رووداو ديجيتال
رأى الأدميرال المتقاعد في البحرية الفرنسية باسكال أوسير أن على أوروبا مساعدة أوكرانيا على المقاومة، وايجاد حل "مشرف" لحربها مع روسيا.
وقال باسكال أوسير، الأدميرال المتقاعد في البحرية الفرنسية والمدير العام لمركز البحر الأبيض المتوسط للدراسات الستراتيجية في برنامج "حدث اليوم" لذي يعرض من شاشة رووداو ويقدمه نوينر فاتح: "على المستوى العالمي من الناحية الفكرية والثقافية ومن جميع النواحي عادت الدول وعادت الأمم وعادت المصالح، وترمب هو جزء من هذه اللعبة لأوروبا، وهذا تحد كبير".
وأضاف أن "روسيا ركزت اهتمامها على دول الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، لذلك يوماً بعد يوم تقل قدرتها على التأثير في مناطق أخرى، وأوروبا أيضاً مشغولة بحل مشاكلها الخاصة، وهذا يجعل الشرق الأوسط أكثر عزلة وخارج تأثير القوى الكبرى".
وأدناه نص المقابلة:
رووداو: عاد دونالد ترمب إلى السلطة، ولديه رؤية جديدة تماماً بشأن الأزمة الأوكرانية، كيف تراها؟ أعتقد أن الأوكرانيين أنفسهم ليسوا سعداء بهذا، ما هو رأيك؟
باسكال أوسير: لا، ليسوا سعداء، لكن لا أحد متفاجئ وبرأيي دونالد ترمب هو علامة المرض وليس مصدر المرض، علامة عالم جديد، نحن نعيش في مرحلة تحول تاريخي، مرحلة كبيرة وجذرية، هذه الأنواع من التغييرات تأتي مرة واحدة كل مئة عام. منذ ما يقرب من ألفي عام كان العالم يتجه نحو الوحدة والتوحيد؛ توحيد المجتمعات، وتوحيد المعتقدات، وتوحيد الاقتصاد - كل شيء كان يتجه نحو رؤية أوروبية، ثم عندما دخلت أميركا إلى الميدان أصبحت هذه الرؤية رؤية غربية، هذا التوحيد بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي ازدهر وأصبح الاقتصاد هو القائد، أصبح الاقتصاد هو البداية والنهاية لكل شيء، تضاءلت أهمية السياسة والدول، تم تهميش الأمم والأديان، وكذلك القضايا الثقافية، أصبح سكان العالم مشترين وبائعين ومواطنين عالميين، قصدي واضح أن المجتمع الدولي كان مشغولاً خطوة بخطوة بتنظيم العالم، ثم انتهى ذلك العصر وجاء تغيير مذهل وكامل، لم نعد في توحيد بل نعيش في انفصال وتفكك وانفصال عالمي وقوة التباعد أقوى من قوة الترابط في كل مكان، في مجتمعاتنا وبين الدول. على المستوى العالمي من الناحية الفكرية والثقافية ومن جميع النواحي عادت الدول وعادت الأمم وعادت المصالح، وترمب هو جزء من هذه اللعبة لأوروبا، وهذا تحد كبير، لأننا كنا في مركز هذا التيار الفكري واليوم إذا أردت أن أستخدم عبارة - لا أعرف إذا كان لها معنى أم لا - لكننا نقول "تم القبض علينا من الخلف"، لأننا كنا نظن أننا نعيش في عالم ما بعد التاريخ وما بعد الأمة، ولكن ها هي الأمم قد عادت والتاريخ قد عاد. بالطبع هذا تحد لنا، تحد فكري، ولكن في النهاية ترمب ليس مختلفاً كثيراً عن بوتين وشي جين بينغ وأردوغان وغيرهم في العالم، فهو يدافع عن أميركا ولا يهتم بأوروبا، هذا كل شيء، كنا نعرف هذا ولكن لم يرغب أحد في قبول هذا الواقع الجديد. أعتقد أن هذا الوضع سيستمر لفترة طويلة، لعدة عقود، جيلكم الأصغر مني بكثير سيواجه عالماً يتعارض مع العالم الذي عاش فيه آباؤكم، وهذا تحد فكري. دعنا نعود إلى أوكرانيا، بوتين يريد إعادة الاتحاد السوفيتي، والسيطرة على الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي، كما يقولون: "الفناء الخلفي القديم"، بأي طريقة، بالطرق السياسية والاقتصادية أو العسكرية كانت هذه هي خطته. في الواقع، هذا مثير جداً للاهتمام، الأوكرانيون الذين يعرفون الروس والاتحاد السوفيتي والعصر القديم جيداً لم يرغبوا في العودة وحتى الروس الأصليون في أوكرانيا لم يرغبوا في العودة إلى النظام الروسي، أعتقد أن هذه أخبار جيدة للأوروبيين، لأنهم في الواقع صوتوا بدمائهم لصالح أوروبا، لكنهم كانوا عاجزين وغير مستعدين، أنا الذي كنت جندياً من تجربتي أعرف أنه في النهاية في وقت الصراع عدد القوات والأسلحة والطائرات والذخيرة هي التي تحدد، الشجاعة والذكاء وحدهما لا يكفيان لتحقيق النجاح. كانوا في وضع الخسارة، إذا لم يساعد الأوروبيون والأميركيون الأوكرانيين، ربما كانوا سيخسرون قريباً جداً، ولكن لم يكن الأمر كذلك، النقطة الجديدة بالنسبة لنا نحن الأوروبيين هي أن ترمب لا يهتم بأوكرانيا، لأنه لا يهتم بأوروبا، لأنه لا يهتم بموضوع الغرب وقيمه، لأنه على علم بهذا العالم الجديد الذي يتفكك فيه كل شيء. إذن فهو يتصالح ويتفق مع بوتين، برأيي ما هو على المحك بالنسبة لنا نحن الأوروبيين؟ المصداقية والثقة بأن الأوروبيين ما زالوا جزءاً من اللعبة الكبيرة، أو يجب أن نساعد أوكرانيا على المقاومة وإيجاد حل مشرف، وفي هذه الحالة سيقول العالم إن الأوروبيين ما زالوا يمتلكون القدرة على المقاومة والتأثير ويمكنهم أن يكونوا جزءاً من اللعبة الجيوسياسية، التي هي القانون الرئيسي للغد، أو نقول إنه خطير جداً وصعب جداً ومن الأفضل أن نبقى في زاويتنا، في هذه الحالة تخسر أوكرانيا ويقول العالم كله انتهى أمر الأوروبيين، لم نعد موجودين.
رووداو: أنت ترى الصورة الكبيرة بطريقة ما، تعتقد أن دونالد ترمب هو علامة، إذا كنا في عصر جديد والناس يعودون إلى الدولة، فكيف سيكون مستقبل الاتحاد الأوروبي؟، لأنك على سبيل المثال تقول "نحن" قصدك بـ "نحن" الأوروبيون، عندما تتحدث عن الدول الأوروبية بشكل جماعي، أي أن جميع الدول الأوروبية لديها اتفاق ورؤية مشتركة حول كيفية المقاومة والدفاع عن أنفسهم، ولكن في هذا الوضع وفي هذا التغيير الجديد، كيف سيكون مستقبل الاتحاد الأوروبي كإتحاد؟
باسكال أوسير: سؤال في محله جداً، لأن أوروبا ليست على سطح القمر، أوروبا في منتصف هذه الفوضى وهذه الحركة وكانت في مركز هذا التيار، تيار الوحدة وتيار الوحدة العالمية، إذن هي متأثرة من الداخل والاتحاد الأوروبي أيضاً تم إنشاؤه على فلسفة الوحدة هذه، حيث كان الاقتصاد هو القائد ولم يكن من الضروري تنظيم أوروبا جيوسياسياً، لأن الجيوسياسة انتهت وكان هناك فقط تنظيم للإدارة يسمح للاقتصاد والرفاهية الاجتماعية، الآن أيضاً قضية البيئة التي هي عنصر جديد، ولكن اليوم ليس الأمر كذلك القوى المشتتة مؤثرة بين الدول الأوروبية وداخل الدول ويجب علينا إعادة التفكير في النظام، النظام الذي تم تصميمه بعد الحرب العالمية الثانية، من قبل جيل بعد حرب كبيرة احتاج إلى إعادة بناء قارة اقتصادياً وسياسياً ويمكنني القول من الناحية الروحية والفكرية والقيمية، لتجنب حرب رابعة بين فرنسا وألمانيا على سبيل المثال. أنا أول شخص في عائلتي وأول جيل بعد أربعة أجيال لم يُقتل على يد ألماني على الأراضي الفرنسية، وهذا نجاح كبير لأوروبا، ولكن هذا الشعار وهذا النموذج الفكري وراءنا ويجب أن ننظم طريقة جديدة للعيش معاً وإعادة التفكير فيها، مع الأخذ في الاعتبار أن قضية الهوية قد عادت وهذا ليس ثانوياً بل قضية رئيسية للإنسان، إذن يجب علينا تنظيم قضية الهوية هذه ونمو القومية وهذا البناء السياسي الذي جلب للأوروبيين السلام والرخاء ونموذجاً لكيفية التعامل مع معارضة المصالح المختلفة وأشياء أخرى كثيرة، نموذج للمفاوضات أعتقد أنه كان يثير إعجاب العالم من قبل، الآن لا يوجد شيء يثير الإعجاب إذن يجب علينا إعادة بنائه، هذا تحد للأوروبيين وربما لجيل ما بعدي، لأنه عمل يستغرق 30 عاماً.
رووداو: وماذا عن الناتو؟
باسكال أوسير: هذا أيضاً سؤال جيد، ما هو الناتو؟ الناتو هو الولايات المتحدة التي تدعم الأوروبيين منذ عام 1949 للدفاع عن أنفسهم من البحار، في ذلك الوقت كان الاتحاد السوفيتي ولكن الروس كانوا في جوهر الاتحاد السوفيتي، في ذلك الوقت كانت أميركا لديها علاقات قوية جداً مع أوروبا، كانوا مرتبطين جداً وأميركا شعرت أن هذا الصراع في أوروبا كان جوهراً جيوسياسياً للولايات المتحدة، إذا نجح الاتحاد السوفيتي في الخمسينيات في السيطرة على غرب أوروبا، فستكون خسارة جيوسياسية كبيرة لأميركا. اليوم ليس الأمر كذلك، اليوم هذه القضية في آسيا مع تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وما إلى ذلك، إذن أميركا تعرف أن القضية الرئيسية قضية جيوسياسية بالنسبة لهم في آسيا، ولم تعد في أوروبا، لأن روسيا ليست قوية بما يكفي لتكون تحدياً حقيقياً لهم، هذا هو سبب عدم رغبة أميركا في تحمل عبء المشاركة في هذا التحدي، لكنهم يعرفون أن ترمب ليس أول رئيس أميركي يقول هذا ونحن جميعاً نعرف هذا منذ عقود، كان من السهل جداً محاولة تأجيل القرار، اليوم هو جزء من المعادلة، يجب على الأوروبيين محاولة الدفاع عن أنفسهم وربما لديهم بعض المساعدة من الأميركيين، ولكن ليس كثيراً، هذا أمر مؤكد أنه لن يكون مثل الطريقة التي كانت موجودة لعقود وحتى ثمانية عقود.
رووداو: تعتقد أن العالم يتغير وعصر جديد يبدأ، لا يمكننا استثناء الشرق الأوسط من هذا، كما أتذكر في عهد ترمب الأول عندما كانت الولايات المتحدة تنسحب ببطء من الشرق الأوسط وتركز أكثر على روسيا وبحر الصين الجنوبي، قال الجنرال ماكينزي: "لا يهم كيف يفكر السياسيون والقادة، لكن الشرق الأوسط هو جوهر الصراعات الدولية"، إذن كيف سيكون مستقبل الشرق الأوسط في هذا الإطار؟
باسكال أوسير: الشرق الأوسط أيضاً مثل أوروبا ليس على سطح القمر، إذن هو جزء من هذا التيار العالمي. أنا لست متأكداً جداً من أن الشرق الأوسط هو جوهر المنافسة العالمية بسبب الهيدروكربونات فهو مهم جداً، ولكنه مهم جداً للصين التي تحتاج إلى هذه الهيدروكربونات وأقل قليلاً لأوروبا، وقليل جداً للولايات المتحدة التي هي منتج ومصدر للهيدروكربونات إذن الهيدروكربونات ليست مشكلة. قضية الإرهاب التي كانت مهمة جداً في بداية القرن الحادي والعشرين لم تعد عاملاً رئيسياً بالنسبة لهم من وجهة نظر أميركية وفي إطار هذا الوضع الذي ذكرناه وأصبحت قضية ثانوية. إسرائيل لا تزال مهمة للمجتمع الأميركي، لأن العلاقات الفكرية والثقافية بين إسرائيل وأميركا لا تزال قوية، ولكنها تضعف عاماً بعد عام، والجيل الأميركي الجديد أيضاً على عكس آبائهم لديهم علاقات أقل مع إسرائيل. لماذا يمكن لأميركا أن تتدخل هنا، فقط للقضايا الجيوسياسية، فقط للتأكد من أن الصين ليست وحدها في هذا الجزء من العالم، هذا مهم جداً للصين لدرجة أنه يصبح مهماً للأميركيين أيضاً، وليس العكس، هذا هو سبب يقيني من أن الأميركيين سيبقون ولكن ليس بالطريقة التي كانت موجودة لعقود وعلى وجه التحديد ليس مثل الفوضى الرهيبة التي خلقها جورج بوش بالحرب الخليجية الثانية، إذن سيكونون هنا ولكن يمكنني القول بيد أخف بكثير. الصين التي دخلت للتو إلى ساحة القوى الجيوسياسية الكبيرة، تركيزها الرئيسي على آسيا، لأن بحر الصين الجنوبي وبحر الصين ذي أهمية استراتيجية بالنسبة لهم، وتايوان هي مفتاح باب المحيط الهادئ بالنسبة لهم والوصول الحر إلى هذا المحيط هو أولويتهم، لذلك السيطرة على تايوان وجزء أو كل آسيا مصيري بالنسبة لهم من هذا المنظور، يحتاجون إلى الشرق الأوسط من أجل النفط وسيكونون مستعدين أيضاً ولكنهم لا يريدون التورط فيه ولا يحبون الوقوع في أي أزمة أمنية أو مستنقع سياسي ولا يفعلون ذلك أبداً بالطريقة الأميركية ولكن فقط اقتصادياً وكما ترون مع الحوثيين في البحر الأحمر أو في قضية غزة أو في سوريا، هم صامتون جداً، لأنهم لا يريدون التورط. روسيا ركزت اهتمامها على دول الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، لذلك يوماً بعد يوم تقل قدرتها على التأثير في مناطق أخرى، وأوروبا أيضاً كما ذكرت سابقاً مشغولة بحل مشاكلها الخاصة، وهذا يجعل الشرق الأوسط أكثر عزلة وخارج تأثير القوى الكبرى، وعندما ننظر إلى هذه المعادلة والقوى الجيوسياسية، أقصد الدول القومية ونسأل من هي الدول في الشرق الأوسط التي تعتبر دولاً قومية قوية، في رأيي توجد أربع دول فقط: تركيا وإيران وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. هذه الدول الأربع، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، سواء كانت لديها مشاكل أم لا، التي في الواقع جميعها لديها مشاكل لديها قوة تنبع من شعور وطني عميق، لديهم رؤية وقدرة على وضع استراتيجيات ومحاولة تنفيذها، من حولهم توجد العديد من الدول التي يمكن أن تكون قوية في حد ذاتها لأنها كبيرة ولديها العديد من الموارد والفرص ونظام التعليم، لكنها ضعيفة لأنها لم تتمكن من حل قضية الدولة القومية مثل لبنان وسوريا والعراق والأردن واليمن والسودان التي هي أبعد قليلاً، كان بإمكانهم جميعاً أن يكونوا دولاً كبيرة وقوية، لكنهم لم يتمكنوا من حل عقدة الدولة القومية، وهي نفس مشكلة أوروبا ويجب العمل عليها. تحليلي للشرق الأوسط الذي كان سؤالك بشأنه هو أن الخطر الكبير يكمن في أن القوى الإقليمية المتوسطة، التي تتنافس أو لديها أهداف استراتيجية ولديها أيضاً وسائل التنفيذ يمكن أن تدفع الوضع نحو التصعيد، يمكنهم لعب لعبة المواجهة في إطارات استراتيجياتهم وتصبح دول أخرى ساحة للمنافسة وحتى الصدام، وقد حدث هذا من قبل بين إيران وإسرائيل في لبنان وسوريا وحتى في العراق، ويمكن أن يحدث أيضاً بين تركيا وإيران، أو بين إيران والسعودية، أو حتى بين تركيا والسعودية، إذا نظرت إلى هذه الدول وأهدافها وقدراتها، يمكنك رؤية العديد من السيناريوهات المختلفة.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً