معد فياض
قبل 54 سنة صدرت مجلة الاطفال (مجلتي)، وبعدها بعام واحد صدرت جريدة (المزمار) للفتيان، تحولت فيما بعد الى مجلة، وضمت رئاسة تحرير (مجلتي والمزمار) وكان هذا توصيفها الرسمي، وقتذاك وحتى وقت متأخر من نهاية التسعينيات خيرة الكتاب والشعراء والرسامين والخطاطين والمصممين العراقيين فاحتلت بفضل انتشارها الواسع عربيا المرتبة الاولى بين مطبوعات الاطفال والفتيان، حيث كشف اكثر من شاعر وكاتب من المغرب والجزائر وتونس بانهم تعلموا قراءة وكتابة اللغة العربية من هذين المطبوعين.
في نهاية السبعينيات تحولت رئاسة تحرير (مجلتي والمزمار) الى (دار ثقافة الاطفال) بحجم مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة والاعلام وكانت الكاتبة أمل الشرقي اول مديرة عامة لها، حيث توسعت في اصداراتها من الكتب القصصية والشعرية، كما توسع انتشارها.
شاعر وكاتب الاطفال فاروق سلوم كان من الرواد المؤسسين لهذا المشروع، وله عشرات الكتب الشعرية والقصصية والبحثية للاطفال وللدارسين لثقافة الطفل، وهو المدير العام الاسبق لدار ثقافة الاطفال، إذ يؤكد حول اهمية ثقافة الاطفال:" تحفز منشورات الأطفال الخيال والإبداع ، وتشجع الأطفال على استكشاف أفكار وشخصيات وعوالم جديدة. إنها تلهم الفضول والحب لرواية القصص ، وتغذي الإمكانات الإبداعية للعقول الشابة".
عن انحسار نشاط دار ثقافة الاطفال الرائد في العراق وشحة المطبوعات واختفاء نشاطاتها من معارض ومهرجانات ومطبوعات ومسرحيات، قال فاروق سلوم لشبكة رووداو الاعلامية، خلال وجوده في اربيل، اليوم الاربعاء (28 حزيران 2023)، "كان امام مشروع ثقافة الاطفال في العراق اختيارين، بين تحقيق قفزة بما لدى الدار من تاريخ ازيد من خمسين سنة حققت خلاله حضورا وشبكة علاقات عربية ودولية مع مثيلاتها وذُكرت في الكثير من الدراسات والبحوث، واشير الى منجزها من المطلوعات التي زادت على خمسة الاف عنوان جديد تأليفا وترجمة واعدادا". مضيفا:" ولكن بكل اسف كان الاختيار الثاني الذي اتجه نحو النكوص واختصار الموازنات وعدم اهتمام الاحزاب التي كانت ادارة الدار من نصيبها في وزارات المحاصصة خلال عشرين عاما، كما تسرب الكثير من الرسامين والكتاب والكفاءات بشكل يبدو ان واقع الدار يتطلب وعيا وادراكا وادارة سياسية تدرك ان التربية والثقافة والهوية الوطنية لاتنتجها المحاصصات التي مرت تجربتها واختبرها الناس طوال عشرين عاما".
ويؤشر الشاعر والكاتب فاروق سلوم، المقيم حاليا في السويد، الى مسالة مهمة وهي تنافس المنصات الرقمية مع المطبوعات الورقية، قائلا: "في عالمنا الرقمي، خضعت مجلات وصحف الأطفال لتغييرات كبيرة للتكيف مع المشهد الإعلامي المتطور وتلبية تفضيلات واحتياجات القراء الأطفال والشباب. حيث تتمتع صحف ومجلات الأطفال الآن بحضور قوي على المنصات الرقمية. لديهم مواقع على شبكة الانترنيت وتطبيقات على الهواتف الذكية (الموبايل) وإصدارات رقمية تقدم محتوى تفاعليا وعناصر وسائط متعددة وميزات جذابة. يتيح ذلك للأطفال الوصول إلى المنشورات من أجهزة مختلفة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر".
ونبّه الى ان "المنشورات الرقمية توفر مستوى أعلى من التفاعل مقارنة بنظيراتها التقليدية في الطباعة الورقية، غالبا ما تتضمن ألعابًا تفاعلية ومسابقات ومقاطع فيديو ورسوم متحركة وعناصر قابلة للفتح السهل تعزز تجربة القراءة وتجعلها أكثر جاذبية للأطفال". موضحا انه "بامكان مجلات الأطفال والصحف أن تتضمن محتوى وسائط متعددة مثل مقاطع الفيديو ومقاطع الصوت ومعارض الصور، وهذا يوفر تكامل الوسائط المتعددة لتجربة قراءة غامرة واسعة وديناميكية، مما يجذب انتباه الأطفال ويعزز اهتمامهم بمواضيع متنوعة.اضافة الى هذا يمكن للمنشورات الرقمية تقديم محتوى مخصص بناءً على اهتمامات القارئ وعمره وتفضيلاته يَمكنهم استخدام الخوارزميات للتوصية بالمقالات والأنشطة والقصص التي تتوافق مع اهتمامات الطفل المحددة، مما يخلق تجربة مخصصة من خلال خبرات رقمية متخصصة في الكتابة والرسم".
وحول انتشار الصحافة او الاصدارات الرقمية مقارنة مع الورقية، يقول المدير العام الاسبق لدار ثقافة الاطفال "تتمتع المنصات الرقمية بانتشار عالمي، يمكن الوصول إلى مجلات وصحف الأطفال من قبل القراء في جميع أنحاء العالم، متجاوزين الحدود الجغرافية والثقافية". مؤكدا ان المنصات الرقمية، وعلى العكس مما يعتقده الاخرون لا تتسبب باية خسائر للناشرين التقليديين، يقول: "توفر الأنظمة الأساسية الرقمية للناشرين أدوات تحليل بيانات قيّمة، والتي يمكن أن تقدم رؤى حول أنماط القراء، وتفضيلات المحتوى، ومقاييس التفاعل. وتساعد هذه البيانات الناشرين على فهم جمهورهم بشكل أفضل وتنقيح استراتيجيات المحتوى الخاصة بهم وفقًا لذلك"، مستطردا بقوله: "في الوقت الذي جلبت فيه المنصات الرقمية العديد من التطورات والفرص، فلا تزال المنشورات المطبوعة التقليدية، وان بشكل محدود، تحمل قيمتها وتجذب شرائح معينة من القراء الأطفال والشباب".
ويعول سلوم المنشغل بقضية ثقافة الطفل منذ اكثر من نصف قرن، على دور الدولة في ان تتحمل مسؤوليتها بمجال ثقافة الاطفال، يقول: "إن دور الدولة كما حددته دساتير الدول المختلفة يقوم على مسؤولية دعم وتشجيع إصدارات الأطفال وتوفير كتب الأطفال، أمر حاسم لتنمية إمكانات الأطفال في التعلم والثقافة. وكما نعرف يمكن أن تلعب الدولة دورًا مهمًا في هذا الصدد من خلال استراتيجيات ومبادرات مختلفة، منها الدعم المالي، إذ يمكن للدولة تقديم الدعم المالي للناشرين والمؤلفين العاملين في مجال مطبوعات الأطفال، كما يمكن للدولة أن تنشئ إطارًا تنظيميا ملائمًا يعزز إنتاج وتوزيع منشورات الأطفال وإمكانية الوصول إليها". مشيرا الى انه "يمكن للدولة أن تدمج أدب الأطفال والترويج للقراءة في سياسات التعليم، ويشمل ذلك دمج كتب الأطفال في المناهج الدراسية، وتشجيع المعلمين على استخدام أدب الأطفال كمصادر تعليمية، وتنظيم برامج تدريبية للمعلمين حول أهمية القراءة وتنمية معرفة القراءة والكتابة".
يرى سلوم ان "من واجب الدولة أن تستثمر في إنشاء وتطوير مكتبات عامة وأقسام للأطفال داخل المكتبات. ويشمل ذلك توفير التمويل لموارد المكتبة، بما في ذلك كتب الأطفال، وإنشاء مساحات صديقة للأطفال ، وتنظيم جلسات سرد القصص، واستضافة الأحداث الأدبية لتشجيع عادات القراءة بين الأطفال ويمكن للدولة تنفيذ برامج توزيع الكتب التي تضمن للأطفال إمكانية الوصول إلى الكتب المناسبة للعمر والمتنوعة ثقافياً بما في ذلك توفير كتب مجانية أو مدعومة للمدارس والمراكز المجتمعية والمناطق المحرومة بالإضافة إلى تنظيم معارض الكتب وحملات التبرع بالكتب".
وفيما يتعلق باهمية الرسم المصاحب للقصص والقصائد للاطفال، قال سلوم: "اكتسبت الرسوم الهزلية الموجهة للأطفال شهرة، مع توفر مجموعة متنوعة من الأنواع والأنماط، من الأبطال الخارقين إلى الخيال ومن الكوميديا إلى المحتوى التعليمي ، تلبي القصص المصورة للأطفال الأذواق والاهتمامات المختلفة. هناك أيضًا اتجاه نحو إنشاء روايات مصورة تتناول موضوعات معقدة وتقدم سردًا دقيقاً للقصص. وتبنّت القصص المصورة المنصات الرقمية، مما سمح للأطفال بالوصول إلى عناوينهم المفضلة من خلال المنصات عبر الإنترنت وتطبيقات الأجهزة المحمولة".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً