رووداو ديجيتال
يعتمد الفيلم الاميركي (أوبنهايمر) Oppenheimer على رواية " بروميثيوس الأميركي"، تاليف الكاتبان كاي بيرد ومارتن ج. شيروين، والحاصل على جائزة بوليتزر التي تعتبر ارقى جائزة اميركية في الكتابة، والتي تتحدث عن السيرة الذاتية لعالم الفيزياء الاميركي روبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة الذرية، او كما يلقب (ابو القنبلة الذرية) التي اسقطت على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين.
عنوان الرواية (برومثيوس الاميركي) مستمد من الاسطورة اليونانية القديمة (برومثيوس سارق النار)، التي تتحدث عن بروثيوس الذي سرق النار التي كانت حكرا للالهة ومنحها للبشر حيث بدأت البشرية عصر الانتقال من الظلام الى النور، الأمر الذي اغضب زيوس كبير الآلهة فعاقبه بربطه إلى صخرة كبيرة مرسلاً إليه نسراً عملاقاً يأكل كبده في النهار ويقوم (زيوس) بتجديدها في الليل ليأكله النسر مرة أخرى حتى نهاية البشرية.
استهلال فيلم(أوبنهايمر) الذي كتب السيناريو له وأخرجه البريطاني الاميركي كريستوفر نولان، باسطورة برومثيوس يرمز الى ندم العالم اوبنهايمر لاختراعه وصناعته القنبلة التي قتلت، حسب الاحصائيات المسجلة، وهي مجرد تقديرات، نحو 140 ألفا من سكان هيروشيما، البالغ عددهم 350 ألفا ، وأن نحو 74 ألفا آخرين على الأقل لقوا حتفهم في ناغازاكي. وأدى الهجوم النووي إلى إجبار اليابانيين على وقف الحرب العالمية الثانية ، إذ استسلمت اليابان للحلفاء في 14 آب 1945.

سيرة ذاتية
قصة الفيلم الذي صدر منتصف سنة 2023، . تروي السيرة الذاتية لحياة عالم الفيزياء النظرية روبرت أوبنهايمر، وتركز القصة في الغالب على دراسات أوبنهايمر المبكرة، وإدارته لمشروع مانهاتنالخاص بصناعة القنبلة النووية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم فقده لحظوته بعد جلسة الاستماع الأمنية عام 1954، إضافة لذلك الأحداث المحيطة بعلاقة أوبنهايمر مع لويس ستراوس، عضو هيئة الطاقة الذرية الأمريكية الذي كان يرى أوبنهايمر خصمًا له.
الفيلم من بطولة الممثل الايرلندي كيليان مورفي بدور أوبنهايمر والممثل الاميركي روبرت داوني جونيور بدور ستراوس، إضافة إلى طاقم تمثيل يضم إيميلي بلنت ومات ديمون وفلورنس بيو وجوش هارتنت وكيسي أفليك ورامي مالك وكينيث براناه.
تستهل احاد الفيلم بعد حصول بوربرت أوبنهايمر، البالغ من العمر 22 عاما، على شهادة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة جوتنغن في ألمانيا، حيث عمل لفترة مع العالم الالماني فيرنر هايزنبرج، وقبلها كان قد درس في جامعة كامبرج بانجلترا، وعودته الولايات المتحدة، مدفوعًا بغياب البحث في الفيزياء الكمية في بلده. ثم يبدأ التدريس في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، بالتزامن مع التفرغ لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
ويتابع الفيلم رحلة اوبنهايمر حيث يقابل شخصيات مثل إرنست لورنس، الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1939 ، الذي يؤكد على التطبيقات العملية، وجين تاتلوك، عضوة في الحزب الشيوعي الأميريكي والتي يرتبط معها بعلاقة حب تنتهي بانتحارها بعد ان يتزوج عالمة الاحياء كاثرين بوينينج، وهي الاخرى كانت عضوًا سابقًا في الحزب الشيوعي الاميركي.

مشروع مانهاتن
يتم تكليف الجنرال ليزلي جروفز من قبل الحكومة الاميركية بتعيين أوبنهايمر لقيادة مشروع مانهاتن لتطوير قنبلة ذرية بعد أن يتأكد جروفز أن اوبنهايمر ليست لديه اي ارتباط مع الحزب الشيوعي الذي كان يقلق الولايات المتحدة.
يدفع أوبنهايمر، وهو يهودي، بشكل خاص بفرضية أن النازيين يعملون حاليًا على برنامج لتطوير الأسلحة النووية. خاصة وان عالم الفيزياء الالماني اينشتاين كان قد بعث في آب 1939برسالة كتبها زميله ليو سيلار خلال وجوده في اميركا، إلى الرئيس الأميركي فرانكلين دي روزفلت نبه فيها البيت الأبيض إلى أن ألمانيا قد تطور قنبلة ذرية نتيجة للتقدم العلمي الذي أحرزته تلك الدولة الأوروبية في مجال الانشطار النووي لليورانيوم، وانه، اينشتاين كان شاهدا على بداية هذا البرنامج قبل هروبه من المانيا النازية. وربما كان دافع اينشتاين، وهو يهودي الماني، الحقد على هتلر الذي ارتكب الفضائع ضد اليهود وجرد العالم المشهور من جنسيته الالمانية، ويعتقد أن ذلك أدى إلى البدء في مشروع مانهاتن، والذي عينت الحكومة الأمريكية أوبنهايمر رئيسا له عام 1942، وكان حينها واحدا من أبرز العلماء في هذا المجال.
ووفقا للعديد من المصادر، فانه لم يتم إشراك أينشتاين، الذي كان يبلغ من العمر 64 عاما آنذاك، في المشروع بسبب أصوله الألمانية وأفكاره اليسارية، وكذلك بسبب اختلاف اوبنهايمر معه والذ قال عنه خلال حديثه بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة أينشتاين ومرور خمسين عاما على صياغته لنظرية النسبية العامة في باريس، ان"أعمال أينشتاين الأولى رائعة الجمال، ولكنها مليئة بالأخطاء".وكان واضحا اختلاف الاراء العلمية المختلفة لنظريات الفيزياء بين الاثنين.

لوس ألاموس
يقترح اوبنهايمر بناء مدينة سرية بعيدة عن الانظار (لوس ألاموس) في نيو ميكسيكو خاضعة لحراسة مشددة ليجمع فيها فريق من العلماء والباحثين والمهندسين مع عوائلهم للبدء بمشروع القنبلة الذرية بهدف إنقاذ العالم على الرغم من الآثار العالمية المحتملة. في نقطة ما، يناقش هو وألبرت أينشتاين إمكانية نظرية مثل هذه القنبلة في تفجير تفاعل متسلسل يمكن أن يدمر العالم بأكمله.
بعد استسلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، يشكك بعض علماء المشروع في أهميته، بصناعة القنبلة الذرية، ومع ذلك يستمر المشروع لعامين وانفق عليه ما يقرب من 25 مليون دولار، ويتم تنفيذ الاختبار النهائي لها والذي سمي باختبار ترينيتي، بنجاح قبل مؤتمر بوتسدام الذي انذر فيه الرئيس ترومان اليابان بالاستسلام فورا لانهاء الحرب.
عرضت على وزير الحربية الاميركي قائمة بـ 11مدينة يابانية لاختيار مدينتين منها لالقاء القنلة الذرية عليهما، واستثنى احدى المدن الوارد اسمها في القائمة لانها" جميلة وهادئة وقضينا شهر العسل فيها ونحبها انا وزوجتي". وهكذا يتم انقاذ هذه المدينة من الدمار، ويقرر الرئيس هاري ترومان إلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي . وبسبب الموت والدمار الذي خلفته القنبلتان الذريتان يقود اليابان العنيدة للاستسلام وانهاء الحرب، ويبرر البيت الابيض بانه لولا هذا الاجراء ما كانت اليابان لتستسلم وتنتهي الحرب بالرغم من استسلام المانيا.
يؤدي استسلام اليابان وتوقف الحرب وعودة الجنود الى بيوتهم إلى تمجيد أوبنهايمر بشكل علمي باعتباره "أبو القنبلة الذرية" حسب ما نشرت مجلة تايم على غلافها مع صورته. وفي لقاء جمع أوبنهايمر بالرئيس هاري ترومان في المكتب البيضاوي في البيت الابيض، تركز الكاميرا على غلاف مجلة التايم الموجودة فوق منضدة امام الرئيس الذي قال معلقا" انت اشهر مني الان"، لكن اوبنهايمر لا يرد على هذا التعليق وقد بدت علامات معاناته من الصدمة الناتجة عن الدمار الهائل الذي تسببت به القنبلة الذرية. وفي حديث سيغير مصير العالم الفيزيائي يسال ترومان اوبنهايمر عن مصير بلدة لوس ألاموس؟ فيجيبه اوبنهايمر قائلا"نمنحها للهنود"، وهذا ما يغضب الرئيس الاميركي الذي كان يريد تطوير البلدة وتوسيعها والاستمرار بصنع القنابل الذرية والهايدروجينية، وهذا ما يوضحه نائب الرئيس بقوله"ولماذا لا نبني البلدة؟"، لكن عالم الفيزياء يوضح ندمه ورغبته بانهاء برنامج التسليح النووي. ينزعج ترومان من راي اوبنهايمر ويعتبره ضعفًا ويجرد أوبنهايمر من مجد صناعة القنبلة ويقول له" التاريخ سيذكر من القى القنبلة وليس من صنعها..وانا من قرر القائها"، لكن أوبنهايمر يحمل نفسه المسؤولية العلمية والاخلاقية. عندما يخرج اوبنهايمر من مكتب الرئيس نسمع صوت ترومان وهو يصيح" لا اريد ان ارى هذا الباكي في مكتبي ثانية".

معارضة التسليح النووي
يعارض أوبنهايمر التطور النووي المستقبلي، خاصة القنبلة الهيدروجينية من قبل زميله في مشروع مانهاتن ،إدوارد تيلر. ومع ذلك، تثير مواقفه جدلاً خلال الحرب الباردة المشددة مع و يثير ربطه المحتمل باليسار عبر انخراط شقيقه الدكتور فرانك الذي عمل في مشروع مانهتن ومن ثم فصله حتى من الجامعة ليعمل في مزرعة في نيوميكسيكو، كونه عضوا سابقا في الحزب الشيوعي ، وارتباطه بتاتلوك، شكوك الحكومة.
لويس ستراوس، عضو كبير في لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، يعبر في مناسبات عديدة عن كرهه لأوبنهايمر، معتقدا أنه تحدث عنه بسوء مع أينشتاين في لقاء شهده ستراوس من بعيد، وكذلك لرفضه علنًا مخاوفه بشأن تصدير النظائر النووية. يستغل ستراوس روابط أوبنهايمر باليسار في جلسة استماع من قبل الكونغرس مصممة لإزاحته عن النفوذ السياسي، حيث يخونه تيلر وشركاء آخرون. حيث يتم سحب ترخيصه الامني، وتفضح للراي العام الكشف عن الارتباط المفترض لاوبنهايمر بالشيوعية وعلاقته بتاتلوك من اجل تسقيطه من المجد ونهاية تأثيره كشخصية فكرية عامة.
في جلسة استماع اللجنة الخاصة بتأكيد ستراوس ليصبح وزيراً للتجارة، يكشف ديفيد هيل، وهو تقني في المختبر المعدني السابق، عن آراء ستراوس الشخصية المعادية لأوبنهايمر ودوره في التآمر ضده. عندها تصوت اللجنة ضد ستراوس بالاضافة الى رفض غير متوقع ومشدد من جون إف كينيدي عندما كان عضوا في الكونغرس.

اعادة الاعتبار
عام 1963، يتسلم أوبنهايمر جائزة إنريكو فيرمي من الرئيس ليندون بي. جونسون كإشارة منه لإعادة تأهيله واعتباره بشكل سياسي. ويكشَف الفيلم بأن محادثة اوبنهايمر السابقة مع أينشتاين كانت ليست حول ستراوس، وإنما حول التداعيات البعيدة المنتظرة للأسلحة النووية. يتساءل أوبنهايمر ما إذا كان اختبار ترينيتي، والذي كان في حد ذاته إبداعه إلى حد كبير، بدأ "تفاعلًا متسلسلًا" من الأحداث قد يؤدي إلى نهاية العالم بالكامل. حيث قال له اينشتاين في أحد المشاهد الختامية لفيلم أوبنهايمر "الآن جاء دورك لمواجهة عواقب إنجازك". لقد كان أينشتاين وأوبنهايمر اثنين من أهم العلماء في ذلك الوقت، لكن كانت هناك اختلافات مهمة بينهما، فيما يتعلق بفهم كل منهما للفيزياء وبالطريقة التي كان كل منهما يعتقد أن باستطاعته خدمة العالم أو إيذائه.وكان العديد من العلماء، ومن بينهم أينشتاين وسيلارد وغيرهما أدانوا إلقاء قنابل ذرية على مدن يابانية، إذ إنهم اعتبروا أن اليابان كانت بالفعل قد هُزمت جزئيا.
كان فيلم اوبنهايمر قد عرض للمرة الاولى في باريس بتاريخ 11 تموز 2023، وفي الولايات المتحدة بتاريخ 21 تموز من نفس الشهر.. وحقق وقتذاك أكثر من 912 مليون دولار في جميع أنحاء العالم بميزانية إنتاج تبلغ 100 مليون دولار، وهو حالياً ثالث أعلى الافلام ايرادات في 2023.
وحصل الفيلم على العديد من الجوائز وإشادة هائلة من النقاد، مع ثناء خاص على فريق التمثيل، والسيناريو، والتصوير، منها خمس جوائز غولدن غلوب، وثمانية جوائز اختيار النقاد، وتم اختياره كأحد أفضل عشرة أفلام لعام 2023 من قبل المجلس الوطني للمراجعة ومعهد الفيلم الأمريكي. كما خطف الممثل الإيرلندي كيليان مورفي جائزة الأكاديمية الملكية للفنون ( بافتا ) كأفضل ممثل عن دوره الرئيس في فيلم ( أوبنهايمر )، وحصل كاتب السيناريو والمخرج كريستوفر نولان على جائزة أفضل مخرج .أما جائزة أفضل ممثل في دور مساعد فقد ذهبت الى الأمريكي روبرت داوني جونيور الذي لعب دور الأدميرال " ستراوس " في الفيلم ذاته .و ذهبت جائزة أفضل تصوير الى الهولندي ــ السويدي هويت فان هويتيما.
كما حصل الفيلم على جائزة أفضل موسيقى تصويرية التي ذهبت الى السويدي لودفيج جورانسون.كذلك ذهبت جائزة أفضل مونتاج الى فيلم ( أوبنهايمر ) أيضاً .
وايضا فاز فيلم أوبنهايمر بجائزة أفضل أداء لفريق سينمائي في حفل توزيع جوائز SAG لعام 2024.كما حصل الفيلم على جائزتين أخريين، للممثل الرئيسي كيليان ميرفي والممثل المساعد روبرت داوني جونيور.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً