عدنان المفتي لرووداو: المخابرات العراقية نجحت بتجنيد امرأة كوردية دست سم الثاليوم لنا

25-06-2024
معد فياض
حوار معد فياض مع عدنان المفتي
حوار معد فياض مع عدنان المفتي
A+ A-
 
رووداو ديجيتال

ثلاث محاولات جرت لاغتيال السياسي الكوردي عدنان المفتي، ونجا منها، الاولى كانت بواسطة قصف جوي من قبل القوات العراقية ولم تكن تستهدفه لوحده جرت في عام 1974 في جومان، والثانية، كانت بتخطيط مخابرات النظام العراقي وتنفيذ عميلة كوردية زوجة مقاتل في بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني استهدفته والدكتور محمود عثمان وسامي شورش واحد قادة البيشمركة، وراح ضحيتها ثلاثة ابرياء في حادث تسمم عام 1987 في منطقة مرگة.
 
كان المفتي بحاجة الى ان يروي في الحلقة 18 من برنامجنا الحواري"ملفات عدنان المفتي" الذي يُقدم عبر رووداو عربية بتفاصيل عن المحاولة الثانية لاغتياله مع الدكتور محمود عثمان وسامي شورش باسلوب السيناريو السينمائي، ذاكرا وبدقة احداث مر عليها اكثر من 39 سنة دون ان ينسى اي تفصيل للجغرافيا والتاريخ او توقيت بالساعة والدقيقة.
 
لاكثر من مرة يذكر المفتي في هذا الملف بانه:" مهما تحدثنا عن تفاصيل هذه المحاولة لا نستطيع ان نفي حقها من الاحداث، بل تحتاج الى ان تتحول الى فيلم سينمائي مثل تلك الافلام التي تناولت قصص اغتيال سياسيين في العالم". وبالفعل هي كذلك.
 
بداية يقول المفتي:"الانسان عندما يختار طريق النضال، خاصة اذا كان كورديا، يكون طريقه محفوفا بالمخاطر، اما الاغتيال او السجن، وانا سُجنت كثيرا داخل العراق وخارجه، والالتحاق باليشمركة يعني ان حياتك في اي لحظة محفوفة بالموت، سواء عن طريق قصف جوي او مدفعي او خلال المعارك والمواجهات العسكرية المباشرة"، مضيفا:". هناك ثلاث محاولات في ملف اغتيالي، الاولى بقصف طيران ونجوت منها بالصدفة، في منطقة جومان بطريق حاج عمران، والثانية عام 1987، كانت بعد المصالحة بيننا الحزب الاشتراكي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني و العمل المستمر للمصالحة الشاملة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني. و تشكيل الجبهة الكوردستانية، و كنا قد افتتحنا مقراً جديداً لنا في قرية سيروان القريبة من ناحية مرگة، التابعة للسليمانية ، قبلها كنا قد شكلنا وفد كبير: دكتور محمود عثمان و رسول مامند و محمد حاجي محمود و محمد شاكلي و عمر  بوتاني وآخرين وانا،  بقينا عشرة ايام بضيافة مام جلال، معظمهم رجعوا ، وتقرر ان نبقى هناك، محمود عثمان وانا  حتى الربيع القادم لتعزيز العلاقات و التنسيق الميداني و نرى كيف تسير الامور".
 
مستطردا بقوله: "كانت هذه المنطقة واسعة ومحررة، وفي هذه  القرية (سيروان) التي تبعد مسافة نصف ساعة عن ناحية مرگة، كان القتال يدور حولنا، وكان مقرنا بجانب منزل ومقر الأخ مصطفى جاورش وكان مسؤلا عسكريا في الاتحاد الوطني الكوردستاني، وفي يوم 24 تشرين الثاني 1087، كان هناك قتال على الجبهات وسمعنا عن استشهاد اثنين من البيشمركة وعدد من الجرحى فذهبنا لزيارة الجرحى وتشييع الشهداء، والتقينا بالاخ مصطفى الذي قال بان التشييع غير جاهز ويحتاج الى ساعتين وتم نقل الجرحى الى المستوصف، ثم دعانا للغداء في بيته ريثما يحين موعد التشييع. كان في بيته والدته وسيدة اخرى اسمها نرمين. وهي زوجة مقاتل قديم معنا  في بيشمركة الاتحاد، اسمه جبار، وكنا قد التقيناه قبل شهر ونحن نعبر من قنديل الى  ناحية مرگة،  وكان قبل ذلك معتقلاً لدى السلطات العراقية منذ عام وتم إطلاق سراحه عام 1985 ثم التحق مع زوجته بالثورة" .
 
يوضح السياسي عدنان المفتي قائلا:"من التحليلات اللاحقة يبدو ان زوجته، نرمين، كانت في تواصل مع السلطات العراقية في محاولة لاطلاق سراحه ، ويمكن خلال ذلك تم تجنيدها للعمل معها مقابل اطلاق سراح زوجها، وقد كُلفت بتسميمنا بالثاليوم، ولاحقا عرفت بانه نوع من السموم القاتلة التي كان النظام العراقي يستخدمها لاغتيال معارضيه، وحتى الان اتذكر ان احد معارضي النظام العراقي كان في سوريا تم اغتياله بهذا السم، وكان يُصنع في العراق بمساعدة من اجهزة في دول صديقة للنظام في ذالك الزمان ، وهو تطوير لسم الجرذان..نعود الى حادث التسمم، عندما ذهبنا الى بيت مصطفى ووجدنا هذه المراة، (نرمين )هناك وكان يفترض ان تذهب الى السليمانية، وهي  بالفعل ذهبت لكنها عادت بعد أيام وحسب التحليلات يبدو انها ابلغت من كانت تتعاون معهم من المخابرات العراقية بوجودنا هناك و بامكانية نجاحها في مهمتها المخابراتية حيث تم تزويدها بكمية اضافية من الثاليوم وعادت الينا بحجة مساعدة ام مصطفى بتهيأة الطعام وخدمة البيت".وبتفاصيل اكثر يقول:" المهم نحن تناولنا الغداء الساعة 12 ظهرا، ونزلنا الى المكان المخصص لتشييع الشهداء ، بواسطة سيارة والمسافة كانت قصيرة تستغرق  5 دقائق للوصول الى المقبرة، وكان معنا بستون ملا عمر وهو كادر و بيشمركة معروف الذي ما ان ترجل من السيارة سقط مغشيا على الأرض فاقداً  وعيه في حالة تشبه  الازمة القلبية ثم تشاورنا فيما بيننا و حملته مع اخرين و رجعنا إلى المستوصف و بقي فاقد الوعي ، المرة الوحيدة التي فتح فيها عينيه و شاهدنا نقف حوله ولا يمكن ان انسى تلك اللحظة التي قال فيها :(انا محرج لانني جعلتكم تنشغلون بي) ،وفقد وعيه ثانية.. كانت في البيت امرأة اخرى اسمها سريعة ابنة ملا محرم من ناحية مرگة، وكانت تساعد والدة مصطفى، و بينما كنا مع بستون في المستوصف تم نقلها، (سريعة)،  الى المستوصف ..في هذه الاثناء تقيء بستون وصدرت عنه رائحة كريهة، ثم سمعنا صراخ سريعة قبل الاغماء عليها، انا استغربت الوضع وقلت لمحمود عثمان و شوان ان الوضع غريب لكنهما استبعدا ان يكون هناك امر شاذ وقالوا ان بستون ربما تعرض لسكتة قلبية وعن سريعة قالوا يمكن عندها حالة صرع لكنها تقيأت أيضا وصدرت عنها نفس الرائحة الكريهة وهنا اقتنعت باننا تعرضنا للتسمم".
 
يتحدث المفتي باسلوب يشبه السيناريو الدرامي من حيث الاوصاف والتوقيتات، يقول:" بستون في الساعة 2و45 مساءً ، استشهد بستون، وكان مصطفى في حالة صدمة، حاولنا أنا و سامي التقيؤ عسى ان نسبق ما يحدث و نحن في حالة ذهول وعدم اليقين مما يحدث، بعد ساعة من رحيل بستون، 3و45، استشهدت سريعة.. وتلاحقت الاحداث الدرامية فبعد لحظات جيء بام مصطفى الى المستوصف لاصابتها بذات الاعراض ، فقررنا ارسالها الى السليمانية للعلاج. هنا تاكدنا باننا تعرضنا للتسمم، دون ان نشك باحد وقتذاك .. محمود عثمان قال اذا مرت 12 ساعة دون ان يحدث لنا شيء فهذا يعني اننا سلمنا من التسمم". وباسلوب دقيق يشدنا المفتي لمواصلة الاحداث الدراماتيكية، قائلا:" في تلك الليلة حاولنا ان ننام ومعنا سامي شورش، لكننا كنا نعاني من قلق شديد.. في الساعة السادسة صباحا سمعنا صوت الصديق (دلاور )وهو بيشمركة قديم يعلمنا بوفاة ام مصطفى قبل وصولها الى السليمانية..اعادنا هذا الى نقطة الصفر وخيم علينا الذهول و القلق و انتشر الخبر بسرعة ،وتحول شكنا بتعرضنا للتسمم الى يقين، و ذهبنا إلى  المقبرة لتشييع والدة مصطفى الذي كان بشعر بتعب وألم والحزن على ما يحدث ، فقلنا له انت قبل 3 اسابيع كنت تعاني من هذه الاعراض واقترحنا عليه الذهاب الى ايران للعلاج ، قرر سامي شورش الذهاب الى منطقة (برگلو وسرگلو) مقر قيادة الاتحاد الوطني، ويوجد فيها اطباء وعلاج، وذهب مشيا والمسافة تستغرق 4 ساعات".
 
بالرغم من بعد هذه الاحداث زمنيا، والتي مر عليها 37 عام الا ان المفتي يتذكرها بدقة وكانها حصلت بالامس، يواصل حديثه قائلا:" في الساعة 12 ظهرا من اليوم التالي، اي بعد 24 ساعة من الحدث، شعرت بخدر في اصابع قدمي، وتورم و انتفاخ في قدمي الاثنتين مع تعرق شديد بجسدي وشعور بالألم، صبرت متحملاً  الأوجاع  خوفاً من أكون متوهماً أو من أي تعليق من الرفاق بهذا المعنى ثم أخبرت الدكتور محمود عثمان بحالتي، وكان هو حينها لا يشعر باي تاثير او الم، وهذه قصة طويلة تحتاج الى ان تتحول الى فيلم سينمائي لعرض كامل التفاصيل، كانت هناك سيارة نقلتنا الى برگلو وسرگلو، وفي المستوصف فحصوا القلب واجروا لنا تحاليل دم وكلها كانت سليمة، ودكتور محمود حتى ذاك الوقت لم يشعر باي شيء، وكذلك سامي شورش، كنت انا الوحيد بينهم اعاني من الالم وقتذاك". 
 
وفي المزيد من المعلومات يتذكر المفتي قائلا:"عند تحليلي للاوضاع اكتشفنا ان السم وضع لنا في اللبن وعند توزيع اللبن علينا كنت انا قد شربت القدح ونصف القدح ما قبل الاخير، وبستون كان آخر من شرب اللبن، وهذا السم ثقيل ويتركز في قعر القدر او الاناء الذي كان يحويه ، ولهذا فان ام مصطفى وسريعة شربن من القعر وكان تاثير السم سريع عليهن، والوحيدة التي لم تتاثر صحتها وبقيت مثلما هي نيرمين، وابنها، عمره 5 سنوات".
 
من اجل الاسراح بانقاذ حياتهم، لا سيما وانه لا توجد عقاقير او تشخيص دقيق لحالتهم المرضية، بعد 5 ايام يقرر عدنان المفتي وسامي شورش:"الذهاب الى مستوصف الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني وكان فيه اطباء فرنسيين لكنهم عندما وصلوا الى هناك وجدوا ان الاطباء قد عادوا الى فرنسا". وكان الحظ يلعب معهم لعبته في تاخير شفائهم، لهذا وحسب المفتي:" ثقررنا الذهاب الى كوملة ايران وكان عندهم اطباء جيدين لكنهم لم يعرفوا السبب وتشخيص حالتنا المرضية لكن كان عندهم كتاب ضخم عن الطب العام يصدر سنويا ويضم معلومات عن آخر الامراض والادوية، فجاءوا بهذا الكتاب وفيه فصل كامل عن السموم وقرأوه حتى وصلوا الى سم الثاليوم الذي جميع اعراضه تنطبق علينا وعلى الاشخاص الذين ماتوا، فقلت للطبيب لا مزيد من النقاش هذه هي الاعراض التي نعاني منها بضمنها سقوط الشعر وانا كان شعري بدأ بالتساقط، فقال الاطباء اذا تبقون هنا ستموتون ليس عندنا اي ادوية لمساعدتكم ويجب ان تذهبو الى طهران ..كانت الطرق مقطوعة بسبب تساقط الثلوج، وهناك طريق واحد علينا ان نسلكه وينزل الى عمق الوادي ويمر بالطرق التي يسيطر عليها الجيش العراقي. المهم قررنا ان نسلك هذا الطريق وكانت هناك تشكيلات كوردية مسلحة (الافواج الخفيفة) التي نطلق عليها تسمية (الجحوش) لانها كانت متعاونة مع الجيش العراقي، لكن بينها متعاونين مع الاتحاد الوطني الكوردستاني وكان ملازم عمر عبدالله على اتصال مع بعضهم حيث جاءوا بسيارة تحت جبل كوسرت وصعدنا انا وسامي شورش، لان الدكتور محمود حتى وقتذاك لم تظهر عليه اية اعراض وقال انا لم اشرب الكثير من اللبن..وهناك تفاصيل كثيرة عن كيفية  عبورنا مواقع الجيش الى ايران، بالفعل اذا يتم تصوير هذه الاحداث كفيلم سيكون مشوقا كثيرا بتفاصيله، مثلا في آخر نقطة لعبورنا مواقع الجيش العراقي وكنا ممددين داخل السيارة ولا يعرفون من نحن، حتى السائق لم يعرف من نكون ولا ادري ماذا كان سيفعل لو عرف هويتنا وكان رجلاً شريفاً ، واي واحد كان سيسلمنا للجيش كان سوف يستلم مكافأة كبيرة فنحن كنا صيد ثمين بالنسبة للاجهزة الامنية العراقية، عندما عبرنا آخر ربية للجيش العراقي كانت بعدها ربية عسكرية فيها عدد من الكورد التابعين للقوات العراقية لكنهم على صلة بالبيشمركة ايضاً في تفاهم لتفادي الاصطدام المباشر . وحتى نعبر يجب ان يحدث اتصال مع البيشمركة في جبل قنديل، وكنا متالمين جدا وشكلي تغير بسبب تساقط شعري وممددين داخل السيارة، جاء ثلاثة مسلحين من اللذين اشرت اليهم و نقلونا إلى داخل ربيتهم التي كانت على سفح جبل، كان بينهم شخص قصير يتطلع بوجهي ثم راح وعاد ليتفحصني اكثر وقال لي باللغة الكوردية"انت كاكا عدنان؟"، انا عرفته بالشكل فقد كان بيشمرگة معنا في عام 1981، ثم سلم نفسه للحكومة لكنني نسيت اسمه وقتذاك، قلت له"بلي انا عدنان" فقال لي "ما تتذكرني اني پيروت"، نحن كنا نسميه مام پيروت ، ثم سالني"ماذا حدث لك؟" لم اقل له التفاصيل سوى اني اخبرته باني مريض، فصار يبكي وتعاطف معنا كثيرا وساعدنا انا وسامي واركبنا فوق البغال حتى سلمنا للبيشمركة ومضى".
 
لن تنتهي القصة المثيرة مع عبور المفتي وشورش  هذه المنطقة الطويلة في البرد القارص في يوم في 24 تشرين الثاني حيث الثلوج، بل تبدأ مرحلة جديدة وصعبة، يتحدث عنها المفتي قائلا:" تركنا السيارة وكنا نتنقل على البغال واستغرقنا ثمانية ايام في هذه الظروف الصعبة للغاية ونحن نشعر بالالم، لا يمكن التعبير عن هذه الاوضاع بالكلام، ونحن فوق البغال كان يجب ان يُمسك بنا من قبل شخص كي لا نسقط، انا وسامي شورش، حيث بقي الدكتور محمود عثمان وبعد ثلاثة ايام من تركنا له بدأت اعراض التسمم تظهر عليه لكن كان من الصعب ان يذهب لاي مكان فالطريق كان مسدود تماما وتم ايصال الادوية له من طهران ومن بغداد عن طريق التنظيمات الكوردية وفترة علاجه اخذت ستة اشهر بينما نحن تماثلنا للشفاء خلال شهرين. ذهبنا اولا الى منطقة كاولان وفيها مقر للمكتب السياسي، وكنت بحاجة لاخذ حمام لكنني لم اتحمل ان يلمسني احد لان جسدي يتالم من اي لمسة،  تلقينا العلاج ليومين في طهران ثم سهلت لنا منظمة العفو الدولية( الامنيستي انترناشيونال) الحصول على تاشيرة الدخول(فيزا) الى بريطانيا وايران منحتنا اوراق المرور ورافقنا الطبيب الذي كان يشرف على علاجنا في طهران وهو مختص بالسموم وهناك اجروا تحاليل للدم لكل منا وظهر ان نسبة السم في دم مصطفى 24 وانا 20 وسامي 15..وصلنا الى لندن عن طريق منظمة العفو الدولية وكانت السيدة هانئة المفتي تشرف على موضوع وصولنا وعلاجنا وبالتنسيق مع ابن عمي الدكتور سيامند واستغرق علاجنا في مستشفى جسر لندن (London Bridge Hospital) وسط العاصمة البريطانية عشرة ايام.. وعندما خرجت عدت الى دمشق ثم كوردستان".

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب