رووداو – أربيل
اقتربت القوات الحكومية السورية، اليوم الاثنين، من الحدود مع تركيا، تطبيقاً لاتفاق أعلنت الإدارة الذاتية بكوردستان سوريا توصلها إليه مع دمشق، لصدّ هجوم واسع بدأته أنقرة وفصائل سورية مسلحة موالية لها قبل نحو أسبوع.
ولم يجد الكورد بعد تخلي واشنطن، داعمتهم الرئيسية عنهم، خياراً أمامهم سوى مطالبة الحكومة السورية بنشر قواتها في المناطق الحدودية لوقف القصف والهجوم التركيين، والذين تسببا بنزوح أكثر من 130 ألف شخص خلال أيام.
وشوهدت القوات الحكومية السورية وهي تنتشر على مشارف بلدة تل تمر، كما شوهد عدد من الجنود يحملون الأعلام السورية وسط ترحيب بعض المدنيين الذين قدموا لاستقبالهم.
وأكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن "وحدات من الجيش العربي السوري تدخل بلدة تل تمر" الواقعة على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من "سري كانييه"، حيث تتركز المعارك.
واقتربت بعض القوات السورية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، لنحو ستة كيلومترات من الحدود التركية.
وفي مناطق حدودية أخرى، انتشرت وحدات من القوات الحكومية السورية مزودة بدبابات وآليات ثقيلة في محيط منبج، وكذلك قرب مدينتي الطبقة وعين عيسى، وفق المرصد.
وتسعى أنقرة من هجومها إلى إقامة ما تسمى "منطقة عازلة" بعمق 32 كيلومتراً تحت سيطرتها تنقل إليها قسماً كبيراً من 3,6 ملايين لاجئ سوري لديها، ما يعتبره الكورد خطراً كبيراً على ديموغرافية مناطقهم، وبدأت تركيا هجومها بعد يومين من سحب واشنطن لجنودها من نقاط حدودية، في خطوة بدت بمثابة ضوء أخضر أميركي لأنقرة وتخلياً أمريكياً عن الكورد.
اتفاق "عسكري" فقط
وتسبّب الهجوم منذ الأربعاء، وفق المرصد، بمقتل 69 مدنياً في شمال سوريا "كوردستان سوريا"، و128 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية. كما قتل 96 من الفصائل الموالية لأنقرة.
وأحصت أنقرة من جهتها مقتل أربعة جنود أتراك في سوريا و18 مدنياً جراء قذائف اتهمت المقاتلين الكورد بإطلاقها على مناطق حدودية.
وشهدت مدينة "سري كانييه"، اليوم الاثنين، اشتباكات عنيفة، بعد قصف "هستيري" بالمدفعية والطائرات ليلاً، وفق المرصد.
ونقلت وكالة "فرانس برس" الفرنسية عن المدعو "أبو بسام"، وهو مسلح في الفصائل الموالية لأنقرة، اليوم الاثنين، إن مقاتلي قوات سوريا الديموقرطية "يستخدمون شبكة أنفاق رهيبة محفورة تحت المدينة"، مضيفاً أن "تنقلاتهم سريعة. يسيرون في الخنادق ثم يخرجون من بناء آخر".
وقتل عشرة مدنيين، أمس الأحد، جراء غارة تركية استهدفت قافلة مدنيين كان ضمنها صحفيون في "سري كانييه"، ونقل عشرات الضحايا إلى أحد مستشفيات مدينة قامسلو.
وشوهد مصابون تعرّضت أطرافهم للحروق وآخرين يئنون من شدّة الألم أثناء معاينة جروحهم وتضميدها، بينما كانت عائلات تبحث عن أبنائها المفقودين جراء القصف التركي.
وعلى وقع التقدم التركي والفصائل السورية المسلحة التابعة لأنقرة، أعلنت الإدارة الذاتية بكوردستان سوريا، في بيان أمس الأحد، الاتفاق مع دمشق بأن "يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود" بهدف "مؤازرة" قواتها "ولكي نمنع ونصدّ الاعتداء" التركي.
ولم توضح تفاصيل الاتفاق الذي تمّ برعاية موسكو، أبرز داعمي الرئيس السوري بشار الأسد، وما إذا كانت قدمت تنازلات لدمشق، إلا أن تعميماً أصدرته الإدارة لموظفيها، اليوم الاثنين، أفاد بأن الاتفاق "عسكري" هدفه فقط "حماية الحدود"، ولن يؤثر على عمل الإدارات التابعة لها.
وينصّ الاتفاق، وفق ما نشرت صحيفة "الوطن" المقربة من دمشق، اليوم الاثنين، على "دخول" الجيش السوري إلى منبج وكوباني، المدينتين اللتين لطالما أبدت أنقرة عزمها السيطرة عليهما.
وتوقّع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اليوم الاثنين، "انسحاب" المقاتلين الكورد من مدن رئيسية كمنبج، ونوّه بموقف روسيا "الإيجابي"، قائلاً إنه "لا يبدو أنها تضع أي عقبات في طريق هجوم القوات التركية على كوباني".
تنازلات مؤلمة
ويشكّل الاتفاق تحولاً جديداً في مسار النزاع، بعدما اصطدمت مفاوضات سابقة بين الطرفين بحائط مسدود، ولطالما أصرّت دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع عام 2011، بينما تمسّك الكورد بإدارتهم الذاتية والمؤسسات المدنية والعسكرية التي بنوها بعد عقود من التهميش على يد الحكومات السورية المتعاقبة.
وفي مقال بمجلة "فورين بوليسي"، أمس الأحد، كتب القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي: "نعرف أنه سيكون علينا تقديم تنازلات مؤلمة، لكن علينا الاختيار بين التنازلات أو إبادة شعبنا، وبالتأكيد سنختار الحياة لشعبنا".
خلال الأيام الماضية، دعت قوات سوريا الديمقراطية واشنطن لمراجعة خياراتها، وتحمل "مسؤولياتها" تجاهها، إلا أن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أعلن، أمس الأحد، أن تعليمات أصدرها الرئيس دونالد ترمب ببدء سحب نحو ألف جندي أمريكي من شمال شرق سوريا "كوردستان سوريا".
ورحب إردوغان، اليوم الاثنين، بتصريحات إسبر، وقال للصحفيين في إسطنبول: "إنها خطوة إيجابية".
وحذّرت دول غربية عدة بأن الهجوم التركي قد يساهم في إحياء تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة رغم هزيمته الميدانية على يد قوات سوريا الديمقراطية.
واعتبر الاتحاد الأوروبي، اليوم الاثنين، أن الهجوم التركي "يقوّض بشكل جدي الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها".
وكررت قوات سوريا الديمقراطية خشيتها من أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلباً على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات التي تضم الآلاف من مسلحي التنظيم وأفراد عائلاتهم.
وأعلنت الإدارة الذاتية، أمس الأحد، أن 785 من عائلات "الجهاديين" الأجانب فروا من مخيم عين عيسى في ريف الرقة الشمالي بعد قصف تركي قربه.
وقال ترمب في تغريدة على "تويتر"، اليوم الإثنين: "قد يكون الكورد في طور إطلاق سراح البعض لإجبارنا على التدخل".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً