رووداو ديجيتال
أكد وزير الموارد المائية عون ذياب، أن العراق لا يحصل سوى على نحو 50% من إيرادات نهر الفرات، مقابل إيرادات مقبولة من نهر دجلة، منوّهاً إلى أنه طرح على الجانب التركي فكرة "تقاسم الضرر".
وقال عون ذياب، في مقابلة مع برنامج "رووداوي أمرو" حدث اليوم الذي يقدمه نوينر فاتح من شبكة رووداو الإعلامية، اليوم الأربعاء (3 أيار 2023)، إن الوضع مع إيران "اختلف كثيراً" منذ توليه الوزارة، مشيراً إلى أن هذه السنة كانت "فريدة" مع زيادة إطلاقات نهر كارون.
حول الاستعدادات للصيف المقبل، قال إن الوزارة تعمل على "تأمين مياه الشرب والاستخدامات البشرية وسقي البساتين والخضروات للصيف القادم فقط، أما المحاصيل مثل الرز والذرة الصفراء أو المحاصيل الأخرى، هناك جدل بشأنها، ولا نستطيع تامين المياه لها، خاصة زراعة الذرة الصفراء للموسم الخريفي الذي يبدأ في تموز، والتي لا نستطيع أن نؤمن لها المياه هذه السنة".
بشأن المؤتمر الدولي للمياه المزمع عقده في بغداد يومي 6 و7 من هذا الشهر، بيّن وزير الموارد المائية، أن المؤتمر يعقد لـ "تسليط الضوء على ملف المياه ومشكلة المياه التي بدأت تتزايد خطورة وتحدياً"، مشيراً إلى وزير الزراعة والغابات وشؤون المياه التركي لن يحضر بسبب الانتخابات في بلاده، كما أن حضور وزير الطاقة الإيراني ليس مؤكداً.
وأكد ضرورة تغيير الثقافة السائدة في استخدام المياه بالعراق من الوفرة إلى الندرة.
فيما يلي نص مقابلة شبكة رووداو الإعلامية مع وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب:
رووداو: ما الهدف من المؤتمر الدولي حول المياه الذي من المقرر عقده في بغداد خلال الأيام القليلة القادمة؟
عون ذياب: في الحقيقة إعتدنا منذ ثلاث سنوات أن نعقد سنوياً مؤتمراً سمى بـ "مؤتمر بغداد للمياه"، وهذا المؤتمر هو المؤتمر الثالث وسيعقد يومي 6 و7 من الشهر الحالي برعاية رئيس الوزراء. هذا المؤتمر يعقد لتسليط الضوء على ملف المياه ومشكلة المياه التي بدأت تتزايد خطورة وتحدياً، نتيجة النقص الكبير في مواردنا المائية، والتغيّرات المناخية، وأيضاً النقص في وارداتنا من دول الجوار، دول المنبع. المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على جملة من الأمور والجوانب أهمها هو أن موضوع المياه لم يعد مسؤولية عراقية فقط، إنما مسؤولية عالمية. أهوار الجنوب دخلت لائحة التراث العالمي ويجب أن تراعى عالمياً. موضوع شط العرب الذي هو جزء من نهري دجلة والفرات وتأثره بالمد الملحي وتلوث مياهه، مهم عالمياً، أيضاً ما يحدث من تغيّرات مناخية، واحتمالات ظهور بعض الأمور المؤثرة على الواقع الزراعي والاجتماعي، على صعيد تأمين مياه الشرب مثلاً، كلها مهمات كبيرة يجب تشخيصها ودراستها في هذا المؤتمر عبر بحوث ودراسات، وهناك دعوة كبيرة لمنظمات ودول لحضور هذا المؤتمر، ونأمل أن تكون نتائجه ومخرجاته جيدة ورصينة من أجل خدمة ملف المياه في العراق.
رووداو: أهم شريك للعراق خاصة فيما يتعلق بملف المياه دول الجوار، والجارتان إيران وتركيا تحديداً. هل ستحضران المؤتمر؟
عون ذياب: كانت هناك وعود، وكنت متفائلاً بأن يحضروا على مستويات عالية، لكن مع الأسف أخُبرت بأن وزير الزراعة والغابات وشؤون المياه التركي لا يستطيع الحضور بسبب الانتخابات التركية في الشهر الحالي، إلا أنه يرسل وفداً كبيراً جداً من 17 شخصاً، وكان هذا الأمر ضمن المباحثات التي حضرناها وقادها رئيس الوزراء في اللقاءات الأخيرة في تركيا، والتي كانت مثمرة في الواقع، وتوصلنا إلى أن يكون هناك تبادل للوفود بشكل مستمر، وتعاون وتفعيل لمذكرة التفاهم التي تمت المصادقة عليها من قبل البرلمان والرئيس التركيين سنة 2021، بما يصب في فائدة الطرفين.
فيما يتعلق بالجانب الإيراني، وعدني وزير الطاقة الإيراني بالحضور، وعقدت لقاءات ممتازة أيضاً مع الجانب الإيراني، تمخضت عن نتائج إيجابية، على سبيل المثال، حالياً نهر الكارون مفتوح، وهناك مياه عذبة في الجزء الجنوبي من شط العرب، وهذه إحدى البوادر الإيجابية التي تحققت مع الجانب الإيراني، كما أن هناك رغبة للتعاون المثمر في جوانب عديدة، حتى في الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية كنت مصاحباً له، وكان اللقاء مثمراً جداً، إلا أنه لم تؤكد لحد الآن مجيء الوزير الإيراني، لكنه وعدني بأن يبعث في حال لم يستطع المجيء، بوفد يرأسه الوكيل الفني، المسؤول عن شؤون المياه في وزارة الطاقة الإيرانية.
رووداو: هناك مباحثات مستمرة مع إيران وتركيا بشأن المياه، والوزير السابق مهدي الحمداني قال لنا في مقابلة سابقة إن الاستجابة التي نراها من الجانب التركي لا نراها من الجانب الإيراني..
عون ذياب: هذا الموضوع اختلف كثيراً..
رووداو: كيف الوضع حالياً؟
عون ذياب: أختلف. منذ مجيئي بادرت إلى عقد لقاءات مع الجانبين، وطلبت لقاء عاجلاً مع الجانب الإيراني بالذات، لأن حدوداً طويلة تربطنا مع الجارة إيران تتجاوز 1200 كيلومتراً، وهناك مصالح مشتركة بين البلدين، ويجب الحديث بشكل شفاف وبروح التعاون وحسن الجوار، وهذا ما طلبته منهم، وقلت لهم بشكل صريح إنه ليس صحيحاً أن تتوقف العلاقات تتوقف لسنين طويلة. لم يكن هناك لقاء مع الجانب الإيراني لثلاث سنوات مع الأسف، وفي الحقيقة كانت هناك استجابة إيجابية جداً في هذا الجانب. طلبت لقاء وتلقيت دعوة لزيارة إيران لحضور المؤتمر الإقليمي للمياه الحضرية، وطلبت على هامش هذا المؤتمر لقاء مع الوزير الإيراني ولو لفترة قصيرة، إلا أنه بادر عند وصولي إلى طهران، وحضر إلى لقاء امتد لساعتين ونصف، وكان مثمراً، وكان هناك تفاهم، وطرحنا الأمور بجدية، وتوصلنا إلى تفاهمات أشعر بأنها إيجابية، وتم الاتفاق على خطوات عملية إيجابية للمستقبل.
رووداو: ما عدد المجاري المائية التي تعرضت للجفاف أو جففت بفعل فاعل؟
عون ذياب: لقد أثرتُ هذه النقطة.
رووداو: هل هناك عدد؟
عون ذياب: لدينا مجموعة كبيرة من المجاري المائية، بينها موسمية وأخرى دائمية. المجاري التي تم قطعها أو تغيير مجراها، تبلغ نحو 4 مجاري تؤثر على نهر سيروان الذي يغذي سد دربندخان، وباقي المجاري تؤثر على خزان حمرين. أثرتُ هذه النقطة، وقلت لهم: لربما لكم الحق بان تقوموا بعمل ترونه مناسباً داخل إيران، لكن على أن لا يكون له تأثير سلبي على العراق، وتساءلت: هل أخذتم حصة العراق من هذه الأنهر بنظر الاعتبار؟. سؤالي كان وجيهاً جداً وتفهموه، وطلبوا أن تكون هناك لقاءات مستمرة في هذا الموضوع، وفي الحقيقة، أود تغيير نظام العمل، سواء مع الجارة تركيا أو الجارة إيران. وفعلاً عندما ذهبت إلى الجارة تركيا كان هناك لقاء مثمر. لقد عقدنا لقاء قصيراً في اليوم الأول، وطلبت عقد لقاء آخر عقد في اليوم الثاني من الزيارة وأمتد لأكثر من ساعتين أيضاً، وكنا في وضع التفاهم المشترك، والتفهم لمشكلة المياه في العراق، ونأمل أن يكون لهذه اللقاءات تأثيراً إيجابياً ينعكس على الواقع المائي في العراق، لأننا دولة مصب نحتاج إلى تفهم كبير من دول المنبع لحاجتنا، ويؤخذ علينا بأننا لا نستخدم مياهنا بشكل صحيح، لكنني أجبتهم بشكل واضح، بأننا لم نُمنح الفرصة الكافية. لقد كان العراق سباقاً في إدخال تقنيات الري الحديثة في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه لم نمنج الفرصة السياسات الخاطئة التي اتخذتها الحكومات السابقة ودخولنا في حروب عبثية لا جدوى منها، حيث سار العراق في اتجاه خاطئ ومسارات غير عملية، بالإضافة إلى عدم وجود سيولة نقدية كافية، وبيئة آمنة لتنفيذ مشاريع عديدة. الأمور اختلفت حالياً ونسعى بشكل جاد إلى استثمار الوضع الحالي، وضع الاستقرار الكبير والآمن في العراق. التوجه السليم للحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء في إتجاه حكومة خدمات وإيقاف الهدر في المال العام والسيطرة على الفساد، ونعمل بشكل جاد في هذا الجانب.
رووداو: كم هي الاطلاقات المائية للعراق من الجارتين إيران وتركيا؟
عون ذياب: فيما يتعلق بنهر دجلة، لا تزال الحكومة التركية ملتزمة بالاطلاقات بشكل مقبول وجيد..
رووداو: هل نحصل على 100% من الكمية التوقعة؟
عون ذياب: نعم، نحصل على الكمية من دجلة فقط، أما من الفرات فلا نحصل سوى على أكثر من 50%، حيث تعرض حوض الفرات بشكل كبير للتغيّرات المناخية. وفعلاً كمية الثلوج التي تساقطت في حوضه هذه السنة قليلة، وحالياً لدينا معلومات، وبإمكاننا أن نطلع من خلال الأقمار الاصطناعية على كمية الثلوج المتساقطة وكمية المياه المتكونة بعد ذوبانها. هناك نقص فعلاً، لكن طرحت عليهم مفهوم تقاسم الضرر، حيث لا يعقل أن يقع الضرر على العراق فقط، ويجب أن تتفهم جارتنا تركيا الوضع وتتقاسم معنا الضرر وتعطينا حصة مقبولة من مياه نهر الفرات.
رووداو: هذا بالنسبة لتركيا. ماذا بشأن إيران؟
عون ذياب: مع إيران، كانت هذه السنة، وأقولها للتاريخ، سنة فريدة، بسبب جوهري هو أن كمية جيدة من الأمطار هطلت على حوض نهر كاروان، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الثلوج،بحيث قاموا بفتح نهر كاروان الذي يغذي حالياً شط العرب، وانخفض تركيز الأملاح في مياهه بشكل كبير، والمياه عذبة حالياً في شط العرب، وهذا مؤشر إيجابي. طلبنا منهم خلال زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة إلى إيران بأن يستمر هذا خلال الصيف القادم لمواجهة حاجتنا في الصيف، لأنه مؤثر إيجابي. إيرادات سد دوكان هذه السنة كانت جيدة ولحد الآن، لكن إيرادات الكرخة محدودة، وعندما سألناهم حول هذا الموضوع، قالوا إن الخزانات المائية في الكرخة لم تملأ هذه السنة، وعلى العكس كانت هناك أمطار محدودة. طلبنا منهم أيضاً اطلاق كميات إلى هور الحويزة عن طريق الكرخة. هذه أهم الأمور مع الجارة إيران، ونأمل أن تكون إيراداتنا في الزاب الأسفل مقبولة وجيدة، وتتكون 75% منها داخل العراق و25% من إيران، وكانت جيدة، وتحسن وضع سد دوكان كثيراً مما كان عليه، وبدأنا بجمع خزين مائي جيد في سدي دوكان ودربندخان، نأمل بأن تخدمنا كميات المياه هذه خلال الصيف القادم لتوليد الطاقة الكهربائية واسنادنا في نهر دجلة لتأمين المياه إلى جنوب العراق.
رووداو: هل نحن مقبلون على ضيف جاف؟
عون ذياب: في الحقيقة الصيف جاف عادة، لكن الخزين المائي أيضاً محدود. لنكن واقعيين. هناك تحديات بالنسبة للزراعة الصيفية، وحالياً نعمل على تأمين مياه الشرب والاستخدامات البشرية وسقي البساتين والخضروات فقط، أما المحاصيل مثل الرز والذرة الصفراء أو المحاصيل الأخرى، هناك جدل بشأنها، ولا نستطيع تامين المياه لها، خاصة زراعة الذرة الصفراء للموسم الخريفي الذي يبدأ في تموز، لا نستطيع أن نؤمن لها المياه هذه السنة. هذا هو توجهنا. الخزين كان متدنياً جداً عند استلامي مسؤولية وزارة الموارد المائية، واستطعنا حالياً أن نحسن الخزين، لكنه لا يزال دون الطموح، ونأمل في أن يزداد في الأيام القادمة، ويعتمد ذلك على تساقط الأمطار في أعالي نهري دجلة والفرات.
رووداو: يعمل العراق لبناء السدود ضمن خطة استراتيجية لتعزيز الخزين المائي. وعادة ما تكون السدود في المناطق الجبلية أو في أعلى النهر، وهناك مقترحات لبناء عدة سدود، خاصة في إقليم كوردستان. إلى أين وصلت؟
عون ذياب: الدراسة الاستراتيجية للمياة والأراضي لم توص بإنشاء سدود خزنية كبيرة، إلا أنها أوصت بإنشاء سدود لتوليد الطاقة وسدود حصاد المياه، وهذه السدود محددة. في إقليم كوردستان هناك عدد كبير من السدود، أهمها سدود بكرمان وبنداوه وطق طق ودلكه، مخطط لها في الدارسة، أي نحن ملتزمون بإنشائها، وفعلاً كانت هناك زيارة لوفد من إقليم كوردستان، وتم نقاش حولها وتوصلنا إلى تفاهمات. لا أقول سننفذها فوراً، لكنها موجودة ضمن خططنا، ولربما نحتاج في البداية إلى دراسة وتصاميم ومن ثم التنفيذ، وهناك تفاوت في وجهات النظر بشأن بعض السدود، لكن هي سدود تم إقرار إنشائها، ونأمل في التوصل إلى قرارات إيجابية حولها بشكل كامل.
رووداو: تحدثتم خلال المنتدى عن ثقافة هدر المياه. المعيار العالمي هو 180 لتراً للفرد في اليوم..
عون ذياب: كلا. في الأردن 125 لتراً..
رووداو: كم يصل في العراق؟ 350 لتراً في بعض المناطق؟
عون ذياب: كلا. أكثر من ذلك. أنا من المناشدين والمروجين لتغيير هذه الثقافة. ثقافتنا يجب أن تتغير من ثقافة الوفرة إلى ثقافة الندرة في المياه. نحن بلد المياه فيه نادرة.
رووداو: ما كنا ندرسه في الجغرافيا اختلف..
عون ذياب: كانت كل مياه دجلة والفرات تأتي للعراق، واختلفت هذه القاعدة حالياً ولم تعد هناك مياه كافية تأتي للعراق. إضافة إلى ذلك اثرت التغيّرات المناخية بشكل كبير. ثقافة الناس لا تزال عشوائية في استخدام المياه. يجب أن نتغير على مستوى المنزل والعائلة والمجتمع والبلد عموماً، وأن تدرس هذه الثقافة من الروضة، وأن يتعلم الطفل كيفية استخدام المياه، وأن يتعلم ذلك التلميذ والطالب في الثانوية والجامعة وربات البيوت اللواتي ناشدتهن بشكل جدي بأن تحرصن على المياه، لأن المياه نعمة من الله سبحانه وتعالى، يجب أن نقدّرها ونحافظ عليها من أجل حياتنا، وديمومتها واستمرارها، وحياة الأحيال القادمة.
رووداو: في دقيقة واحدة، ما الذي تغيّر في الوضع المائي العراقي منذ تخرجكم سنة 1968 إلى 2023؟
عون ذياب: الإجابة على هذا السؤال يحتاج إلى زمن وليست دقيقة واحدة، لربما أكتب عن هذا الموضوع. كان وضعاً يختلف 100% عما هو عليه الآن. أنا من جنوب مدينة البصرة في جنوب العراق، على ضفاف شط العرب، حيث كانت المياه وفيرة جداً، ولم نشهد ظاهرة المد الملحي، سوى في مواسم محدودة جداً وفي أوقات قصيرة، وكانت تنتعش الزراعة والحياة في منطقة نادرة وجميلة جداً، وكانت الأسماك تعيش بحرية في بيئة رائعة جداً، ووفرتها كانت لا تصدق، أما الآن هناك ندرة الأسماك. على سبيل المثال، وأقولها للتاريخ، وصل سعر زوج من سمك الصبور المشهور في البصرة، الذي كان يبلغ 5 فلوس في وقت ما إلى 100 دولار حالياً، وهذا يكفي لإيصال رسالة بشأن التغيير الحاد، وهو تغيير في عموم العراق وليس البصرة، ومؤشر سلبي على ما حدث. للأسف الشديد أنا من أكثر الناس احباطاً لأنني عشت تلك الفترة الذهبية، ولو كان العراق قد إتخذ توجهاً صحيحاً دون الدخول في الحروب العبثية، إلى أين كان بإمكانه الوصول اليوم، لكن لا تزال الفرصة أمامنا وأمام الناس الشرفاء والمخلصين لإعادة بناء العراق.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً