فيلم "نابليون" اضخم انتاج سينمائي يصيب الجمهور بخيبة أمل

30-01-2024
معد فياض
A+ A-

رووداو ديجيتال

انتظر الجمهور السينمائي في العالم فيلم (نابليون بونابرت)، المنتج نهاية العام الماضي 2023، والذي اطلق عرضه بداية هذا العام 2024، لثلاثة اسباب مهمة وموضوعية، في مقدمتها موضوع الفيلم الذي يتخذ من تاريخ القائد الفرنسي الذي شغل نابليون بونابرت ، (1769 – 1821)،  بطلًا لأحداثه، حيث يتناول الفترة ما بين عام 1793 مع اندلاع الثورة الفرنسية، إذ يستهل الفيلم بمشهد الفوضى وقطع رأس الملكة ماري انطوانيت بالمقصلة، تلك الاحداث التي مهدت للصعود السريع لنابليون للسلطة، وتنصيبه هو شخصيا إمبراطورا بعد ان كان مدافعا عن الجمهورية، وانشغاله بحب جوزفين وإنجاب وريث له على عرش فرنسا،العرش نفسه الذي فقده سريعا بصورة أكثر درامية. وينتهى بوفاته بعد هزائمه المتعددة سواء خارج بلاده أو حتى داخلها.
 
السبب الثاني الذي شغل الجمهور لمشاهدة الفيلم هو اسم المخرج والمنتج، ريدلي سكوت، عن سيناريو ديفيد سكاربنا، والسبب الثالث هو وجود نخبة من ابرز الممثلين، من بينهم خواكين فينيكس، الحاصل على الاوسكار عن فيلم جوكر، في دور نابليون بونابرت، وفانيسا كيربي في دور زوجته جوزيفين، كما شارك في التمثيل بن مايلز ولديفين سانيي وطاهر رحيم وإيان ماكنيس.
 
لكن الجمهور اصيب، بعد عرض الفيلم باكثر من خيبة أمل، فالجمهور كان ينتظر من كاتب السيناريو والمخرج، خاصة، تقديم رؤية وتفسير حديث ومختلف لاحداث وشخصية نابليون، لا سيما وانه تم تقديمه للسينما لعدة مرات، كانت اولها فيلم (Napoléon) الصامت وفي الابيض والاسود، بالتأكيد، عام 1927، من تأليف وإنتاج وإخراج آبل غاس الذي يحكي قصة سنوات نابليون الأولى، وكان العنوان للفيلم  (نابليون فو بار أبيل جانس)، "نابليون كما يراه أبيل جانس". يتم التعريف بالفيلم باعتباره "تحفة من حيث حركة الكاميرا، التي تنتج في وقت كانت فيه معظم لقطات الكاميرا ثابتة، وتم استخدام العديد من التقنيات المبتكرة لصنع الفيلم وقتذاك ، بما في ذلك المؤثرات البصرية وحركة الكاميرا". وفيلم(غزو) عام 1937. لكن نسخة سكوت في 2023 جاءت مخيبة لامال الجمهور من حيث الاخراج وصياغة الحبكة والاداء.
 

لقد شاهدنا فيلم يحمل اسم أحد أهم القادة العسكريين في التاريخ وكنا نتوقع عمل يعتمد على تطور الشخصية مع تنامي الاحداث، ولكن ما حدث في فيلم نابليون هو العكس تماما، فالشخوص، خاصة نابليون وزوجته جوزفين كانا يشتغلان في جهة والاحداث في جهة أخرى، وكان يفترض ان تتنامى الشخصيات بالتوازي مع تطور الاحداث، لكن الفيلم اظهر ولع وانشغال نابليون، القائد العسكري الذي تحول الى اسطورة تاريخية وخاض اهم ستة معارك وكاد ان يحتل كل اوربا وجزء من آسيا، بحبه لكل  من جوزفين والسلطة، والتي ينتقل من أحدهما للآخر، من العاشق الرومانسي الرقيق الى القائد العسكري الصلب والقاسي دون أي تمهيد. فهذا القائد الذي تحول الى اسطورة تاريخية وخاض اكثر من ستة معارك جبارة، شاهدناه تائها ما بين سرير حبيبته جوزفين، التي منحها تاج الامبراطورية، وبين ساحات القتال،  وفي الاول ضعيفا، لا ينطوي على اي قرار سوى ممارسة الجنس ومن ثم انشغاله بولادة وريثا للعرش، وفي الثاني قاسيا على جيشه الذي يقوده مشيا لمساحات هائلة، بينها وسط ثلوج روسيا القاسية، ويخرج هنا منتصرا ثم منكسرا وبعدها ذليلا ومنفيا لمرتين، مرة الى جزيرة إلبا، والتي هرب منها بعد 10 ايام، ثم تم نفيه نهائيا الى جزيرة سانت هيلانة النائية هناك وبعد 6 سنوات مات على كرسي حينما استحضر صوت جوزيفين وهي تقول له "عد إلي لنبدأ حياة جديدة". واستخدم المخرج لقطة مقربة بحركة كاميرا من اليمين إلى اليسار، واختتم الفيلم بظهر نابليون وسقوط رأسه إلى اليسار. 
 
لقد ألهمت شخصية وسيرة نابليون الموسيقار العظيم بيتهوفن بتاليف سمفونية(بونابارت)، هكذا كتب عنوانها على الصفحة الاولى من السمفونية،  تيمنا ببطله نابليون والتي عمل عليها بين سنتي 1802 و 1803. وأتمها في أوائل سنة 1804 في فيينا.وبعد ان توج نابليون نفسه كامبراطور ومحاصرته لفينا لثلاثة ايام وقصفه لها، حتى ان بيتهوفن كتب بانه كان يغطي راسه بالوسائد كي لا يسمع ضجيج المدافع، ثم احتلالها، قام بتهوفن بسحبها من نابليون وتغيير اسمها إلى (السيمفونية البطولية) وأهداها إلى أحد الأمراء النمساويين. اضافة الى ان العديد من الفنانين لعبوا شخصيته في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات الموسيقية، كما تم تجسيده في اللوحات التشكيلية العالمية  والأدب الخيالي والسير الذاتية التاريخية.وبعد 250 عاما من ولادته في أجاكسيو، كورسيكا،لا يزال، نابليون، رمزاً ثقافياً عالمياً. بعد كل هذا كان الجمهور يعول على رالي سكوت الكثير ليشاهد تجربة سينمائية مدهشة عن نابليون، اعتمادا على التاريخ السينمائي الطويل والمبدع لسكوت الذي انجز افلاما سينمائية تعد ايقونات لا تنسى ونال عنها جوائز راقية  ابرزها فيلم (المصارع) ، (Gladiator) والذي لعب خواكين فينيكس، الحاصل على الاوسكار، دورا رئيسيا فيه. 
 

هناك من توقع، قبل عرض الفيلم، ان سكوت سيعود من خلال نابليون الى تقديم فيلم ملحمي قد يتفوق فيه على فيلمه (المصارع) Gladiator  لا سيما وجود اسم خواكين فينكس مجسدا شخصية نابليون، لكن ما حدث عكس كل هذه التوقعات، فالفيلم لم يحقق ايرادات كبيرة تغطي ميزانية انتاجه الضخمة،  وحصل على تقييم منخفض نسبيا بلغ 58% من الجمهور والنقاد على حد سواء، وقد مدح المشاهدون على موقع روتن توماتوز "التمثيل الرائع ومشاهد الأكشن"، ولكن عابوا عليه عدم قدرته على "تقديم صورة كاملة للقائد الفرنسي رغم وقته الطويل". وعلى نفس الموقع أجمع النقاد على أن الفيلم "ملحمة مضحكة".
 
في نابليون ريدلي سكوت ، يصبح خواكين فينيكس أحدث ممثل يؤدي دور نابليون، منضماً إلى قائمة تشمل مارلون براندو وداني ديفيتو وروان أتكينسون. بعد 200 عام من وفاته، ما زال الطاغية ضئيل الحجم (نابليون)، موضوعا للتشويق و(التهكم) على الشاشة.
 

وقال فينيكس، إنه انجذب إلى مثل هذا الدور "المتطلب"، واستعد بعناية شديدة للفيلم مع مخرجه ومنتجه ريدلي سكوت، حيث تدرب على كل مشهد بأدق تفاصيله. لكن هذا ما لم نشاهده في الفيلم، فقد حاصر كاتب السيناريو خواكين فينكس الذي فقد بوصلة حركته بالرغم من مهاراته الادائية العالية، وفقد خطوط حركته بسبب عدم رسم شخصية واضحة له، وكان عليه التصرف بنفسه لانقاذ الشخصية وتقديمها بشكل معمق وهذا ما قاده إلى تخبط كبير واعتماده في أجزاء كثيرة على شخصياته التي مثّلها من قبل، فاستعار اصرار "كومودوس" بالسلطة، كونه ابن الملك، من فيلم "المصارع"، ولمحات من جنون فيلم "جوكر" (Joker)، والحب المريض من شخصية "جوني كاش" الذي قدمه في فيلم "السَّير على الخط" (Walk the Line)، ولكن كلها ظهرت غير أصيلة أو لها علاقة بشخصية نابليون في الفيلم ومساراته. واتسائل، هل تعمد المخرج ان يظهر نابليون مترددا، مشتتا، ضائعا، كجزأ من تحليله النفسي لشخصيته؟ ام ان هذا اجتهاد من فينيكس ورؤيته وقرائته لشخصية نابليون، واذا لم يكن يؤدي شخصية نابليون، فانه ابدع في الاداء في دور سينمائي معزول عن الشخصية.
 
الامر ينطبق ايضا على فانسيا كيربي، التي لعبت دور جوزفين التي  ظهرت في الفيلم امرأة شديدة الجاذبية مولعة بجمالها ويهمها إعجاب الرجال بها والسلطة التي حصلت عليها بسبب علاقتها بنابليون، شخصية سلطوية وقوية حتى مع نابليون الذي تجيد التعامل معه حتى عندما خانته مع رجل آخر واطلق نابليون عليها وصف (العاهرة) ثم سرعان ما عاد اليها واهداها تاج الامبراطورة، الا انه سوف يستمر معها حتى بعد ان يطلقها كونها لا تستطيع الانجاب، كصديقة او كعشيقة يغرق في حبها. لكننا كمتلقين لا نستطيع ان نلمس لها اي دور سياسي او حياتي مؤثر في احداث الفيلم، وهي الاخرى اضاعت راس خيط شخصيتها فتشابكت عليها الخيوط وتعقدت واكتفت بتقديم دور العشيقة السطحية والضعيفة مع ان كتب التاريخ تخبرنا عن تدخلها المؤثر في سياسة فرنسا وتاثيرها على قرارات نابليون.
 
جوزيفين التي كانت تعتبر أسيرة ومتمردة وثورية خلال فترة الثورة الفرنسية والتي قُصلت رقبة زوجها وكانت هي قاب قوسين من شفرة المقصلة، عرضت نفسها بسهولة على نابليون في لقائهما الثاني، وهنا تنطلق قصة حبهما الشهيرة حيث كان حريصا على مراسلتها وهو في اشد اوقاته حرجا في ميادين القتال، وعندما تموت جوزفين يسال، نابليون، ابنتها عن رسائله اليها فتخبره بان خادمتها سرقتها وباعتها..تلك الرسائل التي شكلت العنصر الرومانسي الرئيسي في الفيلم، مما يُضيف عمقًا وعاطفةً إلى الفيلم. حتى انه عندما كان يحتضر ردد قائلا"جوزفين تناديني لالتحق بها"، وكانت هذه آخر جملة نطقها في الفيلم.
 
أداء فانيسا كيربي لم يكن مقنعًا باعتبارها شخصية مؤثرة في حياة نابليون على نحو كافٍ، حيث لم تكن موفقة في التعبير كلّيا عن هذه الشخصية الغامضة مما يجعلها غير منسجمة مع الدور الذي أوكل إليها، ويبدو أنها لم تتمكن من نقل العمق الذي يتناسب مع تلك الحقبة التاريخية، وأظهرت قدرات تمثيلية محدودة في تقديم تلك الشخصية الهامة التي لعبت دورا مهما في حياة نابليون في المقابل تميز الفيلم ببعض مشاهد المعارك المذهلة والدقيقة، وحركة الكاميرا في اتصوير المشاهد الساحرة، التي تميز بها ريدلي سكوت، كما في فيلم(المصارع)، ذلك ان سكوت حريص على تحويل مشاهد القتال في المعارك الملحمية الى لوحات متحركة. ومع ذلك كانت هناك مشاهد فوضوية، حيث قام سكوت بتصوير انقلاب سياسي في مجلس النواب عندما قام المقربون من نابليون بالتمرد على المجلس الحاكم المعروف بالقيادة وهنا قد تم تسجيل لقطة باهتة يظهر فيها نابليون وهو يتعرض للضرب من قبل أعضاء المجلس.
 
يصعب التشكيك في موهبة ريدلي سكوت بعد هذه المسيرة الغنية بالأعمال والتي أثرت في الآلاف من محبي السينما، ولكن يمكن التشكيك في قدرته على التطور والحفاظ على استمرارية هذه الموهبة، فقد تأرجحت أعماله في السنوات الأخيرة بين الجيدة فقط والمخيبة للآمال، ويجمع بينها كلها أنها أفلام ذات ميزانية كبيرة من بطولة ممثلين مشاهير، ولكن بسيناريوهات تبدو غير مكتملة وشخصيات غير متطورة بما فيه الكفاية، فقد أخفق نقديا في فيلم "نابليون" الذي اعتبره النقاد"خطوة متعثرة جديدة في مسيرة ريدلي سكوت، الفيلم يتأرجح طوال الوقت بين الجد والهزلية، فنجد المشهدية الرائعة في المعارك الحربية واضطرابات العلاقات الزوجية في مشاهد القصور جنبا إلى جنب، فيلم حرم أبطاله من شخصيات مرسومة بدقة، فأخفق في الاستحواذ على إعجاب النقاد والمشاهدين."
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب