معد فياض
أكدت عالمة الاجتماع، لاهاي عبد الحسين، استاذة متمرسة في قسم الاجتماع بكلية الاداب بجامعة بغداد، أن "المواطن العراقي محكوم سياسياً، وتظهر مراجعة سريعة لمختلف النظم السياسية التي مرت على العراق الحديث أنّ الفرد خضع للتوجهات الأيديولوجية السائدة"، مشيرة الى ان "المجتمع العراقي أتسم بحالة من عدم الاستقرار بسبب تغيّر الأنظمة السياسية وحتى ضمن النظام السياسي الواحد".
وقالت لاهاي عبد الحسين في حوار مع شبكة رووداو الاعلامية اليوم السبت (8 نيسان 2023)، أن "المواطن العراقي قادر على التغيير بدليل إنّ ما يرسم له رغم الضغوط لا يأتي حسب رغبة الضاغطين"، منبهة الى ان "الفساد المالي والإداري اليوم هو العدو رقم واحد للعراق والعراقيين"، ومشددة على ان الاستقرار في العراق "لن يتحقق بدون استهداف رؤوس الفساد بكل مستوياتها حتى يتم إنفاق الفلس الواحد في المكان المناسب. فيما عدا ذلك فالمجتمع يبقى يتشوى على صفيح ساخن".
العالمة الاجتماعية لاهاي عبد الحسين، ولدت في بغداد عام 1952. وهي من أسرة تنحدر من مدينة الديوانية في الفرات الأوسط. حصلت على البكالوريوس في علم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة بغداد عام 1977. والماجستير من جامعة ولاية يوتا مدينة لوجان في الولايات المتحدة الأميركية عام 1985، والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة يوتا، مدينة سولت ليك ستي، الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991.
لها العديد من المؤلفات في علم الاجتماع منها: الملامح الاجتماعية في أعمال عدد مختار من الفلاسفة العرب المسلمين، ومقدمة في علم الاجتماع، وفي علم إجتماع الحياة العامة، ونساء عراقيات - وجهة نظر اجتماعية، ومصطلحات ونصوص اجتماعية باللغتين العربية والإنكليزية. نظريات اجتماعية (سوسيولوجية)، اضافة الى ترجمتها عددا من الكتب منها: العرقية والقومية.. وجهات نظر انثروبو لوجية، وكتاب العلاّمة علي الوردي في علم إجتماع المعرفة، من الادب الى العلم.
وفيما يلي نص الحوار:
الشخصية العراقية متغيرة
رووداو: في المجتمع العراقي، كيف يمكن لعلم او عالم الاجتماع دراسة الشخصية العراقية في ضوء المتغيرات الاجتماعية والسياسية والدينية المتسارعة؟
لاهاي عبد الحسين: لم تعد دراسة الشخصية ضمن اهتمامات علم الاجتماع الحديث. كان ذلك شائعاً في ستينيات القرن الماضي وتدخل فيه عوامل نفسية إلى جانب الاجتماعية. إنّما اليوم، فإننا ندرس البنية الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي الذي يساهم في تشكل شخصيات الأفراد. تستطيع أنْ تجلب أكثر الناس تعصباً واستبداداً على الصعيد الشخصي ليعمل حسب المطلوب في نظام ديموقراطي يدار بقوانين وقواعد ديموقراطية تطبق بدقة وأمانة. المجتمع العراقي اليوم يمر بمخاضات التحول والصراع بين القديم والجديد سياسياً ودينياً وقيمياً مما يجعله يبدو متغيراً وقلقاً.
رووداو: هل تؤثر، أو أثرت، العوامل السياسية على بناء الشخصية العراقية ومتغيراتها؟
لاهاي عبد الحسين: بالتأكيد أثرت. المواطن العراقي محكوم سياسياً. تظهر مراجعة سريعة لمختلف النظم السياسية التي مرت على العراق الحديث أنّ الفرد خضع للتوجهات الأيديولوجية السائدة. فقد أفرزت كل مرحلة أدباً وعلماً وأداءً يعبر عما يتوقعه النظام ويشجع عليه. اليوم، يتصف الوضع بتشعب مصادر التأثير والقرار مما قدم نماذج متباينة ومتنافسة وإنْ لم يكن على أسس متكافئة.
رووداو: هل الشخصية العراقية مستقرة أم قلقة؟
لاهاي عبد الحسين: أقول متغيرة لا مستقرة ولا قلقة. فقد اتسم المجتمع العراقي بحالة من عدم الاستقرار بسبب تغير الأنظمة السياسية وحتى ضمن النظام السياسي الواحد. عانت الملكية من عدد من الانتفاضات وازدحمت الشوارع والساحات بالمظاهرات الشعبية التي حاولت تشكيل العراق الحديث بصيغة معينة غلب عليها الجانب الوطني والمهتم بالتحرر من الاستعمار والهيمنة الأجنبية ابتداءً من ثورة العشرين وانقلاب بكر صدقي وما أصطلح عليه بحركة رشيد عالي الكيلاني ومروراً بالتظاهرات لرفض التصديق على معاهدة بورتسموث وما أعقبها. وعندما حل النظام الجمهوري نتيجة ثورة 14 تموز 1958 فإنّه لم ينج من الاغتيالات ومحاولات الاستيلاء على السلطة وموجات من الشعور الجمعي بخيبة الأمل والتطلع لوضع جديد. وهذا ما يمكن أنْ ترصده في الأنظمة اللاحقة التي لم تترك المواطن يقود حياة مستقرة وآمنة وصولاً إلى ما حدث بعد 2003، حيث دخل العراق في دوامة الصراعات الدموية والانتقامية والثأرية التي لم تضع أوزارها بعد. لا زال أمام العراق طريق طويلة على سبيل الاستقرار وتحقيق الأمان والطمأنينة لمواطنيه.
رووداو: هل تعتقدين ان السياسي العراقي قادر على اتخاذ قرارات مهمة ومؤثرة تهم الآخرين؟
لاهاي عبد الحسين: يفترض أنْ يكون السياسي العراقي قادراً على اتخاذ سياسات تدعم مطالب العراقيين. ولكنّ ما يفترض شيء وواقع الحال شيء آخر. لا زال هناك الكثير من الصراعات الخفيّة والمنظورة ولا زال هناك الكثير من التوافقات الشكلية وغير الجوهرية بين مختلف القوى مما يجعل أمر اتخاذ القرارات النافعة لعموم المواطنين، صعباً.
القانون يتقدم على الدين والمذهب
رووداو: ايهما اكثر تاثيرا في استقرار او عدم استقرار المجتمع العراقي: الدين، المذهب، السياسة، الاقتصاد، ام ان هناك عوامل اخرى؟
لاهاي عبد الحسين: تبين لي في دراسة لآراء ومواقف المواطنين قمت بها قبل سنوات وشملت فيها عينة من مواطنين عراقيين مقيمين في أربع محافظات عراقية هي بغداد وديالى وواسط وبابل أنّ الغالبية العظمى منهم يعتبرون القانون والحكومة يتقدمان بتأثيرهما على حياتهم من الدين أو المذهب. المواطن العراقي إنسان عملي ويهتم بما يسهل أمر حياته وفق حسابات منطقية. يهمه الدين والمذهب معنوياً ولكنه يتطلع إلى ما تقوله الحكومة ويفرضه القانون. المشكلة إنّ العمل على هذين الصعيدين (القانون والحكومة) لا يزال حذراً ومتأنياً ومرتبكاً.
رووداو: تعاني الشخصية العراقية في الغالب من الحنين (النستولوجيا) للماضي، هل هذا يعني فقدانه الامل بالحاضر والمستقبل؟
لاهاي عبد الحسين: لا يتعدى الحنين إلى الماضي التعبير عن مشاعر رومانسية لماض بعيد. هذه أمور يعبر عنها على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات الجماعية ولكنّها لا تمثل ظاهرة جدية. فالعراقي عملي ويعيش يومه بنشاط وفعالية ولا يحبس نفسه في أسوار يعلم جيداً أنّها قد لا تكون كما تبدو من بعيد.
رووداو: هل تعتقدين ان الفرد العراقي قادر على تغيير الاوضاع السياسية او الاجتماعية؟
لاهاي عبد الحسين: نعم العراقي قادر على التغيير بدليل إنّ ما يرسم له رغم الضغوط لا يأتي حسب رغبة الضاغطين. العراقيون مقاومون أشداء لما يفرض عليهم عنوة وهم يصنعون تاريخهم ويقدمون التضحيات الجمة على هذا الطريق. العراقي ليس سهلاً ويشق طريقه قدماً.
رووداو: هل نستطيع ان نطلق تعريف المجتمع العراقي ام المجتمعات العراقية؟
لاهاي عبد الحسين: بالتأكيد المجتمع العراقي الواحد الموحد هو الذي يشمل الجميع بخيمته. لم تستطع جماعة أنْ تنفرد بجمهورها كما تريد. العراقيون يلتقون ويتحاببون ويتعاونون بقدر ما يختلفون ويتقاطعون. أنظر كيف يتوحد العراقيون في مناسبات تحمل اسم العراق كما حدث في خليجي 25 أو كيف تنادوا لتحرير المدن من سيطرة داعش. يمكن تعزيز التوجهات الوطنية العراقية بالعودة إلى نظام الخدمة في المدن والقرى والأرياف بالنسبة إلى خريجي كليات التربية ممن يعملون كمعلمين ومدرسين وكذلك المشتغلين في القطاع الصحي كالأطباء والصيادلة والتمريضيين. كما إنّ فتح أبواب التعيين في المحافظات لمختلف المؤهلين من شأنه أنْ يساهم بتعزيز اللحمة الوطنية إلى جانب التشجيع على الدراسة في الجامعات المرغوب بها لفك الانغلاقات بين شباب المجتمع الواحد. التقوقع الذي حدث وتمسك الخريجين بمدنهم للدراسة أو العمل سببه الإرهاب وانعدام الأمان الذي أعقب التغيير وهذا يمكن معالجته بسياسات وطنية مخلصة.
التنوع هوية عراقية
رووداو: التنوع الديني والاثني هل هو اغناء لثقافة التعايش السلمي في العراق ام مثار خلافات ونزاعات دينية وطائفية واثنية؟
لاهاي عبد الحسين: التنوع الديني والإثني جزء جوهري من هوية الأفراد وهو لا يتعدى أنْ يكون علامة من العلامات التي لا تمنع من التفاعل الخلاق على مستوى العمل والإنتاج بين مختلف الجماعات. عندما تدور عجلة الإنتاج وتنفتح فرص العمل دون تقييد أو تمايز بسبب غلبة الكفاءة والمهارة المكتسبة بالدراسة والجهد العلمي والفني المميز فإنّ "العلامات" الدينية والإثنية تتراجع لتفسح المجال للأداء والعمل والإنجاز. هل سيتمسك الكوردي بأربيل إذا ما وجد فرصة مغرية للعمل في البصرة! وهل سيقاوم ابن الأنبار فرصة مناسبة في النجف أو كربلاء! بظني لن يفعل أحد هذا. خذ على سبيل المثال رغبة الكثير من الشباب بالهجرة خارج العراق. كل هؤلاء يبحثون عن فرص عمل وحياة آمنة. لن تكون هناك حاجة لذلك عندما يجد الإنسان فرصته. لا تعاني دول الخليج العربي من هجرة الكفاءات الوطنية وهي أيضاً تستقبل الكثير من الكفاءات بسبب توفر الفرص المناسبة والكريمة لمواطنيها ممن يعودون إليها راغبين.
رووداو: ما الذي يهدد كيان الشعب او المجتمع العراقي راهنا؟
لاهاي عبد الحسين: أعتقد الفساد المالي والإداري اليوم هو العدو رقم واحد للعراق والعراقيين. كل ما ذكرته أعلاه يعتمد على توظيف رؤوس الأموال في مكانها الصحيح وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي. وهذا لن يتحقق بدون استهداف رؤوس الفساد بكل مستوياتها حتى يتم إنفاق الفلس الواحد في المكان المناسب. فيما عدا ذلك فالمجتمع يبقى يتشوى على صفيح ساخن.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً