رووداو ديجيتال
لا يميز غالبية العراقيين بين الجراحة التقويمية والجراحة التجميلية، إذ يخلطون بين المصطلحين. ويوضح أستاذ الجراحة التقويمية العراقي المعروف عالمياً، البروفيسور علاء بشير، الفرق بين المصطلحين الطبيين بقوله: "هنا تكمن مشكلة ترجمة اسم أو عنوان التداخل الجراحي من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، وما يرافق ذلك من عدم الدقة في الترجمة، سواء كان سهواً أو غير ذلك، مما يعمق المشكلة؛ حيث إننا متابعون للآخرين ولسنا مبدعين أو مساهمين في خلق وتطوير هذه العمليات".
علاء بشير، وهو فنان تشكيلي عالمي أيضاً وغالباً ما تمنى ترك الطب للبقاء في عالم الفن التشكيلي فحسب، قال لشبكة رووداو في إطار فك الالتباس بين المصطلحات الطبية المتعلقة بالجراحات التقويمية والتجميلية: "ما يسمى بـ (plastic surgery) والذي يترجم إلى العربية باسم الجراحة البلاستيكية، أصله لاتيني، ويعني ما يمكن تغييره أو تحويله. وبعد ذلك، ظهر مصطلح (reconstructive surgery)، وهي الجراحة التقويمية، وتشمل إعادة الأجزاء المتضررة بسبب الحوادث أو التشوهات الولادية. وقد تُرجمت إلى العربية تحت عنوان (جراحة التجميل)". ونبّه إلى أن "هذا الاسم أتاح التأويل بأن هذه الجراحة تهتم بمواصفات الجمال وفقاً للعرف الاجتماعي الشعبي، وكان من الأفضل تسميتها بالجراحة التقويمية، إذ إن التدخل التجاري للشركات المنتجة قد أساء إلى الجراحة التقويمية".
قبل 42 سنة، تحديداً في عام 1982، فوجئ العالم والإعلام المحلي والغربي بخبر إنجاز طبي كبير تمثل في إعادة البروفيسور علاء بشير، مدير مستشفى الواسطي في جانب الرصافة من بغداد، الكف اليمنى المقطوعة نتيجة حادث لعامل هنغاري يعمل في شركة نفط عراقية، وذلك من خلال عملية جراحية تقويمية مجهرية. ووصل العامل إلى المستشفى، ثم وصلت كفه في صندوق ثلجي. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت هذه العملية هي أكثر العمليات التقويمية تعقيداً التي أجراها، قال: "في عام 1982 أجريت العديد من عمليات إعادة الأصابع المقطوعة، لكن الإعلام اهتم بشكل كبير بإعادة الكف اليمنى المبتورة لأحد العاملين الأجانب في شركة النفط نتيجة حادث عمل". مذكراً بقوله: "رغم أنني أجريت عمليات أكثر تعقيداً وأهمية من إعادة الأيادي المقطوعة، إلا أنها لم تلقَ اهتماماً في وقتها، بينما نشرت تلك العمليات باهتمام في مجلات علمية مهمة في أمريكا وإنجلترا".
من المعروف عن الجراح علاء بشير تقديمه للنصائح العلمية لأي شخص، سواء كان امرأة أو رجلاً، يرغب في إجراء عملية تجميل. وهو لا يقتنع بسهولة إذا لم تكن العملية لسبب صحي، بل يرفض إجراء الكثير من هذه العمليات لمجرد أن ترغب المرأة في إظهار جمالها. وسأله معد فياض: باعتقادكم، ما هي الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع المرأة لإجراء عمليات التجميل؟ وهل الشعور بعدم الثقة بأنوثتها أو شخصيتها أحد هذه الأسباب؟ فأجاب: "أعتقد أن المرأة ضحية لضآلة الثقافة والأعراف في المجتمع. فكلما كان المجتمع جاهلاً، زاد اهتمامه بسطح الأشياء وابتعد كثيراً عن جوهرها، ليصبح الاهتمام بمظاهر الأشياء وليس بجوهرها". مضيفاً: "كان يجب على المجتمع أن يساعد المرأة على إدراك دورها المهم جداً في بناء مستقبل المجتمع وتطوره، وأن يكون جمالها مرتبطاً بأعمالها ودورها الثقافي والنفسي والاجتماعي في بناء الأجيال ومستقبل الوطن، وليس المبالغة في المظهر السطحي".
ويختتم جراح العمليات التقويمية علاء بشير حديثه بقوله: "أرى أن الطريق الوحيد لإنقاذ أنفسنا هو أن نحترم ونعزز ثقتنا في أنفسنا، وأن نتوقف عن أن نكون تابعين لتجارب واهتمامات الآخرين. لن نكون مبدعين إلا إذا توقفنا عن أن نكون مجرد تابعين".
من جهة أخرى، يرى جراح العمليات التقويمية، سرمد صادق، من أربيل، أن "عمليات التجميل تحولت إلى ظاهرة أو (موضة) بين العراقيات، سواء العربيات أو الكورديات، ونلاحظ اليوم ازدحاماً على عيادات ومراكز التجميل، حيث تطلب النساء عمليات لسن بحاجة إليها، مثل حقن البوتوكس والفيلر، وحتى عمليات بسيطة لا تغير شيئاً، ولكن لأن الأمر تحول إلى ظاهرة أو موضة، ترغب المرأة في إضافة شيء أسوةً بالأخريات من صديقاتها أو قريباتها، فتقوم بنفس الشيء، تماماً كما لو أن شخصاً يدخل سوبر ماركت دون أن يعرف ما يريد شراءه، فينتهي به المطاف بشراء أشياء لا يحتاجها وخسارة ثمنها".
يوضح الجراح سرمد صادق لشبكة رووداو قائلاً: "هناك عمليات تجميلية، وفي الوقت ذاته عمليات ترميمية، ونحو 40% منها تكون المرأة أو الرجل بحاجة إليها، مثل عمليات شد البطن المتهدل أو تصغير الصدر بسبب كبر حجمه، إذ إن ذلك يشكل ثقلاً على العمود الفقري ويسبب تآكلاً في الفقرات، وأي ثقل في الجسم يؤثر على المفاصل والصحة العامة. على سبيل المثال، تهدل الجفن هو حالة صحية وليست تجميلية، لأنه يؤثر على العين والنظر. هذه عمليات ترميمية مهمة للصحة وفي الوقت نفسه تجميلية، وأطباء التجميل في عموم العراق وإقليم كوردستان يستخدمون أجهزة متطورة تقنياً تضاهي ما هو موجود في الدول الغربية المتقدمة".
وأضاف: "أنا شخصياً أنصح المراجعين، سواء كانوا نساء أو رجالاً، بعدم إجراء العملية التجميلية إذا لم يكونوا بحاجة إليها. هناك أكثر من 30% من المراجعين لا يحتاجون إلى عمليات تجميلية، وكطبيب جراح مؤتمن، يجب عليّ أن أنصح وأوضح للمريض مدى حاجته للعملية. الموضوع ليس مجرد رغبة في إجراء عملية تجميل، فاليوم هناك منافسة قوية بين أطباء التجميل، ودخلت مراكز تجميل على الخط، وهي خالية من الأطباء الجراحين، وهذا أمر خطير جداً. هؤلاء يسعون لزيادة دخل عياداتهم ومراكزهم، ولكنني كطبيب أبدي رأيي وأرفض إجراء ما بين 20 إلى 30% من العمليات".
وعن أكثر عمليات التجميل التي تطلبها المرأة، يقول الجراح سرمد صادق: "أكثر عمليات التجميل شيوعاً بين النساء هي تجميل الأنف، وشفط الدهون، ونحت الجسم، خاصة للنساء بعد الولادة حيث يؤدي عدم انتظام عمل الهرمونات إلى تراكم الدهون. هذه العمليات هي الأكثر شيوعاً سواء في عموم العراق أو إقليم كوردستان". مشيراً إلى أن "أعمار النساء اللواتي يجرين عمليات التجميل تتراوح بصورة عامة بين 17 و60 سنة، لكن الفئة الأكثر شيوعاً هي بين 25 و45 سنة". وأضاف: "بعد الولادة واضطراب الهرمونات، تشعر المرأة بعدم الثقة بنفسها، وقد يتحول الأمر إلى أعراض نفسية، لذلك أحرص على أن أنصح المراجعة باستشارة طبيب نفسي قبل إجراء أي عملية تجميل لاستعادة ثقتها بنفسها وجسمها. والأمر لا يقتصر على النساء فقط، فهناك نسبة تتراوح بين 5 إلى 7% من الرجال الذين يجرون عمليات تجميل، مثل تجميل الأنف أو التخلص من الوزن الزائد".
وبشأن أجور عمليات التجميل، كشف اختصاصي الجراحة التجميلية والتقويمية وعلاج الحروق، سرمد نوري صادق، أنها "تبدأ من 700 دولار وحتى 6 آلاف دولار، وهناك حالات تحتاج إلى أكثر من عملية في ذات الوقت، وقد تصل تكلفتها إلى أكثر من 10 آلاف دولار".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً