معد فياض
من بين 66 رواية و14 مجموعة قصصية لاشهر كاتبة في الادب البوليسي المشوق، آجاثا كريستي، تم اقتباس روايتها الشهيرة جريمة في قطار الشرق السريع( Murder on the Orient Express)، الصادرة عام 1934للسينما اربع مرات، في الاعوام: 1974 من بطولة ألبرت فيني بدور بوارو.و2001، من بطولة ألفريد مولينا بدور بوارو. كما اقتبست من الرواية إحدى حلقات مسلسل "اغاثا كريستي بوارو" عام 2010 من بطولة ديفيد سوشي بدور بوارو.واخيرا،وليس آخرا، اقتبس من الرواية فيلم يحمل نفس اسم الرواية (جريمة في قطار الشرق السريع) عام 2017 من بطولةاخراج وبطولة كينيث براناه وميشيل فايفر وينيلوبي كروز وجودي دنش، وهذه النسخة التي سنتحدث عنها هنا.
الفيلم من بطولة واخراج ، السير كينيث تشارلز براناه، وهو ممثل ومخرج أفلام بريطاني من أيرلندا الشمالية. اشتهر بإخراج وبطولة العديد من الأفلام المقتبسة عن مسرحيات ويليام شكسبير منها: هنري الخامس، وجعجعة بلا طحن، وعطيل، و هاملت وخاب مسعى العشاق وكما تهوى .وعرف عنه بلعب ادوار مهمة في غالبية الافلام التي يقوم باخراجها.وفي عام 2022 قام باخراج فيلم مقتبس عن رواية اخرى لاجاثا كريستي ( موت على ضفاف النيل (.
تكمن اهمية وجماليات فيلم (جريمة في قطار الشرق السريع) المستند على السناريو الذي كتبه مايكل غرين، والذي انتجته شركة تونتيث سينتشوري فوكس الاميركية عام 2017، ليس في غموضه فقط بل بحفاظ المخرج على روح الرواية التي تنطوي على لغز غامض، مثل بقية روايات آجاثا كريستي، وتصويره في مواقع غالبيتها حقيقية، اسطنبول خاصة، اضافة الى ان برناه احكم نجاح فيلمه من خلال تحشيده لمجموعة رائعة من الممثلين المبدعين للعب الادوار، وهم: اضافة الى كينيث برناه الذي لعب دور المحقق هرقل بوارو، وهذه الشخصية حرصت كريستي على ان يكون بطل غالبية رواياتها، وبينيلوبي كروز بدور بيلار إسترافادوس، وجوني ديب بدور إدوارد راتشيت، وجودي دينش بدور الأميرة ناتاليا دراغوميروف، وويليم دافوي بدور جيرهارد هاردمان،وميشيل فيفر بدور السيدة كارولين هوبارد، وجوش جاد بدور هيكتور ماكوين، وديريك جاكوبي بدور ماسترمان، وليزلي أودوم جونيور بدور الدكتور أربوثنوت، وديزي ريدلي بدور ماري ديبنهام، مروان كنزاري بدور بيار ميشيل، وأوليفيا كولمان بدور هيلديغارد شميت.
تستهل احداث الفيلم الذي تدور غالبية احداثه في قطار الشرق السريع، عندما يحل المحقق البلجيكي الشهير هيركيول بوارو (كينيث براناه) لغز سرقة في كنيسة القيامة في القدس عام 1934.وهذه المشاهد اضافها المخرج وهي ليست في اصل رواية كريستي، كان بوارو ينوي أن يستريح في إسطنبول، ولكن يتفاجأ بخبر أنه عليه العودة إلى لندن من أجل قضية أخرى. يقوم صديقه هكتور بوك مدير خدمة قطار الشرق السريع، والذي يعد أسرع قطارات العالم قاطبة، والذي كان ينطلق من بغداد الى اوربا مرورا باسطنبول، بترتيب مقصورة درجة اولى لصديقه بوارو على متن القطار، مع بقية ركاب الدرجة الاولى: الأرملة الأميركية كارولين هوبارد (ميشيل فايفر)، ورجل الأعمال الأميركي إدوارد راتشيت (جوني ديب)، وخادم راتشيت الإنجليزي إدوارد ماسترمان (ديريك جاكوبي) وسكرتيره ومترجمه هيكتور ماكوين (جوش غاد)، والأميرة الروسية المسنة ناتاليا دراغوميروف (جودي دينش) وخادمتها الألمانية هيلدغارد شميدت (أوليفيا كولمان)، الدبلوماسي المجري الكونت رودولف أندريني وزوجته راقصة البالية إيلينا، والطبيب جون أربوثنوت، والمربية ماري دبنهام، والمبشرة بيلار إسترافادوس(بينلوبي كروز)، وبائع السيارات الكوبي الأميركي بنيامينو ماركيز، وجيرهارد هاردمان (ويليم دافو) المنتحل لشخصية أستاذ جامعي نمساوي.
يعرض رجل الأعمال راتشيت لبوارو رسائل تهديد من مجهول ويطلب منه أن يعمل كحارس شخصي له خلال الرحلة التي ستستغرق ثلاثة أيام، لكن بوارو يرفض بشدة الطلب. يؤدى انهيار جليدي أثناء خط سير الرحلة إلى خروج القطار عن مساره، مما يؤدى إلى تقطع السبل بالركاب حتى وصول فرق الإنقاذ. يستيقظ بوارو أثناء الليل على أصوات غريبة في مقصورة راتشيت المجاورة له، ويرى بعد ذلك مباشرة شخصًا يرتدي الكيمونو الأحمر في الممر.
في صباح اليوم التالي يُعثَر على راتشيت مقتولاً، وقد طعن بسكين 12 مرة، وسنعرف فيما بعد انها بعدد المسافرين على الدرجة الاولى. يقوم بواروهكتور بوك (جوش جاد) بالتحقيق مع الركاب الآخرين. تشير الأدلة إلى أن شخصًا واحدًا قتل راتشيت. تدعي السيدة هوبارد أنه كان هناك رجلاً في مقصورتها أثناء الليل. يكتشف بوارو رسالة محترقة جزئيًا تربط راتشيت بديزي أرمسترونج، وهي طفلة صغيرة اُختُطِفَت ثم قُتلت بعد أن دفعت عائلتها الفدية. يكشف المحقق بأن هوية القتيل راتشيت الحقيقية هي جون كاسيتي،خاطف ديزي وقاتلها. تسببت صدمة وفاة ديزي في وفاة والدتها الحامل سونيا. يغلب الحزن على والدها العقيد جون أرمسترونج مما يؤدي إلى انتحاره. تم الاشتباه خطأً في مربية الأسرة، سوزان، بالتواطؤ، مما أدى إلى اعتقالها ثم انتحارها أثناء احتجازها لدى الشرطة.
يُعثَر على المزيد من الأدلة، بما في ذلك منديل ملطخ بالدماء، وزر الزي الرسمي لمرشد القاطرة في مقصورة السيدة هوبارد. يجد بوارو بعد ذلك الزي الرسمي والكيمونو الأحمر في حقيبته. في هذه الأثناء، تُطعَن السيدة هوبارد في ظهرها بشكل غير مميت، لكنها لم تتعرف على الجاني. يكتشف بوارو أن العديد من الركاب لديهم اتصالات مباشرة بعائلة أرمسترونج ويكشف عن ماضيهم الخفي. أثناء إجراء مقابلة مع دبنهام، يُصاب بوارو برصاصة في كتفه على يد الدكتور أربوثنوت، الذي أعلن مسؤوليته عن جريمة القتل، لكن بوك منعه من قتل بوارو. ومع ذلك، يدرك بوارو أن أربوثنوت، قناص الجيش السابق، لم يكن ينوي قتله أبدًا.
يواجه بوارو المشتبه بهم خارج القطار ويقدم نظريتين حول مقتل كاسيتي. الأول بسيط ولكنه لا يتناسب مع كل الحقائق: استقل قاتل متنكر في زي موظف في القطار في محطة سابقة، وقتل كاسيتي، ثم فر من القطار. النظرية الثانية أكثر تعقيدًا: كل مشتبه به مرتبط بعائلة أرمسترونج أو سوزان أو بمحاكمتها. كلهم كان لديهم دافع لقتل كاسيتي وكما يلي:كان والد ماكوين النائب العام في قضية الاختطاف. أُثِّر عليه لمقاضاة سوزان وإرسالها إلى السجن، ليُدمَّر مساره المهني إثر تبرئتها بعد وفاتها.ماسترمان، الذي يعاني من مرض مزمن، كان خادم العقيد أرمسترونغ خلال الحرب العالمية الأولى، ثم خادمه الشخصي وكذلك خادم في منزل عائلة أرمسترونغ.الدكتور أربثنوت، كان رفيق العقيد أرمسترونغ وصدبقه المفضل.
الكونتيسة أندريني (المعروفة سابقًا باسم غولدنبرج واسمها الحقيقي هيلينا) كانت شقيقة سونيا أرمسترونغ وعمة دايزي.الكونت أندريني كان شقيق سونيا.الأميرة دراجوميروف كانت عرابة دايزي، وصديقة لجدتها.السيدة ديبنهام كانت سكرتيرة سونيا ومربية دايزي.شميدت كان طباخ عائلة أرمسترونغ.ماركيز كان سائق عائلة أرمسترونغ.إسترافادوس كانت ممرضة دايزي. هاردمان، الذي يدعى سايروس وهو أميركي، كان شرطيًا سابقًا ومغرمًا بسوزان.بيير ميشيل، مدير القطار، كان شقيق سوزان.هابارد يتضح أنها ليندا آردن، ممثلة مسرحية سابقة ومخرجة طموحة، وأيضًا والدة سونيا وجدة دايزي.
يستنتج المحقق بوارو، بعد تحليل دقيق للاحداث إلى أنهم ساهموا جميعهم في قتل كاسيتي ، وتؤكد هوبارد ذلك، معترفة بأنها خططت للقتل وجرَّت الآخرين للمشاركة. كل واحد منهم طعن كاسيتي. ارتدت دبنهام الكيمونو وطعن أربوثنوت هوبارد سطحيًا لإقناع بوارو بوجود قاتل وحيد. يتحدى بوارو الركاب وميشيل بإطلاق النار عليه باستخدام مسدس مصادر، ويحاول إقناعهم بذلك لمنعه من كشف مؤامرتهم وإعلانها للشرطة، فهو لا يستطيع الكذب كما يصف. تمسك هوبارد المسدس وتحاول الانتحار لكنها تكتشف بان المسدس خالي من الرصاص. كان بوارو يختبر ردود أفعالهم.
مع عودة القطار إلى مساره، يستنتج بوارو أن العدالة مستحيلة في هذه الحالة، حيث كان كاسيتي يستحق الموت. للمرة الأولى، يجب على بوارو أن يعيش مع كذبة وعدم توازن. يقدم نظرية القاتل الوحيد للشرطة اليوغسلافية، مما يسمح للآخرين بالبقاء على القطار. وبينما ينزل، يسلم جندي من الجيش البريطاني مذكرة تطلب منه التحقيق في "موت على ضفاف النيل"، وهي الرواية التالية لاجاثا كريستي التي اخرجها كينيث برناه عام 2022، كما اسلفنا، ويوافق بوارو على القضية.
أخذ النقاد على مخرج الفيلم، براه، لانه اضاف مشاهد القدس الى الفيلم بينما هي ليست موجودة في اصل رواية آجاثا كريستي، وانه بالغ في شكل شوارب المحقق بوارو، بحيث ان فريق المكياج صمموا له سبعة اشكال للشوارب قبل ان يختار التي ظهر فيها بالفيلم، وهذه مسالة طبيعية، فلكل مخرج اجتهاداته في معالجة احداث الرواية سينمائيا والا لكان تكررت ذات النسخ الفيلمية للرواية مع اختلاف اسماء المخرجين والممثلين.
رواية مثل (جريمة في قطار الشرق السريع) شحنتها كريستي بالالغاز، مما يجعل القراء يحيرون في حلها قبل بلوغ النهاية، وهكذا جاء الفيلم الذي يصعب الى المشاهد تركه منذ بدايته حتى نهايته ويبقى مشدودا للشاشة حتى تحل الغازه.
ملحق جريدة التايمز الأدبي، لخص بتاريخ 11 يناير 1934، حبكة الرواية وقال في ختامه "تحُلّ الخلايا الرمادية الصغيرة مرة أخرى، ما يبدو أنه غير قابل للحل. تجعل السيدة كريستي قصة غير محتملةٍ، تبدو حقيقية جدًا وتُبقي قرّاءها مفتونين، ويخمنون أحداثها حتى النهاية". و كتب آيزاك آندرسون، في مراجعة كتبها لجريدة ذا نيويورك تايمز، في تاريخ 4 مارس عام 1934، "كانت تخمينات المحقق البلجيكي متبصرةً جدًا، إنها إعجازية بشكل إيجابي. على الرغم من أن حبكة الجريمة وحلها يكادان يكونان مستحيلي الحدوث، تمكنت أغاثا كريستي من جعلهما يبدوان مقنعين جدًا في الزمن الذي حدثا به، وما الذي قد يريده مدمنو روايات الغموض أكثر من ذلك؟".
وأشار ناقد أدبي في صحيفة ذا غارديان، في تاريخ 12 يناير 1934، إلى أن "جريمة القتل هذه، كان من الممكن أن تكون "كاملة"،(أي الجريمة المثالية)، لو أن بوارو لم يكن على متن القطار، ويسمع بالمصادفة محادثةً بين الآنسة دبنهام والكولونيل آربوثنوت قبل أن يصعد على متنه".
في شهر ديسمبر عام 2014، أُدرجت رواية (جريمة في قطار الشرق السريع) ضمن قائمة مجلة إنترتينمنت ويكلي لأعظم تسع روايات للكاتبة الانجليزية آجاثا كريستي (15 سبتمبر 1890- 12 يناير 1976) المعروفة برواياتها البوليسية التي بلغت عددها 66 رواية و14 مجموعة قصصية قصيرة، خصوصًا هولاء الذين يدورون حول المحققين الخياليين هيركيول بوارو والآنسة ماربل. أيضًا هي كتبت أطول مسرحية في العالم، لغز الجريمة( مصيدة الفئران)، والتي عُرضت علي مسرح وست إند في لندن منذ 1952، وحملت هذه المسرحية رقمًا قياسيًا عالميًا كأطول فترة تشغيل أولية. حيث تم افتتاحها في مسرح السفراء في مسرح وست إند في لندن بتاريخ 25 نوفمبر 1952، وبحلول سبتمبر 2018، كان هناك أكثر من 27500 عرضًا. أُغلقت المسرحية مؤقتًا في مارس 2020 بسبب الإغلاقات جراء كوفيد-19 في انجلترا قبل أن يُعاد افتتاحها في مايو 2021.
كانت كريستي كاتبة في فترة "العصر الذهبي للروايات البوليسية"، ولُقبت بـ"ملكة الجريمة". أيضًا هي كتبت 6 روايات تحت الاسم المستعار ماري ويستماكوت. في 1971، لُقبت بالسيدة (السيدة القائد) بواسطة الملكة إليزابيث الثانية لمساهماتها في الأدب. أدرجت موسوعة غينيس للأرقام القياسية كريستي كأكثر كاتبة روائية مبيعًا في جميع الأوقات، بحيث بيعت رواياتها بأكثر من ملياري نسخة.
وكانت كريستي قد تزوجت عالم الآثار ماكس مالوان في 1930، وقضت عدة أشهر من كل عام في التنقيب في الشرق الأوسط، خاصة في العراق، واستخدمت معرفتها المباشرة في هذه المهنة في رواياتها.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً