مطالبات شعبية في عفرين بمحاسبة مرتكبي مجزرة جندريس

28-03-2023
حسين عمر
الكلمات الدالة جندريس عفرين
A+ A-
رووداو ديجيتال 

أثارت المجزرة التي ارتكبها مسلّحون من فصيل جيش الشرقية، المنضوي تحت إطار الجيش الوطني السوري، الجناح العسكري للمعارضة السورية الموالية لتركيا والمتمثّلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في ليلة عيد نوروز في مدينة جندريس، والتي أسفرت عن سقوط أربعة شهداء من عائلة واحدة، موجة احتجاجٍ عارمة شملت جميع أنحاء منطقة عفرين، التي تحتلّها القوات التركية، بمشاركة فصائل الجيش الوطني، منذ 18 أذار 2018.
 
وفق إفادات الشهود وأفراد من عائلة الضحايا، في ليلة نوروز، 20 أذار 2023، دهم مسلّحون من الفصيل المذكور منزل العائلة المعروفة بعائلة (بيشمرك) في مدينة جندريس على خلفية إيقاد النيران أمام باب منزلهم، وبعد ملاسنة ومشاجرة، عاد المسلحّون إلى مقرّهم العسكري القريب لجلب أسلحتهم، ثمّ أطلقوا النار من سلاح (بي كي سي) مباشرة على الضحايا العزّل في منطقة الرأس والصدر، ممّا أسفر عن مقتل أربعة أفراد، (فارق ثلاثة منهم الحياة في الحال، في حين فارق الرابع الحياة في المستشفى) وهم ثلاثة أشقاء بالإضافة إلى ابن أحد الضحايا، كما جُرِح طفلٌ يبلغ من العمر 15 عاماً، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصّة، ويُدعى محمد عبدالرحمن خليل حسن، وينحدر من قرية رمضانا (رمضانلي) التابعة لناحية جندريس.  
 
أمّا الضحايا الأربع، فهم كلّ من فرح الدين عثمان (43 عاماً) ومحمد عثمان (42 عاماً) ونظمي عثمان (38 عاماً) ومحمد فرح الدين عثمان (18 عاماً)، وتنحدّر العائلة من قرية هيكجي التابعة لناحية شيه (ِشيخ الحديد)، وتُقيم منذ سنوات في جندريس. 
 
بينما المتّهمون بارتكاب المجزرة الجماعية، فهم كلّ من علي خلف (أبو حبيب)، قيادي في جيش الشرقية، وعمر صالح الأسمر من مواليد 2000، وحبيب علي خلف من مواليد 2004، وبلال أحمد العبود من مواليد 2000، وينحدرون من ريف دير الزور. 
 
وعن تفاصيل الحادثة، تحدّثت روشين محمد عثمان، شقيقة الضحايا الثلاث، وقالت: " قام أخي وابنه بإشعال النيران على سطح البناية، حينها هاجمهم بعض العناصر وسألوهم لمَ أشعلوا النيران؟، فردّوا عليهم بأنهم لا يعلمون من قام بإشعال النيران، خشية اعتقالهم، فقام أحد العناصر بضرب ابن أخي، فحاول والده الدفاع عنه، وتراشقوا بالحجارة، حيث صرح أخي، قائلاً: يكفي ظلماً". وأردفت روشين: "بعد تدخل إخوتي الآخرين، أحضر المسلحون السلاح، وقاموا بإطلاق النار على أشقائي الثلاثة وابن أخي، وأردوهم قتلى".  
 
وأوضحت: "أحد إخوتي تعرض لطلقة نارية في رأسه، وآخر تلقى 5 رصاصات في بطنه، فيما مثّلوا بجثّة أخي الآخر". وعرضت شقيقة الضحايا على شاشة رووداو طلقًا ناريّاً، قالت إنّه أخرج من جسد أحد أشقائها. 
 
وفي صبيحة الحادي والعشرين من أذار،  توافد الألوف من المواطنين الكورد من جميع أنحاء منطقة عفرين على مدينة جندريس للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم والمشاركة في تشييع جثامين الضحايا. 
 
أطلق المشيّعون والمحتجون هتافات ضدّ المجموعات المسلّحة ورفعوا شعارات تؤكّد على كوردستانية عفرين وتدعو إلى إخراج المسلّحين منها وتطالب بالحريّة لمنطقتهم وبحماية دولية لسكانها.
 
أحمد حسن، القيادي في المجلس الوطني الكوردي في سوريا وأحد ممثّليه في ائتلاف المعارضة، خاطب في الجموع المحتشدة أمام دار الضحايا، والتي ردّدت خلفه شعارات "محاكمة القتلة والحرية لعفرين والحماية الدولية لسكّانها". 
 
وللمرّة الأولى، منذ احتلال منطقة عفرين، تحدّث أبناء المنطقة علناً وبصوتٍ عالٍ عن محنتهم وعذاباتهم بسبب انتهاكات مسلّحي المعارضة السوريّة بحقّهم. 
 
زكريا خليل كوسه، مواطنٌ كورديٌّ من بلدة شيه (شيخ الحديد)، 55 عاماً، تحدّث أمام المحتجين، وقال: "منذ خمس سنوات لدخول الفصائل إلى عفرين، أيدي جميعها ملطّخة بالدماء، 280 شخصاً قُتِلوا تحت التعذيب، 60 امرأة معتقلة في سجون الفصائل، 21 طفلاً تحت التعذيب.. لقد انتُهِكَت أعراضنا، والألوف من الأشجار قُطِعَت وبيعت حطباً في إدلب، بيوتنا حتى الآن يستولون عليها، دفعنا إتاوات بآلاف الدولارات. هل هناك كورديٌّ واحدٌ لم يدفع، كلّنا دفعنا إتاوات. تقولون ثورة! أيّ ثورة؟! أيّ محرّر؟! عفرين ليست محرّرة، عفرين ليست محرّرة، عفرين محتلّة من قبل الفصائل".
 
في اليوم الثالث من الاعتصام، تحدّث سعيد عيسو، القيادي المحلّي في المجلس الوطني الكوردي، أمام المحتشدين أمام منزل الضحايا، قائلاً: "هذه وقفة احتجاجية للتضامن مع ذوي الشهداء وقد انتهت. لا هي مظاهرة ولا هي مسيرة، وليس لدينا أي برامج أخرى، وكلّ من يقوم بأيّ عمل آخر هو يتحمّل المسؤولية والضرر الناجم عنه".  
 
في اليوم التالي لهذه الكلمة، نُصِبَت خيمة أمام دار الضحايا، زيّنت بأعلام تركيا والمعارضة السورية، واستقبلت وفود عشائرية. مصطفى شيخو، الناشط في مجال توثيق الانتهاكات في منطقة عفرين، قال لشبكة رووداو الإعلامية: "إنّ رفع الأعلام التركية في الخيمة تمّ من قبل بعض المتعاونين مع تركيا، الأمر الذي أدّى إلى امتعاض المعتصمين ومغادرة بعضهم خيمة الاعتصام". وأردف شيخو، قائلًا: "يتلقّى النشطاء والمشاركون في الاعتصام تهديدات من قبل المجموعات المسلّحة لفضّ الاعتصام".
 
رُفِعَت الخيمة في اليوم التالي من تنصيبها، وانتهت مظاهر الاعتصام والاحتشاد أمام منزل الضحايا. وفي تسجيلٍ مصوّرٍ، من داخل منزل الضحايا، وجّهت ريزنافا عثمان، ابنة خالة الضحايا الثلاث، وشقيقة أرملة أحدهم نداءً إلى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، طالبة بتحقيق العدالة للضحايا وإخراج الفصائل المسلّحة من كامل منطقة عفرين، حيث قالت: "نناشد الرئيس رجب طيب أردوغان، نريد العدل، العدل، نريد محاسبة المجرمين القتلة الذين قتلوا أربعة شباب بتاريخ 20 أذار.. نطالب بإخراج الفصائل من كافة مناطق عفرين، لأننا منذ خمس سنوات نتحمّل الظلم، نتحمّل القتل، نتحمّل الإرهاب، نتحمّل الاغتصاب، لقد تحمّلنا كلّ شيء". 
 
بشأن تأثير هذه المجزرة والحراك الاحتجاجي على الوضع العامّ في عفرين، تحدّث عابدين رشو، القيادي في التحالف السوري الوطني، المعارض إلى شبكة رووداو الإعلامية، قائلاً: "المجتمع الدولي يراقب الوضع في عفرين عن كثب ولديه معلومات كاملة عمّا يجري في المنطقة منذ دخول القوات التركية إليها.. الدول لديها مصالح، لكننا نعمل مع مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته لممارسة الضغط على دولها.. أعتقد أنّ عمليات القتل في عفرين ستتوقّف، بعد هذه الحادثة، لكنّ الانتهاكات ستستمرّ". 
 
من جهته، تحدّث عدنان مراد، عضو الهيئة الاستشارية في الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا، إلى شبكة رووداو الإخبارية، ودعا الحركة الكوردية إلى القيام بمهامها في دعم أبناء منطقة عفرين، قائلاً: "لقد حدّد أبناء المنطقة مطالبهم بصوتٍ عالٍ وواضح، ومهمّة الحركة السياسية دعمهم ومساندتهم، لا المتاجرة بقضيتهم والمزاودة عليهم". مراد طالب المجلس الوطني الكوردي القيام بدوره: "يجب أن يكون المجلس الوطني الكوردي حاضراً في عفرين لإيصال صوت أهلها إلى كلّ الجهات، حتى إلى حكومة تركيا، لأنّ حكومة تركيا وإن كانت محتلّة إلا أنّ هذه الفصائل تابعة لها، وبالنتيجة، طالما أنّك ضمن الائتلاف فأنت أيضاً لديك علاقات مع الأتراك، لماذا إذاً لا تطلب من الأتراك أنّ هذه الفصائل تقوم بهذه الممارسات ضدّنا، لماذا لا نمارس نحن أيضاً نشاطنا؟ لماذا هناك فصائل مسلّحة في عفرين اليوم، لماذا لا تذهب قواتنا من البيشمركة إلى هناك؟ مثلما يُطالب أبناء عفرين. لدينا قوّة عسكرية ولكنّها ليست على أرضها، والقوة العسكرية للآخرين تتحكّم بنا على أرضنا".  
 
رافقت الحركة الاحتجاجية في منطقة عفرين تظاهرات ووقفات احتجاجية في بعض مدن غرب كوردستان مثل قامشلو وكوباني، وفي منطقة الشهباء، شمال حلب، وأربيل عاصمة إقليم كوردستان، والعديد من العواصم والمدن الأوروبية، عبّر المشاركون فيها عن إدانتهم لمرتكبي هذه المجزرة ومساندتهم لمنطقة عفرين ومطالب أبنائها. ولا تزال الدعوات إلى التظاهر والوقفات الاحتجاجية مستمرّة.
 
بعد خمسة أعوامٍ من احتلال منطقة عفرين التي جرى ويجري فيها أكبر عملية تغيير ديمغرافي تستهدف الوجود الكوردي في هذه المنطقة الكوردستانية التي كانت نسبة غير الكورد فيها لا تصل إلى 5%، بالإضافة إلى جميع صنوف الانتهاكات المتواصلة دون انقطاع، تعالى صوت العفرينيين وكأنّهم يقولون: لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولا صمت بعد اليوم في وجه منتهي كرامتنا وحقوقنا.
 
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب