارع القاهرة اسلوب او اساليب لا يجيدها ولا يعرف اسرارها سوى المصريون انفسهم، حيث تتداخل المسارات، وسيارات تدخل على الاخرى دون اي اهتمام لقوانين او مبادئ السير والمرور، وبين هذه السيارات تتخاطف الدراجات النارية بصورة تثير هلع اي راكب غريب، واتحدى اي سائق غريب، غير مصري، ان يتطبع مع هذا الوضع ويتمكن من قيادة سيارته في شوارع القاهرة الا بعد مران طويل ومتعب..هذه المشاهد تؤثثها اصوات الاف المنبهات المختلفة بانغمها وقوتها لتشكل نشاز صوتي ومزعج عنوانه الفوضى. واستغرب كيف يمكن ان يضبط اي مواطن مواعيده اعتمادا على الانتقال بواسطة السيارة.

سالت اسلام ناصر، سائق سيارة التكسي التي اقلتنا من المطار باتجاه الزمالك، حيث الفندق، عن سبب اطلاق المنبهات(الهورنات) مع ان السير متوقف، قال مبتسما:"حتى نبدد الضجر"، واضاف:"هو يعني محمد عدوية غنى (زحمة يا دنيا زحمة) ببلاش؟ لا طبعا وانما لان الدنيا في القاهرة زحمة ليل ونهار بسبب عدد الناس والسيارات والشوارع في المركز هي..هي لم تتوسع او تزيد". مستطردا بان:"الحكومة بنت وتبني عدد من الجسور والطرق المعلقة لمعالجة الازدحامات، لكن ذلك يتم خارج مركز القاهرة".

 

وفقـاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصري(جهاز حكومي) فان العاصمة المصرية احتلت  المرتبة السابعة على العالم من حيث عدد السكان والبالغ نحو 22.1 مليون نسمة، ضمن قائمة المدن الأكثر ازدحاماً في العالم لعام 2023. وجاءت في المرتبة الأولى مدينة طوكيو البالغ عدد سكانها نحو 37.5 مليون نسمة. وفي المرتبة الثانية حلت مدينة دلهي بعدد سكان بلغ نحو 30.5 مليون نسمة. وتعد القاهرة، عاصمة جمهورية مصر العربية، أكبر وأهم مدن مصر على الإطلاق، وتعد أكبر مدينة عربية من حيث تعداد السكان والمساحة، 3,085 كم مربع.

 

 

وفي عام 2023 ،حسب الزيادة الطبيعية، ارتفع عدد سكان مصر من 72.8 مليون نسمة وفقاً لتعداد عام 2006 إلى 94.8 مليون نسمة فى تعداد عام 2017، ثم إلى 104.5 مليون نسمة في 1/1/2023 بزيادة قدرها 9.7 مليون نسمة عن بيانات آخر تعداد، (51.4٪ ذكور، 48.6٪ إناث).

 

 

اسال المهندس المعماري اسماعيل محمد عن المدن والمجمعات السكنية الكبيرة التي بنيت خارج القاهرة واسهامها بتخفيف الكثافة السكانية داخل القاهرة، يجيب: بان" امتلاك او تاجير الوحدات السكنية في المدن الحديثة مرتفعة جدا بل هي خيالية وفوق مستوى ميزانية المواطنين من اصحاب الدخل المتوسط او المحدود ولا يتمكن من شرائها او دفع بدلات ايجارها سوى الاغنياء والمترفين او اصحاب الوظائف الحكومية الراقية او المحظوظين الذين يحصلون على وظائف عالية في القطاع الخاص". مضيفا بان:"اصحاب الدخل المحدود او الكسبة والعمال في مختلف المجالات يسكون في الاحياء الشعبية منذ سنوات طويلة وبعضهم ورث نفس عقود الايجارات الزهيدة  للشقق في تلك الاحياء عن آبائهم والقوانين ليست فاعلة لاجبارهم على اخلاء هذه الشقق القديمة، فمثلا هناك شقق بدل ايجاراتها 300 او 400 جنيه مصري ، وهذا مبلغ زهيد للغاية اليوم، لهذا ترى ان هناك ابنية متداعية وتحتاج الى تجديد لكن اصحابها لا يقومون بتجديدها لاجبار السكان على تركها وايضا لان عوائدها المالية لا تشجع اصحاب الابنية من اعادة اعمارها". منبها الى ان هناك"الكثير من الابنية العشوائية التي تعمل الحكومة على إزالتها مقابل دفع تعويضات بسيطة لاصحابها لكن هذه الاجراءات تزيد من أزمة السكن".

 

من الجدير هنا ان نميز بين مفهومين للقاهرة، والقاهرة الكبرى: الأول المفهوم الضيق النطاق ويشمل محافظة القاهرة ومدن بنها وشبرا الخيمة والخصوص والعبور والخانكة وقليوب والقناطر الخيرية من محافظة القليوبية بالإضافة لمدينة الجيزة فقط من محافظة الجيزة، وقد تلاشى هذا المفهوم حاليا ولم يعد يستخدم. أما المفهوم الأوسع نطاقا وهو المفهوم الرسمي والمعترف به من الحكومة المصرية في الوقت الحالي وهو أن القاهرة الكبرى تمثل كافة أراضي المحافظات الثلاث (القاهرة والجيزة والقليوبية).

 

 

من شرفة الفندق ادقق في عدد السيارات المزدحمة فوق الجسر القريب وهي تعبر نهر النيل..السيارات تكاد تتحرك ببطأ شديد، واتسائل متى سيصل هؤلاء الى مقار اعمالهم صباحا او الى بيوتهم مساءا؟ هناك ما يقرب من 3 ملايين سيارة، بمختلف انواعها، خصوصي واجرة ونقل وحكومية تتحرك في شوارع القاهرة وحدها.

 

وقد أظهر التقرير الإحصائى والخاص بحصر المركبات المرخصة حتى نهاية عام 2022، أن إجمالى عدد المركبات المرخصة بمحافظات جمهورية مصر، بلغ  اكثر من 10 ملايين سيارة حتى نهاية عام 2022، واستحوذت محافظة القاهرة وحدها على أكثر من ربع عدد المركبات المرخصة خلال العام الماضى.

 

يقول أيمن منصور، الذي يعمل في احدى شركات استيراد السيارات الكورية:" لم تجري احصائية لعدد السيارات المرخصة للعام الحالي وعدد السيارات ربما بقي على ما هو عليه مع زيادات طفيفة بسبب قرار منع استراد السيارات من الخارج، واكتفى تجار السيارات على تداول السيارات المستعملة، وكذلك السيارات التي يتم تجميعها في مصر مثل بعض موديلات سيارة هيونداي الكورية وموديل صغير من سيارات سازوكي اليابانية وتصنيع اجساد باصات فولفو وغيرها".

 

 

لا تختلف شدة الازدحامات في القاهرة خلال الليل، سوى ان الالتزامات اقل ضغطا خاصة وان القاهرة مدينة لا تنام، ومتعة التجوال فيها ليلا اكثر منها في النهار. في الليل يكون الازدحام من نوع آخر، ازدحام الناس اضافة الى السيارات، وغالبية زوار مصر( المصريون يطلقون تسمية مصر على القاهرة)، يتوجهون ليلا الى المدينة القديمة، حي الحسين وخان الخليلي المزدهر بالاسواق الشعبية والمواد الفلكلورية والتراثية والهدايا التقليدية، وحيث الحياة الشعبية، ومن يزور القاهرة لا بد له ان يحتسي كوب شاي مصري(شاي كشري) في مقهى الفيشاوي الذي تجاوز عمره الـ 310 سنة، ويتوسط سوق خان الخليلي، وفي ركن من المقهى مجموعة من الموسيقيين الذين يعزفون ويؤدون اغاني ام كلثوم لجذب السياح، واذا توغلنا قليلا في السوق واتجهنا الى اليسار فسوف نصل مقهى (نجيب محفوظ)، وهذه المقاهي لا تغلق ابوابها حتى ساعات الفجر الاولى.

 

في حي الحسين، حيث مسجد الحسين وجامع الازهر الشهير، سنكتشف القاهرة الفاطمية، بابنيتها التراثية الاصيلة ومحلات بيع المسابح(السبح) والمخطوطات والوان من الحياة الشعبية الاصيلة.

 

في الجانب الآخر من المدينة، خاصة في الزمالك والمعادي، هناك الفنادق الحديثة بمطاعمها ومقاهيها التي يبدأ السهر فيها منذ منتصف الليل وحتى الصباح..الحياة هنا مختلفة في كل شيء، حتى في نوع الناس التي تسهر بهذه الفنادق وغالبيتهم من الطبقة المترفة سواء كانوا من السياح او المصريين الذين سيدفعون الاف الجنيهات خلال السهرة الواحدة.

 

 ما بين سوق خان الخليلي والزمالك هناك واحد من اهم شوارع مصر، شارع طلعت حرب بابنيته التراثية التي ما تزال تحافظ على عمارتها الاوربية التي انشأت خلال الثلاثينيات والاربعينيات. هذا الشارع المزدحم باستمرار هو سوق للملابس والمقاهي الراقية، او التي كانت راقية مثل مقهى (جروبي) العريق الذي  يقع في ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة. اسسه السويسري جاكومو جروبي عندما  جاء إلى مصر في ثمانينيات القرن التاسع عشر.، وكان ملتقى الشخصيات الراقية من باشوات ووزراء وسياسيين.