رووداو ديجيتال
ابرز اسباب اضعاف الحركة الكوردية هي الانشقاقات التي حدثت في احزابها.. ابرزها انشقاقات عام 1964، وعام 1975، هذا الانشقاق الذي قاد الى تاسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني. بعض الانشقاقات حدث فيها اقتتال داخلي، 1964، ثم 1996.
السياسي الكوردي عدنان المفتي يفتح في البرنامج الحواري "ملفات عدنان المفتي" الذي تبثه رووداو عربية، في حلقته السابعة ملف الانشقاقات في الحركة الكوردية، يتحدث عنها بألم، متمنيا لو انها لم تحدث حيث يفترق رفاق الامس ويتحولون الى اعداء بل ويتقاتلون، مشيرا الى ان لـ" كل مرحلة من مراحل العمر لها تجاربها وانفعالاتها ومعطياتها وابعادها".
نسأله عن انشقاق جلال طالباني على حزبه، الديمقراطي الكوردستاني وزعيمه ملا مصطفى بارزاني عام 1975 وتشكيله للاتحاد الوطني الكوردستاني، الذي ترك من اجله المفتي، هو الآخر، حزبه (البارتي) والتحق مع (اليكتي) منذ بداياته: هل حدث انشقاق عام 1975 بشكل ودي وناعم ام خلف عداء بين الاتحاد والديمقراطي؟
يجيب المفتي قائلا: "انا لم اقرأ او اسمع عن انشقاق يحدث بشكل ناعم، وان كان في البداية يبدو كذلك، لكن ما ان يمر وقت قصير حتى يتحول إلى خشن وخشن جدا احياناً وكراهية، ثم تنتشر هذه الكراهية التي تبقي رفاق الامس تعاني منها.. وعلى عكس المنطق فإن الزمن لا يساعدنا لاستمرار الخلافات التي تعمّقها التغيرات و تدخلات الاخرين".
اعود وأسال المفتي: على ذكر الحديث عن رفاق الامس.. تحدث لي مام جلال كيف اغمي عليه عندما التقى وللمرة الاولى، بعد معاناة وطول انتظار، الزعيم ملا مصطفى بارزاني في موسكو عام 1957، وعندما سالت طالباني عن اسباب انشقاقه عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني وزعيمه بارزاني نزلت الدموع من عينيه.. كيف استطاع الانشقاق عنه وكيف استطعتم مغادرة رفاق الامس ومؤسسي الثورة الكوردية؟
يتأمل المفتي قبل الاجابة عن هذا السؤال، ويقول: "الكثير منا عندما يصل الى هذه المرحلة، اليوم، يكون قد مارس العمل السياسي لاكثر من نصف قرن.. كل مرحلة من مراحل العمر لها تجاربها وانفعالاتها ومعطياتها وابعادها. وانت شاب تفكر وتنفعل بطريقة مختلفة تماما مع التجارب التي تتراكم وتتفهم من الدنيا ما كنت لا تفهمه سابقا في مرحلة الشباب والاندفاع والحماس خاصة للشاب في مرحلة الثورة"، مضيفا: ان "محنة الشعب الكوردي هي ان ثورته مستمرة دائما حتى تنتصر وتستقر وتعود الى الحياة الطبيعية.. نحن في ثورة دائمة وان تخللتها سنوات من الاستقرار خاصة بعد الانتفاضة، 1991، وحتى في تلك الظروف، الانتفاضة، كانت الحركة مستمرة لان المخاطر موجودة من بغداد وانقرة وطهران، ومن اثار الخلافات التي تكلمت عنها.. انت ككوردي لا تشعر بالاستقرار نهائيا، لهذا لا يمكن ان تبقى الآراء والمواقف هي نفسها، بعضها يفندها الزمن والبعض الأخر تغيرها الظروف الموضوعية، كذلك دور المحيط والأصدقاء، اعني الاصدقاء الذين تلتقي وتتناقش معهم، تؤثر فيهم ويؤثرون فيك، لذلك فان مام جلال واي واحد منا مررنا بمراحل مختلفة وهذه المراحل لها مميزاتها، انا في مرحلة من المراحل ايضا كنت مثل مام جلال، وفي اخرى مواقفي كانت مختلفة".
وفي رده عن سؤال حساس يتعلق، ايضا بانشقاق طالباني عن الزعيم بارزاني: هل هناك من أثر على جلال طالباني ودفعه للانشقاق على الزعيم ملا مصطفى بارزاني؟
يجيب بذكائه المعهود: "انت التقيت بمام جلال كثيراً وسألته عن هذا الموضوع، فماذا أجابك؟". قلت وقتذاك: قال لي طالباني "الله لا يجازي من كان السبب".
يستغرق السياسي الكوردي عدنان المفتي الذي كان مقربا للرئيس جلال طالباني، في ايضاح شخصية زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني، قائلا: "عندما هيأت نفسي لاسافر الى دمشق للقاء مام جلال لاول مرة، في 7 تشرين الاول 1975، وكان الاتحاد معلناً وانا معهم حيث نظمت عشرات الناس للانضمام له وانا في ايران، سألت عمي شمس الدين وقلت له انا اعرف مام جلال من بعيد وانت صديقه المقرب فكيف يمكن ان اتواصل معه وان اتعرف عليه وعلى افكاره عن قرب؟ ضحك عمي وقال لي: انت تعرف انه (مام جلال) صديقي من ايام الدراسة المتوسطة والثانوية، واقول لك شيء مهم لا تتسرع في تقييم مام جلال، ولو أنني تسرعت فيما بعد بتقييمه ولم اصغي لملاحظة عمي، واكمل قائلا: مام جلال كوردي قبل كل شيء، عقله ومزاجه (كوردايتي)، ومن اجل الوصول الى هدفه يستخدم اية وسيلة يجدها مناسبة من اجل تحقيقه، لذلك تجده احيانا يساريا ويتجاوز الحزب الشيوعي العراقي بافكاره اليسارية، اذا وجد ان هذا يساعد الشعب الكوردي على تحقيق النصر".
اسأله: هل هذا اتباع لمقولة ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)؟ يجيب المفتي: "ممكن ان تفسرها هكذا، لكنه ليس سياسيا مجردا بل هو مسؤول عن حركة ومصير شعب. عمي شمس الدين اكمل في ايضاح شخصية مام جلال قائلا: هو معروف بانه صديق العرب، هذا ليس لانه يحبهم فحسب، مع انه يحبهم بالفعل، لكنه يجد انهم، العرب، اقرب للقضية الكوردية وللكورد من الشعوب الاخرى المحيطة بالشعب الكوردي، لهذا ذهب الى جمال عبد الناصر وغيره من القادة العرب، وقد يقول بعضهم بان طالباني متقدم علينا بالعروبة، وفي اليوم الثاني قد يسلك طريقا آخر يعتقده يخدم القضية الكوردية.
واستطرد عمي قائلا: "انت لا تستعجل بالحكم عليه ولا تنفعل ولا تقلق اذا وجدته في مواقف لا تنسجم مع رؤياك وتطلعاتك.. هذا كان درسا مهما لي".
لكن، هل كان هناك تواصل مع قيادات الديمقراطي لاعادة المياه الى مجاريها من اجل استمرار الثورة الكوردية؟
يجيب المفتي موضحا: "الدكتور محمود عثمان، كان عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي ومسؤول العلاقات فيه، وشمس الدين المفتي، كان قياديا في الديمقراطي ووزيراً للزراعة عام 1974، وعبد القادر جباري كان عضو في اللجنة المركزية ومسؤول فرع، شكلوا اللجنة التحضيرية للحزب الديمقراطي الكوردستاني انسجاما مع اجواء الاتحاد الوطني وجاؤوا الى دمشق، ولانهم يعتبرون انفسهم جزء من القيادة السابقة للثورة الكوردية ومسؤوليتهم مختلفة عن الاخرين المنضويين للاتحاد الوطني كونهم كانوا جزءاً مباشراً من قيادة الديمقراطي والثورة الكردية ولذلك استمروا لمدة في العمل تحت نفس الاسم ويعتقدون انهم يعملون على اعادة تشكيل الحزب الديمقراطي الكوردستاني من منطلق مختلف عن القيادة المؤقتة، لهذا شكلوا هذه اللجنة لتوضيح الرؤيا اكثر، وكتب الدكتور محمود عثمان كراس (لماذا انهارت الثورة الكوردية) باعتباره مسؤول اللجنة التحضيرية، بعد عامين، انا ايضا والشهيد جمال وآخرين، تواصلنا معهم امتدادا لاعمال هذه اللجنة، لكن كلنا كنا في محيط الاتحاد الوطني".
ويضيف، "كان للاتحاد تواصل مع المجاميع التي عادت الى العراق امثال علي العسكري والدكتور خالد وعمر دبابة هؤلاء كانوا من قياديي وتنظيم المكتب السياسي (جلالي) سابقا وفي الجانب الاخر صالح يوسفي الذي كان في المكتب السياسي (بارزاني) رفض ان يبقى في ايران وهو اول واحد سلم نفسه للجانب العراقي متصورا ان الوضع طبيعي وكان مسالما وكتب رسالة الى احمد حسن البكر والقيادة العراقية يدعوهم فيها الانفتاح على الشعب الكوردي لكنهم لم يسمعوا كلامه، وكان وزيرا في الحكومة العراقية بعد بيان آذار (1970- 1974)ورئيس لجنة الصداقة العراقية السوفياتية".
وفي الحديث عن مبادرات القيادة الكوردية في التواصل مع الحكومة العراقية لاصلاح ما يمكن اصلاحه، حتى ولو تمت التضحية ببعض الخسائر، يقول المفتي: "بعد اتفاقية الجزائر بين العراق وايران، اجتمعت القيادة الكوردية وكتبت رسالة الى القيادة العراقية اكدت فيها ان اتفاقية الجزائر ليست في مصلحة العراق وطلبت من القيادة العراقية التراجع عنها وان ملا مصطفى بارزاني مستعد ان يدخل في حوار مع الحكومة العراقية عن الحكم الذاتي الموجود".
اسأل المفتي: الم تعتبروا هذا تراجع من قبلكم او مقترح متأخر؟
يجيب قائلا:" نعم اقتراح متأخر، وكنا نتمنى من القيادة العراقية ان توافق على هذه المبادرة، فهذا يعتبر نصف نصر لان اتفاقية الجزائر كانت اخطر من هذه المبادرة". يستطرد قائلا: "الآن افكر بان مشكلة الحركة الكوردية والانظمة العراقية، بما فيها الحكومة الحالية، الآن، ان اي طرف عندما يشعر بالقوة يُصاب بالغرور ولا يتجاوب مع الطرف الآخر، وعندما يضعف يتنازل للطرف الآخر، والطرف الآخر لا يستغل هذه الفرصة.. هذا حدث سابقا ويحدث حاليا.. مثلا بعد الاستفتاء الذي جرى في اقليم كوردستان، اصاب الغرور الحكومة العراقية وهاجم الجيش العراقي قوات البيشمركة في كركوك في 16 اكتوبر 2017، بدل عن ذلك كان يجب ان يستغلوا هذه الفرصة ويفتحوا حوارا مع الحكومة الكوردية، لكن الغرور منعهم من ذلك.. قبلها كنا نتهم نحن بالغرور واننا لا نسمع الكلام.. وعندما تحقق الانتصار على تنظيم داعش الارهابي، بالرغم من ان هذا الانتصار شاركت فيه قوات البيشمركة وقوات التحالف الدولي وآخرين، لكن حيدر العبادي رئيس الوراء وقتذاك اعتبر نفسه هو قائد النصر باعتباره القائد العام للقوات المسلحة مع اننا لسنا في عهد صدام حسين.. وعندما كان فؤاد معصوم رئيسا للجمهورية، تقدم اياد علاوي، عام 2016، بمشروع لاجتماع القوى السياسية لتجاوز المشاكل وذهبنا مع الأخ فاضل ميراني، سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني، إلى بغداد واجتمعنا في بيت فواد معصوم، واكتشفنا ان صاحب المشروع، علاوي، قد سافر الى عمان.. وبوجود نوري المالكي وعمار الحكيم وسليم الجبوري رئيس البرلمان وصالح المطلك سألنا عن العبادي فقالوا انه في الموصل وفي طريقه الى بغداد، انتظرنا اكثر من ساعتين ولم يحضر، اعتقد بسبب الانتصار الذي تحقق على تنظيم داعش و لم يأخذ هذا الاجتماع بالأهمية ولا يمكن فهم موقفه إلا بالغرور الذي اشرت اليه، لذلك فشل الاجتماع، وفي وقت سابق كان هناك مشكلة رفع العلم الكوردي في كركوك مع نجم الدين كريم، المحافظ السابق لكركوك، وايضا سافرنا مع الأخ فاضل ميراني و الأخ فواد حسين وانا الى بغداد لبحث المشكلة وكذلك لبحث موضوع الميزانية والرواتب، والتقينا بحيدر العبادي، ولو انه كان مجاملا ولطيفا، وقلت له عن المشكلة المالية التي نعاني منها حيث لم نستطع دفع الرواتب وانتم كذلك بسبب انخفاض اسعار النفط الى 7 دولارات للبرميل الواحد، لكنكم تستطيعون دفع الرواتب لوجود الاحتياطي في البنك المركزي وانا كعراقي كوردي لي حصة ايضا في هذا الاحتياطي؟ اتساءل لماذا يتمّ التعامل مع الإقليم بهذا الشكل؟ لكن الغرور دفعهم الى فرض الحصار على الاقليم".
في رده على سؤالنا: الم يحدث غرور عند اي طرف من القيادة الكوردية عندما تشكل الاتحاد الوطني؟
يجيب السياسي الكوردي عدنان االمفتي قائلا: "لا لم يحدث ذلك ربما كنا متعصبين لتنظيماتنا لاننا كنا في وضع صعب لا يدعو إلى الغرور، القيادة المؤقتة تشكلت في (نغدة) وكان هدفها أن تنظم صفوفها وربما روح الصراع والتنافس مع الاتحاد كان اساسيا. وعندما تشكل الاتحاد الوطني في دمشق اعتبر منافسا و بديلاً للديمقراطي و بدأت البيانات المتشددة والاتهامات تصدر تدريجيا ضد بعضنا البعض".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً